لماذا لا يخصص مجلس الجهة مليارات "الزرادي" و المهرجانات لدعم مشاريع صغيرة للشباب العاطل؟؟
لماذا لا يخصص مجلس الجهة مليارات "الزرادي" و المهرجانات لدعم مشاريع صغيرة للشباب العاطل؟؟
بقلم: د.الزاوي عبد القادر- كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات
"الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب و نفس الخطوات و إنتظار نتائج مختلفة". ألبرت آينشتاين.
إنها إحدى مقولات عبقري كل الأزمنة العالم العظيم "ألبيرت آينشتاين"، في توصيفه للغباء البشري، و التي وجدت بأنها تنطبق بشكل مذهل و ملفت على مجلس جهة الداخلة و شريكه جمعية مبادرة، بخصوص إنطلاقة برنامج التشغيل الذاتي و ما يسمى ب"قروض الشرف".
رغم أن الجميع و حتى الجنين في بطن أمه يعرف بأنه في المغرب لا يوجد سوى نوع واحد من القروض، لا تعرف الشرف من عدمه، و تستلزم ضمانات كثيرة و شروط بنكية مجحفة و مشددة، و لن تتوانى اية مؤسسة بنكية في الزج بأصحابها المعسرين في السجون كما حدث من قبل مع اصحاب مشروع مقاولتي الفاشل، و حينها لن يشفع لكل حامل مشروع اصابه التعثر او الفشل لا جمعية مبادرة و لا مجلس ولد ينجا الجهوي و لا الجن لحمر.
لكن دائما و علاقة بعنوان المقالة، يشعر المرء بالكثير من الخيبة و الغضب حين يكتشف بأن بعض الدوائر داخل الدولة لا تزال تتعامل مع مشاكل المنطقة الاجتماعية و بالخصوص معضلة التشغيل المزمنة، بمنطق مسكنات الألم و نظرية الإلهاء الاستراتيجي، و مؤسف أكثر أن ينخرط مجلس الجهة المنتخب في هذه البروبكندا الرخيصة، و هو قادر بما هو متوفر لديه من إمكانات مالية هائلة ناهزت على مدار أربعة ميزانيات حوالي 200 مليار، على تمويل مشاريع صغيرة للشباب العاطل، عن طريق مأسسة جهاز جهوي تابع للمجلس مهمته تنمية المشاريع الصغيرة و الصغيرة جدا و تدبير مساطر تمويلها و متابعتها، بعيدا عن محاولة إعادة إستنساخ برنامج مقاولتي البائد، بنفس آلياته و قروضه و ندواته و أدواته و تكويناته، و الذي سبق أن أثبت فشله الذريع بإعتراف رسمي من الدولة المغربية.
لقد أتيحت لي الفرصة سنة 2006 أن أكون ما يشبه "فئر تجارب" لمشروع مقاولتي سالف الذكر، كشاب متخرج حديثا يريد أن ينشأ مشروع صغير يوفر له مدخول بسيط و يقيه شرور البطالة و حرمانها، حيث أجتزت بنجاح كل مراحل الإنتقاء و التكوينات و "لخروطي"، إضافة الى إضاعة الكثير من المال و الجهد على دراسة الجدوى و تنفيذ "business plan" و البحث عن ممون يمنحك "devis" و ما يسمى ب "facture pro-format" و البحث بعدها عن من يمنحك وعد بكراء محل للمشروع وووو...، و في الأخير يتم الرمي بك إلى المؤسسة البنكية التي ستغرقك في دوامة سخيفة و مملة من البيروقراطية و انعدام القرار على المستوى الجهوي و "التفيتيت الراكم"، حيث إنقضت سنة كاملة بلا فائدة، لأكتشف في الأخير بأن كل هذا المشروع الوهمي كان مجرد عبث و مضيعة للوقت، و أقرر في لحظة حرجة التخلي عنه بشكل نهائي و البحث عن شغل كريم و قار، بدل هذه المخاطرة غير مضمونة النتائج، و هو القرار الذي سأكتشف بعد مرور سنوات أنه كان صابئا، خصوصا بعد أن عرفت بالمصير الاسود الذي لقيه كثير من زملاء دفعتي حملة مشاريع إنشاء مقاولات صغيرة.
و إضافة إلى كوني حامل مشروع سابق في برنامج التشغيل الذاتي و خلق المقاولات للشباب العاطل "مقاولتي"، و امتلك شهادة مسلمة من المركز الجهوي للإستثمار تثبت ذلك -الوثيقة اسفله- فقد إشتغلت أيضا طوال أربعة سنوات أستاذا مؤطرا في انشاء المقاولات بشباك مقاولتي التابع للمعهد المتخصص للتكنولوجا التطبيقية بالداخلة "formateur accompagnateur "، و كان لي الشرف أنني أشرفت طوال تلك المدة على مواكبة و تكوين عشرات الشباب حاملي المشاريع في مجالات إقتصادية مختلفة، و أنجزت لفائدتهم عشرات دراسات الجدوى "business plan"، و أعرف الحصيلة الصفرية جيدا التي حققها أغلبية المستفيدين من هذه النوعية من المشاريع و المبادرات.
قولا واحدا، لا نريد قطعا أن يعتبر البعض من الصائدين في مياه مجاري الصرف الصحي بأننا عدميين، و نحاول جاهدين تنفير شباب الجهة من المشروع القديم-الجديد، الخاص بالتشغيل الذاتي و مساعدة شبابنا العاطل على خلق مشاريع صغيرة توفر لهم حياة كريمة، و الذي تسهر حاليا على تسييره جمعية مبادرة بشراكة مع مجلس "ولد ينجا"، إلا أننا أيضا لا نريد أن تستمر الدولة و مجلس الجهة في إجترار برامج "محروقة" للتشغيل الذاتي و خلق مقاولات صغيرة للشباب العاطل، أثبتت في ماض الأيام فشلها الذريع، خصوصا أن الطريقة و الفلسفة و الميكانيزمات التي يدبر بها حاليا البرنامج سالف الذكر تتماهى بشكل مذهل مع برنامج مقاولتي الفاشل، بينما كان مطلوب من مجلس الجهة الذي تدخل ضمن صلاحياته الأساسية مسؤولية خلق فرص الشغل للشباب، أن يختصر كل هذا العبث المكرر، و يخصص أربعة مليارات التي أنفقت على تمويل المهرجانات و الحفلات و "الزرادي"، لأجل تمويل إنجاز مشاريع صغيرة مدرة للدخل، في إطار جهاز جهوي مؤسس يعهد إليه تنفيذ البرنامج وفق منهجية مبتكرة و شروط صارمة و محددة، بعيدا عن قروض "الشرف" و ندوات "التفيتيت الراكم"، و إعادة صناعة الفشل من جديد، إنتهى الكلام.