في موقف بطولي غير مسبوق و إنتصارا لساكنة الجهة..حلف "الجماني" يرفض أن يكون شريكا في تسويق اكاذيب مجلس الجهة
المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات
في موقف رجولي سيسجله لهما التاريخ بربوع الداخلة المالحة، بمداد من فخر و سؤدد، و إنتصارا للساكنة و حقوقها المهدورة، رئيسي جماعتي تشلا و ميجك المحسوبين على حلف "الجماني" السياسي و الإنتخابي، ينسحبان من مهزلة الورشة التحضيرية حول الجهوية المتقدمة التي نظمها مجلس جهة الداخلة.
و عودة على بدأ، إطلعت بالصدفة على قصاصات إخبارية مخزية تداولتها الأذرع الإعلامية الموالية لرئيس الجهة، تطبل فيها للورشة التحضيرية الخاصة بالمناظرة الوطنية الاولى للجهوية المتقدمة التي ستحتضنها مدينة اكادير نهاية الشهر الجاري، و التي جرت أطوارها يوم أمس الاثنين بمقر ولاية الجهة، و هاجمت خلالها بشكل بائس غياب رئيس بلدية الداخلة "سيدي صلوح الجماني" عن أشغال ورشة تحضيرية غير رسمية و لا تهم الساكنة في اي شيئ يذكر.
ورشة تحضيرية تافهة للغاية، ليست قرأنا منزلا و لم ينص عليها الدستور المغربي، و لا تدخل قطعا ضمن مقدسات الدولة و ثوابت الأمة، خصصت محاورها للدردشة الفارغة و "تقرقيب الناب" بخطابات البروبكندا و اللغة الخشبية المهترئة و "التفيتيت الراكم"، لأجل الترافع عن مشروع فاشل يعاني موتا سريريا منذ سنوات، لم تجد له ساكنة الجهة المحرومة إلى حدود كتابة هذه الأسطر، أية نعمة تشكر أو فائدة تذكر.
لقد سبق لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله أن إنتقد في رسالة وجهها نهاية السنة الفارطة إلى المشاركين في أشغال الملتقى البرلماني الثالث للجهات، عجز مشروع الجهوية المتقدمة عن الاستجابة لإنتظارات المواطنين، مؤكدا جلالته، على أن المغاربة لا يريدون مؤسسات جهوية تظل حبرا على ورق، بل يتطلعون لجهات فاعلة تتجاوب مع انشغالاتهم الملحة، وتساهم في تحسين معيشهم اليومي. وجدد صاحب الجلالة التذكير بالدعوة التي وجهها للمنتخبين خلال الدورة الثانية لهذا الملتقى، من أجل ابتكار حلول محلية تتلاءم مع مشاكل الشباب، مبرزا جلالته في هذا الإطار بالقول: ”أننا لاحظنا أن مبادرات الجهات بهذا الخصوص ظلت دون طموحنا، فضلا عن كونها لا تستجيب لتطلعات الفئات المعنية”. وشدد جلالة الملك أيضا في رسالته إلى المشاركين في الملتقى على أنه: “من تثمين القدرات البشرية إلى المسؤولية والمساءلة، مرورا بالأنماط التدبيرية والآليات الإنجازية الحديثة، هناك مواضيع عديدة تسائلكم، وتنتظر منكم الوقوف على الأسباب الحقيقية للوضع الراهن، من أجل إيجاد الحلول الواقعية والشفافة للمشاكل المطروحة، والتجاوب الإيجابي مع مطالب وانتظارات المواطنات والمواطنين”.
فمن يا ترى يستهتر بتوجيهات جلالة الملك، و يتحدى الثوابت المؤسساتية و التدبيرية التي ما فتئ يدعو إليها في خطاباته و رسائله السامية؟ هل هو رئيس الجماعة الترابية للداخلة "الجماني" الذي يعاني حصار مالي خانق من مجلس الجهة بسبب حسابات انتخابية وضيعة، أم رئيس مجلس الجهة و سلطة الرقابة ممثلة في والي الجهة، المؤتمنين الحصريين و القانونيين على تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة و بلورة توجيهات جلالة الملك على أرض الواقع؟؟ من يا ترى الضحية و من الجلاد؟؟ ما فائدة حضور رئيس بلدية عاصمة الجهة في اجتماعات تحضيرية لمشروع جهوي فاشل لم تستفد من ميزانياته المليارية جماعة الداخلة بدرهم واحد؟؟ أم أنهم يريدون حضور "الجماني" لأجل تأثيث المشهد الركيك و توريطه في مستنقع مشروع الجهوية المتقدمة بالداخلة و ملفاته المشبوهة و مشاريعه الملغومة؟؟؟
إن الذي يثير الشفقة و الغضب في هذه الوقائع المخزية، أن المنسوب المرتفع من الغضب الشعبي الذي تم ترجمته و لا تزال وقفات إحتجاجية شبه يومية، نادت و لا تزال بالعدالة الاجتماعية و الكرامة و محاربة الفساد و توزيع عادل للثروة و توفير مناصب الشغل لكافة الشباب العاطل من حملة الشواهد و غيره، يوازيه من جانب آخر منطق متقيح عنوانه العريض مقولة "كولو العام زين" و أخواتها، و ذلك في إطار إجترار ممنهج لأسطوانة مشروخة من الديماغوجية الموغلة في العدمية و اللغة الخشبية المنمقة، حيث لا يفوت سلطات الرقابة و رئيس المجلس الجهوي الفرصة دون الترافع برباطة جأش و "وجه حمر" عن "الطفرة التنموية العظيمة" التي تشهدها الجهة, و التي يحملها النموذج التنموي الذي دشنه جلالة الملك محمد السادس حفظه من هذه الربوع المالحة، و الذي لا زال يراوح مكانه منذ أكثر من أربعة سنوات على إعطاء انطلاقته، بل و تحول للأسف الشديد إلى ما يشبه مشروع "بيع القرد و ضحك على من شراه" ذائع الصيت.
كيف امتلك مسؤولي الجهة, كل هذه الجرأة و الشجاعة في أن يتحولوا إلى شهود زور على المرحلة, و على مشروع ملكي طموح تحول بهذه الربوع المالحة، إلى ما يشبه طبل "إيكاون", صالح فقط لتطبيل و "التهيدين" أمام الوفود الداخلية و الاجنبية, بينما واقع الحال شاهد على بؤس و هزالة يندى لها الجبين, رغم ما وفرته الدولة لمشروع الجهوية من إمكانات مالية ضخمة طيلة 4 سنوات مضت, لم يجد لها أبناء الجهة أية فائدة تذكر, فلا جامعات بنيت "تحمر لوجه" و تحفظ كرامة طلبة المنطقة من "التكرفيس" و "الحكرة" في مدن الشمال, و لا مستشفيات جامعية شيدت لتضمد جراحات المرضى المعوزين و تحترم آدميتهم و تغنيهم عن السفريات الشاقة و "التمرميد" في مستشفيات "داخيل" المملكة, و لا مناصب شغل كريمة وفرت لتصون كرامة العاطلين و حملة الشواهد العليا و المحرومين و المفقرين, و لا ثروات سمكية مستباحة مكن للساكنة في مشاريعها و ريعها, بإستثناء طبعا لوبيات مفترسة و كمبرادورات الريع و الفساد, إلى درجة من التسيب و النهب تجاوز فيها ثمن سمك "الكوربين" 120 درهم للكيلو غرام, في شبه جزيرة تعوم على ثروة أسطورية من الأسماك يتجاوز حجم إنتجاها السنوي المتجدد مليون طن. و حتى مشاريع النموذج التنموي الجديد بالجهة التي دشنها جلالة الملك قبل سنوات، لا تزال تراوح مكانها، و بعضها لا يزال مجرد حبر على ورق، و الشاهد على كلامنا ورش الطريق الوطنية رقم واحد المركوع، و مشروع ميناء الصيد الأطلسي بالداخلة المتعثر، و محطة تحلية مياه البحر لأجل الشرب التي لا تزال في غياهب الغيب بينما تعيش ساكنة الجهة على العطش و الانقطاع المتكرر لمياه الشرب.
فبالله عليكم إذن: أين هي هذه الجهوية المتقدمة و الطفرة التنموية العظيمة التي شرخوا بها رؤوس الساكنة و المنتظم الدولي؟؟؟ اللهم إلا إذا كانوا يقصدون بكلامهم، تكريس الريع الإنتخابي و السياسي البغيض بالجهة, من خلال توزيع الدعم المليوني السخي من اموال الساكنة الفقيرة على مجموعة كبيرة من الجمعيات المحظوظة, و إنفاق المليارات من الميزانية على تمويل المهرجانات و تنشيط الحفلات و الإطعام و "الزرادي" إضافة إلى برنامج التنمية الجهوية الذي سبق ان أسميناه ببرنامج "حانو شوارب الجمل يطيحو", ناهيك عن التغول الرهيب الذي تعرفه لوبيات الفساد المقربة من السلطة، و عمليات الترامي الرهيب على العقارات المملوكة للدولة و الأراضي الجماعية و المساحات الخضراء، إضافة إلى البلقنة الإجرامية التي يشهدها الملك العمومي البحري بشواطئ خليج وادي الذهب.
إنه يا سادة الحصاد المر لسنوات عجاف من التدبير الفاشل و الكارثي للملف الاجتماعي و التنموي و السياسي و الإنتخابي و الديمقراطي بشبه جزيرة الداخلة، سنوات قحط و نحس مستمر, نجح خلالها المسؤولين عن تدبير الجهة في تسمين "ماريونات" السياسة و أشياخ الريع، و تحويل كرسي التمثيلية الانتخابية إلى بقرة حلوب, و الميزانيات إلى "فريسة" ينهشونها نهش الضباع الجائعة للجيف في جوف البراري بلا شفقة او رحمة، لينضاف إلى عقد تلك النخبة الفاسدة، موضة جديدة في التدبير قائمة على تحويل جرف الداخلة الملعون إلى أصل تجاري لمقاولين من شذاذ الجغرافيا المغربية المترامية الأطراف، عن طريق زواج غير شرعي بين السلطة و رجال الأعمال و رؤساء مجالس منتخبة، تحول معها المنتخب من ممثل للساكنة و مدافع عن مصالحها إلى سمسار و وسيط بين جميع تلك الأطراف، مهمته البيع و الشراء في بؤس الساكنة و نهب ما إستطاع إليه سبيل من أموالها العمومية و انتظاراتها و حقوق أجيالها القادمة.
لذلك لن يجد المواطن البسيط صعوبة كبيرة في أن يستنتج بأن ما يسمى بمشروع الجهوية المتقدمة قد ولد ميتا بالداخلة, رغم ما خصصته له الدولة المغربية من الميزانيات الضخمة, ناهزت على مستوى سنوات 2015 ,2016, 2017, 2018, 2019, أكثر من 200 مليار سنتيم عدا و نقدا, كان بإمكانها أن تحول الجهة إلى "سويسرا" أخرى, وترفه من مستوى عيش المواطنين المقهورين, و تمحو شبح البطالة المخيف الجاثم على أحلام و صدور شباب الجهة العاطل و حملة الشواهد المحرومين, الذين ضاقت بهم ميزانيات الجهة بما إشتملت عليه من ملايير, و صدت دونهم أبواب الولاية و الجهة، بل و إختار بعضهم النزول إلى الشارع و الاحتجاج دفاعا عن لقمة عيش سرقت من أفواههم و ثرواتهم السمكية المنهوبة, بينما إيجاد حلول ناجحة من خميرة الميزانيات المليارية لكل هذه المشاكل العويصة و الانتظارات الملحة و المطالب الإجتماعية العادلة, هو لعمري الدور الحقيقي المنوط بمشروع الجهوية المتقدمة و الإختصاص الأصيل للدولة المغربية و لمجلس الجهة.
إنها بإختصار شديد، قصة الفشل الذريع الذي مني به مشروع الجهوية المتقدمة بجهة الداخلة وادي الذهب، تحت قيادة "ولد ينجا" و حلفه السياسي، و في ظل صمت مهين من سلطات الرقابة ممثلة في شخص والي الجهة، حيث عجز بعد مرور حوالي أربعة سنوات على انطلاقته من هذه الربوع المالحة، في تحقيق أي شيئ يستحق الذكر لرعايا صاحب الجلالة بمختلف فئاتهم و أعمارهم و إنتظاراتهم، رغم الإمكانات المالية الضخمة التي ضخت في ميزانية مجلس الجهة، في الوقت الذي وصل فيه البؤس و الحرمان و الاحتقان الإجتماعي درجات غير مسبوقة، تزكيه الوقفات الاحتجاجية شبه اليومية التي ينقذها الشباب العاطل حملة الشواهد العليا، و الفئات الاجتماعية المهمشة، و عليه من السابق لأوانه في ظل كل هذا الوضع المشمئز، الحديث عن الديمقراطية و حقوق الإنسان ومشروع الجهوية المتقدمة و الحكم الذاتي إلى آخره من العناوين الجوفاء، لأنه لا عبور نحو الديمقراطية الحقة و دولة المؤسسات الراسخة، بدون استرداد المواطن لحقه المسلوب و مستقبله المهدور.
فتى يا ترى يستوعب رئيس الجهة و حلفه الفاشل، الخطابات و الرسائل الملكية السامية، و يتوقفون عن إضاعة الوقت و الجهد على خصومات إنتخابوية عبثية، و الانشغال بتصفية الحسابات الشخصية مع رئيس بلدية الداخلة و حلفه السياسي، و إهدار الإمكانات المالية الهائلة التي منحت للجهة، على تمويل الحفلات و المهرجانات و "الزرود" و تشييد مقرات "أسطورية" و هلما جرا من الهدر الميزانياتي المقيت، و العبث الخطير بمستقبل و مقدرات الساكنة المحرومة؟؟؟
قولا واحدا، إن مشروع الجهوية المتقدمة بالداخلة و نتيجة فشله المدوي و إنعدام مردوديته السوسيو-إقتصادية على الساكنة, و عجز الدولة عن تنزيل اوراشه التنموية بما يخدم تنمية الإنسان و النهوض بأوضاعه على مختلف الأصعدة، بات يضرب في مقتل المقترح المغربي للحكم الذاتي و يشكك في نجاعته و مدى إمكانية تنزيله على أرض الواقع, ما بات يستلزم من الدولة التدخل العاجل من اجل وقف نزيف اموال الشعب المستنزفة بإسم مشروع "ول أهميش" سالف الذكر, و إجراء مراجعة شاملة و جوهرية له, و القضاء النهائي على كل أشكال الفساد الذي تتعرض له ساكنة الجهة عل كافة الأصعدة.