Créer un site internet

من وحي منتدى كرانس مونتانا...فلوس اللبن يوكلهم زعطوط

Crans montana dakhla3

بقلم: د.الزاوي عبد القادر-كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات 

لأننا مركز دراسات أكاديمي نخبوي و مسؤول، يأبئ أن يكون شاهد زور، و عراب للرداءة و الضحك على الذقون و إشغال الرأي العام المحلي بتقارير و مقالات عن منتديات و مهرجانات طبخت أجنداتها في الغرف المكيفة، بعيدا عن هموم الساكنة و انشغالات شبابها و أحلام مستضعفيها.

و لأننا أيضا نمثل نخبة من الشباب الصحراوي الأكاديمي و المستنير، الذي يرى في هذه النوعية من المنتديات عبثا مرسلا و تبذيرا مشينا لحزمة كبيرة من أموال الشعب العمومية، في ظل خصاص مهول على مستوى البنى التحتية و المشاريع السوسيو- اقتصادية المهيكلة بهذه الربوع الملحية، بالإضافة الى التهميش المتعمد للشباب و مشاريعه و قدراته و أخرها مهزلة اللجنة الجهوية للاستثمار التي أقصت جل مشاريع خلق المقاولات الصغرى كان قد تقدم بها أبناء هذا الجرف البحري الملعون, من حفدة شعب الفرطين البائد, و الذين أتحدى إن كان أصحاب هذا المنتدى و ممولوه و داعموه و منظموه قد سمعوا بهم من قبل.

و لأن هذه الجهة في حاجة ماسة الى منتديات من نوع آخر، للإصلاح و التنمية الحقيقية و المساواة و العدالة الاجتماعية و الديمقراطية الحقة و التوزيع العادل للثروة و محاسبة المفسدين، من جوقة أغنياء حرب الصحراء و شذاذ الاصقاع، و أزلامهم من مصاصي دماء الشعوب و أرزاقهم و أحلامهم بغد أفضل.

و لأننا أيضا نرى أن الوقت قد حان, و خصوصا في ظل ما بات يعانيه ملف الصحراء من انتكاسات متكررة و تطورات متسارعة, من أجل فتح نقاش صريح و حقيقي مع النخب الصحراوية الحية, و الاستماع الى مطالبهم و اقتراحاتهم و أوجاعهم, بعيدا عن الطبالين و المرتزقة و "اللي محاذيين العطار بتزوكنيت" كما يقول البيظان, و الاعتراف بأن المقاربة المستمرة الى اليوم في تدبير شؤون المنطقة قد أبانت عن فشلها الذريع, و منتدى كرانس مونتانا بالنسبة لنا ليس سوى ارث قديم لتلك السياسات البائسة.

لكن يبدو أن ولائم منتدى كرانس مونتانا المنتظرة, و أغلفته الصفراء المشتهاة, قد أخرست ألسنة و أقلام أولئك الذين صموا آذاننا, بدفاعهم عن ثروات الصحراويين و مصالحهم ضد لوبيات الفساد و الاستنزاف, لذلك ما إن يبدأ المنتدى أشغاله, حتى ترى القوم "يتمخششون" بين أجنحة أنشطته و موائده الفايف ستار و ندواته, "يشمشمون" و يتهافتون على أخذ صور "سيلفي" بين أروقته و مع ضيوفه. و حين تعقد الولائم على شرفه, تراهم سكارى و ما هم بسكارى "يحشون" في أفواههم المشرعة على مصراعيها "شهيوات" مليونية مما لا عين رأت و لا خطر على قلب بشر, و كل ذلك طبعا من أرزاق و ثروات الشعب العمومية, المصروفة بأمر الدولة المغربية بلا حساب, و قد نسوا أو تناسوا بأن النضال لا يتجزأ و أن المبادئ لا تقبل القسمة على إثنين, و أن هذا المنتدى هو مجرد عرض راق جدا لكيفية استنزاف ثروات الصحراويين على مرأى و مسمع الجميع و "بوجه أحمر".

منتدى كلف جيوب دافعي الضرائب المساكين ملايير السنتيمات, أضف الى ذلك حجم أسطول السيارات "فايف ستار" التي سيتم كرائها من وكالات الأسفار, و مصاريف السائقين و الوقود, و مصاريف تذاكر الطائرات ذهابا و ايابا, و تكاليف رجال الأمن الذين سيؤمنون المنتدى, و تكاليف شركات الأمن الخاص الذين تم التعاقد معهم...الخ, حيث تحدثت تقارير إعلامية أن المغرب قد أنفق حتى اللحظة, و منذ إنعقاد أول نسخة سنة 2015, قرابة 15 مليون دولار على اربع دورات من منتدى كرانس مونتانا بالداخلة، و يستعد الان لإنفاق حوالي 5 ملايين دولار على الدورة الحالية التي إنتهت أشغالها.

و الحصيلة هي أن مدينة الداخلة و رغم تعاقب دورات المنتدى, لا تزال كما هي, صاخبة ببؤسائها و محروميها, و أحلامهم التي أستحالت الى سراب, حيث صار الاقصاء الاجتماعي و الاقتصادي, عنوان المرحلة, و الشاهد هنا, حرمان شباب المدينة من الساكنة الأصلية, من الاستفادة من ثرواتهم البحرية, و التكالب على قطع أرزاقهم بميناء المدينة المختطف من طرف شرذمة من  لصوص الثروات البحرية و لقطاء الجغرافيا و الأغراب, ناهيك عن العقاب الجماعي الذي تتعرض له الصحراء و طلابها و شبابها على المستوى الاكاديمي, من خلال حرمانها من مؤسسة جامعية حقيقية رغم أنها تشكل أكثر من ثلث مساحة التراب الوطني, على طول ساحل أطلسي يتجاوز 700 كلم, هذا دون نسيان الوضع الصحي الكارثي بالجهة و غياب مستشفيات جامعية كما هو الحال في مدن الشمال المغربي, حيث يضطر مرضى القصور الكلوي الحاد إلى السفر لمدينة الدار البيضاء على بعد أكثر من 2000 كلم من أجل تركيب جهاز بسيط للتصفية الدموية.

و نفس الشيئ ينطبق على قضية الصحراء, التي هي اليوم في أشد أيامها صعوبة و تدهورا, خصوصا بالنسبة للموقف المغربي على صعيد الأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي, و الذي زاده تعقيدا و تقهقرا قرار محكمة العدل الأوروبية الاخير, الذي أكد بأن إتفاقية الصيد البحري بين الإتحاد الأوروبي و المغرب لا يمكنها أن تطبق على المياه الإقليمية للصحراء, و بأن هذه الأخيرة لا تشكل أبدا جزءا من المملكة المغربية, كما أن جبهة البوليساريو هي الأخرى لا تزال في مكانها, متأبطة بنادقها, تدق طبول الحرب ليل نهار, بل و وصلت بقواتها العسكرية الى المحيط الاطلسي غربا, و يرابض مسلحيها منذ عدة شهور غير بعيد عن الكركرات على بعد أمتار قليلة من البوابة الحدودية الجنوبية, بل و شرعت في تشييد مقر لجيشها داخل الشريط العازل, كما أن اللاجئين الصحراويين أيضا, لا يزالون كما كانوا منذ أكثر من أربعين سنة, قابعين فوق تراب الحمادة في انتظار العودة الى أرضهم, و الشيئ الوحيد الذي سوف يتغير في كل هذه المعادلة الصفرية, هو فقط رصيد الميزانية العامة للدولة, الذي سوف ينقص بملايين الدراهم.

أكررها مرة أخرى, نحن لسنا انفصاليين و لكننا أيضا لسنا أغبياء, و المغرب مطالب بأن يقنعنا نحن المعنيين بالقضية و "أهل التراب", بنموذجه التنموي و الحقوقي و السياسي و الإنساني, و أقصد هنا الصحراويين شرق و غرب الجدار العازل, بدل تبذير أموال طائلة على منتديات "الزرود", لإقناع حفنة من لقطاء الجغرافيا غير معنيين أصلا بالنزاع و غير مخولين للحديث بإسمنا أو الترافع بالنيابة عنا, فالصحراويين وحدهم من يملكون حق الاختيار و الترافع.

لكن للأسف الشديد و الى حدود الساعة, النموذج السياسي و التنموي الحالي المقدم من طرف الدولة و معه "باكيج" سياساتها في الإقليم المتنازع عليه, غير جذاب و غير مقنع لنا البتة, يذكرنا حالها بما سبق و أن قاله الملك الراحل الحسن الثاني في أحد خطبه الشهيرة: "لقد ربحت الأرض لكنني لم أربح قلوب الصحراويين". و الدولة المغربية لا زالت تراوح مكانها عند حدود هذه الكلمات الحكيمة, بل و زادت عليها البحث عن ربح قلوب جياع إفريقيا و منبوذيها, عن طريق منتديات مخملية لذوي البشرة الشقراء.

سيضع مهزلة كرانس مونتانا أوزاره كما في جميع نسخه السابقة, و يغادرنا غير محزون عليه بباخرته و ضيوفه و ندواته و أجنداته, و سيبدأ كما في كل مرة شعب هذا الجرف البحري الملعون, بإحصاء خسائره من أمواله و ثرواته و أحلامه, التي استنزفت تحت شعارات المنتدى الوهمية, و سيبقى الصراع و المظلومية و النزاع.