الثروة السمكية بجهة الداخلة وادي الذهب أصبحت مهددة بالانقراض. إنها الحقيقة المرة التي لا زال البعض للأسف يريد إخفاءها بالكثير من المساحيق و التعتيم.
فاستنزاف البحر بالصحراء و خصوصا جهة الداخلة وادي الذهب صار مع توالي الأيام يهدد الاقتصاد المحلي و الساكنة الصحراوية بالكساد بسبب جشع "أباطرة البحر" الذين يفعلون كل شيء للحفاظ على امتيازاتهم كاملة غير منقوصة. أما سلطات المراقبة، فلسان حالها يقول " لا عين رأت ولا أذن سمعت و لا قلب وجع". فثمة ما يشبه الإجماع على أن السفن التي تصطاد في أعالي البحر تعد العدو الأول ليس لأنها تصطاد أثمن وأغلى الأسماك، بل لأنها تدمره وتجرف كل شيء في رحلة البحث على أكبر نسبة من الربح، بدءا بقتل الأسماك الصغيرة ورميها في البحر ومرورا بالتحايل على القانون من أجل اصطياد أكبر حصة ممكنة من الأسماك ووصولا إلى احتكار حصة الأسد من الكوطا المخصصة للصيد بكل تفرعاته.
في هذا الملف، نتوقف عند أهم الخروقات التي تطبع ملف الصيد البحري بالجهة، خاصة فيما يرتبط بالصيد في أعالي البحار واصطياد الأخطبوط و تهريبه, والمافيات المتشعبة التي تتحكم في آلاف البحارة وفي المحصلة: المنطقة بات قريبا جدا من فقدان مخزونها السمكي بطريقة تبعث على الكثير من الغرابة. في الملف نطرح السؤال الخطير: هل ستصبح المنطقة بدون ثروة سمكية؟
تورط "لوبيات" الصيد في أعالي البحار في استنزاف بحار الداخلة
في ملف الصيد البحري وارتباطه باستنزاف الثروة السمكية ، لا شيء يتم خارج القانون. الكل يبرر استنزافه للبحر بالوثائق وبالمساطر القانونية، بل إن البعض ممن استطاب، لعشرات السنين، أن ينهب و يسرق، بقوة النواميس الموضوعة أيضا، كلما أحسوا أن وزارة الفلاحة والصيد البحري بصدد إنجاز قانون يحد من سرقاتهم على الأقل يسارعون إلى إنشاء جمعية ويجمعون حولهم أتباعا وحواريين، ويوظفون مئات الملايين من الدراهم كي يظل البحر محمية لهم باستعمال جميع الوسائل, مستغلين بذلك أبناء المنطقة و بعض من جمعياتهم المرتزقة كجدار دفاعي عنهم مقابل أموال ضخمة و عطايا تمنح لهؤلاء لشراء صمتهم و ولاءهم لهم ولا نعدم الأمثلة في هذا الصدد: استنزاف الأخطبوط والقضاء على الأسماك الزرقاء، ونهب الأسماك الغالية في الداخلة.
والحقيقة هي كالتالي: بعد أقل من عشر سنوات ستفقد المنطقة ثروتها السمكية من الأسماك الزرقاء والرخويات والأسماك الثمينة بسبب "مافيات" يسندها رجال يعملون في الإدارة وصيادون صغار وكبار يتواطؤون معهم، وهي مستعدة على الدوام للدفاع عن مصالحها. كيف ذلك؟ يقول أحد الفاعلين الجمعويين الذين تحدثت إليهم الجريدة إن ما يصطلح عليه بالراحة البيولوجية وتوزيع الحصص من الأسماك بين سفن الصيد في أعالي البحار والصيد الساحلي والصيد التقليدي تنطوي فيه الكثير من التفاصيل الصغيرة لكنها مهمة، لأنها ببساطة تفضح إلى أي مدى أصبح قطاع الصيد البحري مشرعا أماما مافيات همها الوحيد هو جني الأرباح سواء بالقانون أو ضد القانون.
أعالي البحار..القضاء النهائي على الثروة السمكية بالداخلة
قبل عقدين من الزمن كانت السفن التي تصطاد في أعالي البحار بمدينة الداخلة تتجاوز 380 أما الآن، فحسب المعطيات المتوفرة، فلا تتجاوز 250 سفينة، والسبب الرئيس هي السفن نفسها التي استغلت الفراغ القانوني في الفترة الماضية لتتجاوز حصتها التي حددتها وزارة الفلاحة والصيد البحري. يشرح أحد المتخصصين الذي رفض الكشف عن هويته بسبب ما أسماه حساسية الموضوع بمدينة الداخلة: "هناك سفن ضخمة لا يمكن مراقبتها ولا يمكن أيضا أن تعرف ماذا تصطاد وما هي نوعية الأسماك التي تصطادها، وهل تتلاءم مع دفتر التحملات الذي بموجبه تشتغل السفن الكبيرة وهل تخضع عملية المسافنة بالنسبة للسفن الأجنبية للمراقبة الدقيقة كي لا يتم تهريب الأسماك المغربية إلى وجهات أخرى".
لنفهم الموضوع أكثر، يوضح المصدر نفسه أن هناك على سبيل المثال سفن تسمى بسفن RSW، وهي السفن التي تخزن الأسماك عن طريق عملية التبريد، حيث تتوفر هذه السفن على نظام متطور للتبريد يحتفظ بالأسماك في مخزن كبير مليء بالمياه كي تحافظ الأسماك على طراوتها وتتجنب أيضا فيروسات تصيب الأسماك خاصة الزرقاء- السردين على وجه الخصوص-، بالنسبة لهذه السفن فهي متطورة جدا، ولديها قدرة كبيرة على اصطياد كميات غير محدودة من الأسماك. من جانب آخر، ثمة نوع آخر من السفن الذي يتوفر على رخصة اصطياد جميع أنواع الأسماك باستثناء الأسماك السطحية ونقصد الأسماك الزرقاء، أما السؤال الذي يؤرق المهنيين: "هل تعرف السلطات ما الذي تصطاده هذه السفن وهل احترمت دفتر التحملات".
في الجواب عن السؤال تطرح الكثير من الأفكار في مقدمتها أن المغرب لا يتوفر كما باقي الدول المتقدمة في المجال البحري على الوسائل المتطورة التي بإمكانها أن تحدد طبيعة السمك المصطاد وكميته الحقيقية وكل ما نتوفر عليه هو مراقبة البحرية الملكية والدرك الملكي، وفي السفن الأجنبية نجد ملاحظا مغربيا يراقب مدى احترام هذه السفن لاتفاقيات الصيد البحري مع المغرب. تفيد المعلومات و التقارير أن السفن التي تصطاد في أعالي البحار متورطة في خروقات كبيرة تهدد الثروة السمكية بالاندثار دون أي مبالغة، فهي تعمد إلى اصطياد الحوت الصغير بالإضافة إلى أن قبطان السفينة هو من لديه حرية اختيار الكمية المصطادة بالنظر إلى أن الحصة التي تمنحها الوزارة للسفن المشتغلة في أعالي البحار تخضع لمنطق الحصة الجماعية وليس لمنطق الحصة الفردية. لا يفهم بعض المهنيين كيف أن عشرات السفن تلجأ إلى رمي الحوت الصغير في البحر، الشيء الذي يشكل خطرا حقيقيا على الثروة السمكية.
الأخطبوط..ولعبة كسر العظام
يتحكم"أخطبوط" " الفريكو" بالداخلة في بيع وشراء "البولبو" أي الأخطبوط إلى درجة أن هذا اللوبي أصبح قويا جدا في الكثير من الموانئ المغربية. يؤكد أحد المهنيين في تصريح للجريدة أنه ليس هناك راحة بيولوجية كما قد يعتقد البعض، صحيح أن الوزارة وضعت معايير صارمة لحماية الأخطبوط من الانقراض لكن أباطرة البحر يتحكمون في مراكب الصيد الصغيرة التي تصطاده بشكل سري خلال تطبيق مبدأ الراحة البيولوجية. هذا التحكم، استنادا إلى المعلومات المتوفرة يتمظهر في تجليات كثيرة يمكن أن نجملها في ثلاثة أبعاد رئيسة. فيما يتعلق بالبعد الأول، فإنه من المستحيل أن لا تكون السلطات الموكول لها مهمة المراقبة على علم بالمراكب التي تصطاد بشكل سري، الشيء الذي يزكي فرضية التواطؤ إلى حد كبير. أما البعد الثاني، فيتعلق بطبيعة رجال الأعمال الذين يتوفرون على"الفريكو"، و"الفريكو" حتى تتوضح الأمور أكثر هو المكان الأكثر أمانا للحفاظ على طراوة الأخطبوط.
يتساءل المهنيون في الفترات التي تعرف تطبيق الراحة البيولوجية يكون عرض الأخطبوط متوفرا جدا في السوق لكنه ليس بثمنه الأصلي، ففي الوقت الذي يصل فيه ثمنه في الأيام العادية إلى 60 إلى 70 درهم، يتضاعف ثمنه خلال فترة الراحلة البيولوجية ليصل إلى 150 درهما، والمستفيد الحقيقي من هذه التجارة المربحة في نهاية المطاف أصحاب "الفريكو" والمافيا التي تشتغل في فلكها. ويرتبط البعد الثالث، وهو البعد الأهم والأخطر في سلسلة حرب الاستنزاف التي تستهدف الأخطبوط، بالطريقة التي تشتغل بها هذه المافيا. الأكيد أن الشاحنات التي تنقل الأخطبوط خلال فترات منع صيده تمر عبر التراب المغربي وليس من أي مكان آخر، وتدخل إلى موانئ مثل أغادير وطانطان دون أي مراقبة رغم أن هذه الشاحنات يجب أن تتوفر على تصريح بالكميات المصطادة، وأن تخضع تلك الكمية للمزاد العلني وقبل كل شيء يجب أن يؤشر عليها الطبيب البيطري. في الكثير من الحالات، حسب مصادرنا، تتم كل هذه العمليات بطرق وهمية بتواطؤ من الجميع.
يقول مصدرنا معلقا على الأمر: "هناك شبكة حقيقية تشتغل في هذا المجال، ومن قال لك إن هناك أصحاب"فريكويات" معدودة على رؤوس الأصابع يكذب عليك، إنها شبكة تقوت بطريقة غريبة وأصبحت أقوى من مصالح الدولة بالمدينة، ولديها نفوذ داخل القضاء وداخل الأمن وداخل الدرك. أعتقد أن الأخطبوط الذي يخرج من المدينة في أوقات الراحة البيولوجية لا يتم نقله عبر الجو أو عبر الطائرات، بل عبر شاحنات معروفة تقطع حوالي 1300 كلم من الطريق في اتجاه أكادير أو طانطان ولا يوقفها أحد. كيف يمكن أن تفسر ذلك. وحين تقرر أن تخبرهم بأن هناك شيئا ما يتم خارج القانون يفضحونك عوض أن يحموك. وهناك نقطة أخرى أريد أن أتوقف عندها وهي أن القضاة المغاربة ليست لديهم دراية بموضوع الخروقات البحرية، مما يفسح المجال في بعض الأحيان للتلاعب بالقانون بيد أن هذا لا يمنعنا من القول إن قضاة أكفاء كانوا بالداخلة أصدروا عقوبات زجرية كبيرة، وهو أمر محمود لأنه لو حكمت على هؤلاء بدفع غرامات مالية، لن يفضي ذلك إلى أي نتيجة لأن المخالفين يجنون أموال طائلة".
فقد سبق و حذرت أحد الشبكات العاملة في مجال حماية المال العام من لعبة كسر العظام التي يقوم بها لوبي الأخطبوط بمنطقة الداخلة. متحدثتا عن محاولات يقوم بها هؤلاء لتحطيم سعر الأخطبوط وفرض أسعار جد متدنية على الصيادين, وهي المحاولات التي تم التصدي لها من قبل 50 جمعية مهنية للصيد التقليدي بالمدينة.
و قالت هذه الشبكات أن لوبيات الفساد العاملة في مجال تجارة الأخطبوط عمدت للترويج كذبا لوجود شركتين تعملان على عرقلة برنامج «اليوتس» للسطو على الأخطبوط. و الهدف من وراء هذه الإشاعات هو السعي الى إعادة الهيمنة على هذه المادة وتحويل الصيادين إلى عمال يقومون بالسخرة لفائدة هدا اللوبي، وهو ما جعل عددا من الجمعيات المهنية تسارع لقطع الطريق على هذه المحاولات التي تقوم بها أسماء معروفة بالمنطقة.
مؤكدتا على أن الشركتين سالفتي الذكر و المملوكتين لرجل الأعمال "سعيد اللحية" و بالعكس من ذلك قد عملتا على تحسين مستوى معيشة العاملين بقطاع الصيد بإقليم الداخلة لينتقل ثمن شراء الأخطبوط من 10 دراهم للكيلو إلى 80 للكيلوغرام، وهو الشيء الذي أدى إلى خلق أزيد من 80 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشر. كما أعلنت عن تضامنها و تبنيها لمطالب أكثر من 50 جمعية مهنية سبق و أن أعلنت عنها في بيان تضامني, و ذلك من أجل الحفاظ على مورد رزقهم الوحيد من بعض لوبيات الفساد البحري التي روجت لعدد من الأخبار المغلوطة. وهي اللوبيات التي ألفت الاشتغال خارج الضوابط القانونية وبيع مادة الأخطبوط بالطرق السوداء, ما ضيع على خزينة الدولة ملايين الدراهم من الرسوم والضرائب بعد شرائها بثمن بخس من الصيادين البسطاء.
ودعت الشبكة الحكومة إلى فتح ملف الصيد في أعالي البحار وإخضاعه للقانون، وتخلصيه من لوبيات الريع والفساد المكونة من بعض الأسماء النافذة و المعروفة بالمدينة, التي تعودت على الاستفادة من الريع و استغلال الثروة السمكية بدون حسيب أو رقيب, على خلفية و شاكلة ما يجري الآن بمنطقة الداخلة.
في الأخير, لا يمكننا أن نلقي المسؤولية على كل الجهات دون أن نتوقف عند دور المهنيين أنفسهم في تدمير البحر و استنزافه، إذ يتم استعمال طرق صيد غير مستدامة كالصيد بالجر وما لذلك من تأثير مدمر على قعر البحر وعلى مجموع الكائنات البحرية القعرية.علاوة على صيد وتسويق أسماك دون القائمة التجارية المحددة بواسطة قوانين وطنية واضحة وبتواطؤ مكشوف مع مجموعة من المصالح المعنية بالمراقبة، مما لا يعطي فرصة للأسماك بالعيش حتى تضمن توالدها. بالإضافة الى خرق فترات الراحة البيولوجية مع سبق الإصرار و الترصد.
إن الاستنزاف المكثف الذي تعرضت له ومازالت تتعرض له الثروات البحرية بجهة الداخلة وادي الذهب ستكون له بدون شك انعكاسات وخيمة على توازن المنظومات البيئية البحرية بالمنطقة، وبالتالي على الثروات البحرية للأجيال الصحراوية القادمة والأمن الغذائي البروتيني وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.