نفوذ المال والسلطة والجمع بينهما وباء من أوبئة الزمان و مصائبه العظام, به تموت السياسة و تتحول الديمقراطية و آلياتها التنفيذية الى سوق نخاسة و "رحيبة" يتناطح فيها "الشناقة" و قطعان الماشية المعروضة للبيع و تضيع الحقيقة و القضية و المظلومية و تختلط الأوراق.
رجل أعمال و شيخ أموال ذا حضوه ونفوذ من أيها الراقدون تحت التراب, يسخر أمواله للوصول الى السلطة لتعزيز سطوته و إرضاء غروره و غطرسته و هرطقته, ورجل سياسة آخر من زمرته يدفعه نفوذ السلطة للولوج إلى عالم المال والأعمال لإشباع نهمه, وهذا أسوا ما يمكن أن تصل إليه أنظمة الحكم الفاسدة حينما تدمج مابين السياسية وبين المال لينتج عنهما نظاما (اوليغاركيا) تتداخل فيه مصالح الدولة و الشعب بمصالح رأس المال الجبان و النهم.
ففي مدينتي المنكوبة لازلنا نرى كيف يترجم المال الى سلطة بطرق كثيرة و شتى, منها على سبيل المثال لا الحصر تمويل الحملات الانتخابية والتأثير على قرارات السلطة و شراء الذمم و ضرب التحالفات السياسية و اختطاف الأعضاء الى آخره من الوسائل القذرة, وهذا ما ظهر جليا في الانتخابات الجماعية و الجهوية و خصوصا بأليغارشية الداخلة و مجلسها, و الذي كان الهدف من وراءه أساسا تعزيز نفوذ المال بنفوذ السلطة.
فقد علم شيخ الأليغارشية المبجل دور الأموال في قولبة الرأي العام نحو هدف معين والترويج له وتشكيل اللوبيات الضاغطة, و منها تلك الأموال الموزعة على أقزام وسائل الإعلام و مواقعهم الإخبارية من أجل خداع الرأي العام وفق مبدأ "الأولى أن تصمت عن فضائحي" بمعنى التعتيم الإعلامي الايجابي.
ومن الواضح بأن صاحبنا الشيخ الأليغارشي ما كان لينجذب نحو السلطة و كرسيها بهذه النوستالجية المفجعة ما لم تكن ستوفر له سلطة إضافية تفوق تلك التي اكتسبها من خلال نجاحه المالي المزيف, و مزيدا من إمكانية الولوج لعالم المال والأعمال و الصفقات الشهية سهلة المنال وشبكات المعارف الإضافية التي من شانها أن توفر له و ذباب جلبابه مزيدا من الفرص لحصد الأرباح أثناء وبعد الكرسي. وهذا بالضبط هو ما أغرى شيخ الأليغارشية صاحبنا ببذل كل تلك الجهود المضنية للوصول الى كرسي المجلس و سلطته.