Créer un site internet

كمبرادورات الريع..بين الشمال و الجنوب

Lesagrements 545780660

الداخلة بوست

بقلم : عبدالله حافيظي السباعي باحث متخصص في الشؤون الصحراوية والموريتانية

كل شيء وجدت له تفسيرا دقيقا إلا كلمة الريع ودلالاتها القريبة والبعيدة، فهل كل من اغتنى في هذا البلد السعيد استفادة من سياسة الريع ؟ وهل كل هؤلاء الموظفين الذين بدأوا في أسفل سلاليم الإدارة وأصبحوا اليوم أغنياء استفادوا من سياسة الريع ؟ وهل كل هؤلاء التجار الذين نعرف بعضهم يبيع البيض والقطران وأصبحوا الآن أغنياء استفادوا من سياسة الريع ؟ إنها أسئلة تحيرني ولا أجد لها جوابا يشفي الغليل، لماذا لا نرجع إلى التوحيد وإلى القدر خيره وشره، ونقول إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، إنني أشفق على أهل الصحراء المساكين المغلوبين على أمرهم، فالريع في عرف البعض لصيق بأهل الصحراء بالصحراء، والصحراوي مهما عمل وكد واجتهد كلما يملك ريع واستغلال لخيرات الدولة، هل تريدون بعد أربعين عاما بالتمام والكمال أن يبقى الصحراوي في خيمته مع جماله وماعزه وضراعته وملحفته ؟ الريع في شمال المملكة أفيد وهو ضمير مستتر لأن أغنياء الشمال يعدون بالآلاف ولا أحد يعرفهم ويحاسبهم عكس أغنياء الجنوب الذين يعدون على رؤوس الأصابع ويشار إليهم بالبنان وينعتهم البعض بأنهم أغنياء آخر زمان، أغنياء الصحراء يعرفهم الجميع وهم أسر معروفة ، كأهل الجماني ، وأهل الرشيد ، وأهل دبدا ، وأهل الكنتاوي ، وأهل الدرهم ، وأهل بوعيدة . هم أسر منها من ورث الغنى عن الأجداد واستفاد من نعمة الاستقلال ، ومنهم من جاءها الغناء مع دخول المغرب إلى الصحراء.

أما أغنياء الشمال فهم لا يعدون ولا يحصون وثروة واحد منهم توازي ما يملك كل أغنياء الصحراء، ففي سوس مثلا ثروة أخنوش ، والبشا ، و قيوح و بودلال توازي ما يملك الصحراويين عشرات المرات، وثروة كريم العمراني ، و الصفريوي ، و التازي توازي ما يملكه الصحراويين مئات المرات، فكل من وصل إلى الغنى الفاحش في الشمال والجنوب هو بفضل تسهيلات الدولة ، وحتى مانحي هذه التسهيلات استفادوا بدورهم من تسهيل الحصول على الريع، ففي بداية الاستقلال منحت الدولة أراضي المستعمرين من ضيعات آلاف الهكتارات إلى المقربين والمؤلفة قلوبهم، كما سمحت الدولة للمقربين منها ببناء المطاحن التي كانت ولا زالت تدر ذهبا خالصا، ونفس الشيء يقال عن الرخص في أعالي البحار وضمانات الدولة بالملايير التي لم تسترجع إلى حد الساعة ، أما رخص النقل فحدث ولا حرج، حصل المقاومون على رخص قصيرة المسافة مشاركة فيما بينهم ، بينما منحت الرخص الطويلة المسافة للمقربين والمحظوظين.

فالريع في جنوب المملكة بالملايير ولا أحد يمنه على أصحابه، والريع في الصحراء بالملايين وأصحابه تلوكهم الألسنة صباح مساء، الريع في الجنوب والشمال لم يستفد منه التجار فقط بل استفاد منه الموظفين لأنهم كانوا يسهلون الحصول على الريع ، فكم من موظف بدأ في أسفل السلاليم الإدارية أصبح اليوم من أغنياء آخر زمان، الدولة تعرف هؤلاء الموظفين الذين أصبحوا ديناصورات تتم ترقيتهم لأعلى المناصب في الدولة لا بفضل كفاءتهم وتفانيهم في العمل بل بفضل ما ينفقون مما اكتسبوه بالحرام، فأنا أعرف عاملا ملحقا بالداخلية كان لا يملك أي شيء ووالده كان جزارا ، كان هذا الموظف متصرفا مساعدا لا تتجاوز ماهيته الشهرية ستة آلاف درهم ، وهو يملك اليوم عشرات الفيلات في الرباط والدار البيضاء وعشرات المنازل في إسبانيا وفرنسا وهو رغم هذا الغناء الفاحش لصيق بالمنصب لا من أجل فعل الخير والتكفير عن سرقات الماضي بل للمزيد من السرقات واستغلال النفوذ والضرر بالغير، هذا هو الريع بعينيه.

لكن هل الدولة لا تعرف هذه الأشياء ؟؟؟ ولماذا تغض الطرف على من يسهل الحصول على الريع بالمقابل ؟؟؟ الريع في شمال المملكة مقنن، وهو في جنوب المملكة ملك مشاع لا يستفيد منه الصحراويين فحسب بل استفاد منه أهل الشمال أو ما يطلق عليه تعبير "الشلوحة" بلغة أهل الصحراء الذين يشكون اليوم أكثر من تسعين في المائة من ساكنة المنطقة، فالدقيق المدعم يوزع في كل أنحاء المملكة، لكن الحصة المخصصة لأهل الصحراء أضعافا مضاعفة وتباع كلها في الأقاليم الجنوبية القريبة وتدر على أصحابها الملايير بدون كلل ولا تعب، وبونات الدقيق المدعم تمنح للموظفين والمؤلفة قلوبهم الذين يبيعون بوناتهم ويربحون الملايين ولا يحرك أحد ساكنا، رزق ساقه الله إليك، وما قيل عن الدقيق المدعم يقال عن البنزين المدعم ، وعن الأراضي التي تمنح بالمجان في وسط المدينة وأطرافها التي تباع بملايين الدراهم، كما أن مشاريع الدولة وخيراتها تمنح للصحراويين الذين يعرفون من أين توكل الكتف، هناك أسر تمنحها الدولة خدمات مخيمات الوحدة وتوزع عليهم أزيد من أربعة وستين مليار سنتيم سنويا في مشاريع الماء والخضرة والوجه الحسن، وهناك من يدخل آلاف رؤوس الإبل بخمسمائة درهم للرأس من موريتانيا بدون رخصة من الحزام الأمني ليبيع رأس الإبل بأزيد من عشرين ألف درهم، هذا هو الريع بعينه وهو ريع تسهله مختلف أجهزة الدولة وتشارك في الخيرات التي يذرها على أصحابها، je mange ،،،tu manges وكل المستفيدين من أموال الريع ظلما وعدوانا يعيشون مشاكل في صحتهم وأجسادهم وأسرهم وأبنائهم الذين يعانون من كل أنواع المبيقات، الريع في الجنوب هو أزيد من عشرين مليار المخصصة للإنعاش الوطني والتي علمت أهل الأرض الكسل والاتكال رغم أن أكبر المستفيدين منه هم المؤلفة قلوبهم القريبين من أصحاب القرار، فهناك من تدر عليه أموال الإنعاش الوطني آلاف الدراهم شهريا، وهناك من يتقاسم الكارطية بينه وبين الآخرين آخر كل شهر أو يحصل عليها بالتناوب.

وما قيل عن أموال الإنعاش يقال عن أموال مخيمات الوحدة فهي غنيمة يتقاسمونها بينهم وويل لمن أشار إليها ولو من قريب أو من بعيد، فكل من قال الحق في هذا البلد أو حاول تغيير المنكر حتى بقلبه وذلك أضعف الإيمان فمصيره التعذيب والسجن في زمن ادريس البصري، والإبعاد والتهميش في زمن الدولة العميقة ، الدولة أغنت أهل الشمال بالريع بداية الاستقلال، وأغنت ثلة من أهل الصحراء بالريع بعد استرجاع الصحراء، والريع سيبقى في الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،،، المهم هو تقنينه حتى يكون فيه حق للسائل والمحروم ،،، فلا تلوموا أهل الصحراء إذا استفادوا من الريع، فقد استفاد منه أهل الشمال في بداية الاستقلال ولا زالوا يستفيدون، أما أهل الصحراء فاستفادتهم لم تتجاوز أربعين سنة بالتمام والكمال، ما يذره الريع في الصحراء قد يكفي لإرضاء أهل الصحراء والوافدين وحتى سكان مخيمات الحمادة لو تم توزيع هذا الريع بكل إنصاف، لكن كل ذلك لن يتحقق في زماننا لأن الإنسان خلق هلوعا ، اذا مسه الشر جزوعا ، واذا مسه الخير منوعا ،،، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،،، وحسبنا الله ونعم الوكيل.