كيف نجا وزير الصيد البحري "أخنوش" من مقصلة الزلزال الملكي؟

Sahara secteur peche maritime

بقلم: د.الزاوي عبد القادر- كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات 

يبدو أن نظرية الإستثناء المغربية باتت تنطبق حتى على حالة الزلازل التي تحدث بهذا البلد الأمين, و رغم أن الزلازل و كما درسنا ذلك في علم الجيولوجيا تتميز بخاصيتين رئيسيتين و هما: الفجائية و عدم الإنتقائية, فالزلزال و كما هو معلوم لدى الجميع, يضرب فجأة من دون مقدمات و لا مطولات, و أيضا لا ينتقي مناطق خاصة داخل حزام الموجة الزلزالية, التي تدمر كل ما يتواجد في نطاق شعاعها, و هنا نقصد طبعا زلزال الإعفاءات الملكية التي طالت زمرة من الوزراء المغاربة في إطار ما يعرف بتحقيقات مشاريع الحسيمة منارة المتوسط, التي ما كانت لترى النور أصلا, لولا الاحتجاجات الشعبية الدامية و الطويلة التي عرفتها منطقة الريف.

لكن و لأن المغرب دوما إستثناء, مرا هذا الزلزال السياسي بردا و سلاما على وزارة الصيد البحري و رأسها المسمى "اخنوش", رغم أن الشرارة الاولى لأحداث الحسيمة إنطلقت ساعة مقتل بائع السمك الحسيمي "محسن فكري" بشكل مفجع و رهيب, داخل حاوية للأزبال تحت وقع كلمات "طحن مو", التي تحولت فيما بعد إلى رمز للحراك الجماهيري الساخن الذي شهدته منطقة الحسيمة ضد الحكرة و الإهانة و الظلم, الذي تعرض لهم بائع السمك القتيل, و أيضا عنوان عريض لحجم الفساد المستشري في قطاع الصيد البحري بالشمال المغربي, أضف إلى ذلك قبطان الداخلة المظلوم, الذي أحرق نفسه فيما بعد بمندوبية الصيد البحري بالمدينة, إحتجاجا على الظلم, و الحكرة, و الفساد الذي ينهش وصال القطاع بجهة الداخلة وادي الذهب, بتواطئ مفضوح من مصالح وزارة "أخنوش".

لكن للأسف الشديد و بشكل مريب ظل السيد "أخنوش" واقفا كالطود العظيم, صامدا بشكل وقح في وجه كل هذه الأعاصير الفضائحية, الكفيلة بإسقاط حكومة بأكملها لو كنا في دولة ديمقراطية حقيقية, تحترم شعبها و حقه في الحياة و الكرامة, فلم يجرؤ أحد على الإقتراب من الرجل, رغم أنه و من البديهيات و في مثل هذه الحالة و حتى قبل إرسال التفتيشيات و دعوة "جطو" للإفتحاصات و كل ذلك المسلسل البيروقراطي الممل, كان على السلطات العليا للدولة أن تصدر قرار فوري بإعفاء "أخنوش" من مهامه بإعتباره المسؤول الأول عن القطاع, و بالتأكيد كانت تلك الخطوة ستشكل فارقا كبيرا في تطور الأحداث بالريف, و ربما كانت ستكون كافية لإخماد الفتنة في مهدها, و تقوية أواصر الثقة بين ساكنة الحسيمة و مؤسسات الدولة الرسمية و على رأسهم المؤسسة الملكية, و التأكيد بالفعل على أن المغرب دولة الحق و القانون و الدستور و المؤسسات إلى آخر تلك الأسطوانة الطويلة, من الكنيات و الألقاب و التوصيفات.

اليوم بالصحراء, تشتعل مواقع التواصل الاجتماعية و أحياء مدينة العيون بشعارات إحتجاجية تحت البند العريض: "كلنا معطلون صحراويون...ثروات هائلة و بطالة قاتلة", و حين طبعا نتحدث عن الثروات, لا يمكننا أبدا إغفال قطاع الصيد البحري و الثروات السمكية الهائلة التي تتمتع بها المنطقة و تدبرها وزارة "اخنوش" بشكل إقطاعي, على نفس نهج الفيودالية القديمة و تقسيماتها البائسة, من سادة يملكون رأس المال و عوامل الإنتاج و الثروة, و عبيد محرومين و مفقرين, خصوصا إذا علمنا بأن جهة الصحراء تمثل حوالي 90% من الصادرات المغربية من مادة السردين, و التي تناهز سنويا ما يفوق 800 مليون دولار, ناهيك عن صادرات دقيق السمك و الأخطبوط و السمك الحر و القشريات و الصدفيات و باقي الانواع الأخرى.

ليظل السؤال العريض و العويص الذي طبعا لن يجيبنا عنه "جطو" و قضاته و لا "أخنوش" و جنوده: لماذا عجز الصيد البحري بجهة الصحراء و رغم كل هذه الثروة المالية الهائلة التي ينتجها, من أن يكون بالفعل قاطرة حقيقية للتنمية و الرفاه الإجتماعي للساكنة الأصلية؟ لماذا عجز أن يحتوي حفنة قليلة من أبناء المنطقة من حملة الشواهد العليا و يضمن لهم مستوى عيش كريم في الحدود الدنيا؟ لماذا تحول بالجنوب كما بالشمال إلى بركان للغضب و الاحتقان الاجتماعي و الفتنة؟ من توج "أخنوش" رجل فوق القانون و المسائلة و المحاسبة؟ كيف مرت مأساة "فكري" و قبطان الداخلة و أحداث الحسيمة بردا و سلاما على الرجل و كاتبته العامة داخل الوزارة؟ لماذا و رغم كل ما ننشره و تنشره الصحافة محليا و وطنيا, من فضائح و جرائم و خروقات موثقة, مرتكبة ضد الثروة السمكية من طرف لوبيات فاسدة و مستثمرين مفترسين, لا نرى حسا او خبرا ل"جطو" و مجلسه المحاسباتي, أم أنه يا ترى في المغرب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مصمم على المقاس, و المحاسبة عشواء, و الغضب و الرضا مسألة مزاجية تمليها الظرفية, و ليست مبدأ مؤسساتي راسخ ينبني على الإنصاف و العدل و المساواة؟

أسئلة حائرة و مقلقة سوف تمر كعادتها مرور الكرام في دولة الإستثناء المغربي, و سياسة حافة الهاوية ستظل العنوان الأبرز للطريقة التي تدبر بها الازمات الإجتماعية بالمغرب و الصحراء, و السنيور "أخنوش" سيظل هرما شامخا يذكرنا كل يوم ببؤسنا, و بأننا مجرد أرقام عددية في دولة الأعيان و المتنفذين و حاشية السلطان, المقاومة للزلازل و العصية على المحاسبة.