Photostudio 1552753591312 960x480

النزاع الصحراوي يدخل مرحلة حاسمة...و حل الحكم الفدرالي على طريقة الكومنويلث على طاولة المفاوضات

Kohler 1

الداخلة بوست

الرباط – «القدس العربي»: ملفات عديدة يضعها المبعوث الدولي للنزاع الصحراوي أمام أطراف النزاع خلال الأيام القادمة، قصد بلورتها لتقديمها إلى مجلس الأمن الدولي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر القادم، لينقل النزاع المتفجر منذ أكثر من أربعة عقود إلى مرحلة حاسمة.
وقبل أن يطلق الرئيس الألماني السابق هورست كوهلر، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، رسميًا، دعوته للمفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بحضور موريتانيا والجزائر، ويحدد جدول أعمال هذه المفاوضات وآلياتها، يعد أوراقًا مثيرة للجدل لا تتوافق كاملة مع مقاربة أي من أطراف النزاع أو الأطراف المعنية، لكنها تأخذ من هذا ما يرضي ذاك، ويعطيه ما لا يرضي الآخر.
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي دورة اجتماعات رسمية ذات صلة بالنزاع الصحراوي، بناء على قرار المجلس 2414 الصادر نهاية نيسان/ أبريل الماضي، الذي تضمن دعوة كوهلر لإحياء عملية المفاوضات بين أطراف النزاع، وترى جبهة البوليساريو أنها مفاوضات مباشرة مع المغرب استكمالًا لمفاوضات مماثلة عرفتها السنوات السابقة لسنة 2009 قبل توقفها، وأن محورها هو تطبيق قرارات المجلس ذات الصلة بشأن حق تقرير مصير الصحراويين باستفتاء يقررون من خلاله الاندماج بالمغرب أو إقامة دولة مستقلة. 
ما زال المغرب يعلن رفضه المفاوضات المباشرة مع الجبهة ويقول بالمفاوضات المباشرة مع الجزائر، كونها الطرف الأساسي في النزاع، والجبهة ليست أكثر من أداة تنفذ مخططاتها. وإن أية مفاوضات لا تقترب من وحدته الترابية ومغربية الصحراء التي استردها من إسبانيا 1976، وإن أرضية المفاوضات تكون «الحكم الذاتي» الذي اقترحه 2007، الذي يمارس الصحراويون من خلال مؤسسات ديمقراطية منتخبة تتمتع بصلاحيات واسعة، تدبير شؤون منطقتهم، وهو المقترح الذي تصفه قرارات المجلس بـ«الجدي وذي المصداقية».
ومن المقرر أن يختتم مجلس الأمن دورته نهاية تشرين الأول/ أكتوبر القادم بقرار يمدد لبعثة الأمم المتحدة المنتشرة بالمنطقة (مينورسيو) منذ 1991، ستة أشهر إضافية، لكن قرار هذا التمديد سيحمل خلاصات نقاشات حول مستقبلها بعد أن بدأ أعضاء في مجلس الأمن يعبرون عن انزعاجهم لطول مدة ولايتها وتكاليفها في ظل أزمة مالية تعرفها ميزانية الأمم المتحدة، بالإضافة إلى خلاصات نقاشات حول مهمتها ووضعيتها القانونية في المنطقة. 
ويشتغل هورست كوهلر في صمت وتكتم شديدين على الملف الحساس الخاص بصلاحيات وولاية بعثة المينورسو، التي دخل قبل أسابيع مقرها في مدينة العيون، سبقه إلى هناك فريق عمل تقني تابع للأمم المتحدة، مهمته فحص وتقييم أداء البعثة التي ينتظر أن تسفر عن تصور جديد لولاية البعثة ينهي الخلاف القائم، حيث يصرّ المغرب على أن مهمة المينورسو تنحصر في مراقبة وقف إطلاق النار، فيما تعتبر البوليساريو أن وظيفتها الأولى هي تنظيم الاستفتاء، وتقنيًا تطلب جبهة البوليساريو سحب العلم الوطني المغربي المرتفع في مقرات البعثة، وحمل سياراتها لوحات ترقيم دولية لا لوحات ترقيم مغربية.
وتسلم أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، تقريرًا مفصلًا أنجزته اللجنة المستقلة عن البعثة الأممية منذ انطلاق عملها على مراقبة وقف إطلاق النار مطلع سنة 1991 إلى الفترة الحالية، وذلك بعد اجتماع عقده الأمين العام للأمم المتحدة، يوم الإثنين الماضي، مع ديان كورنر، ممثلة بعثة المينورسو؛ وذلك في أفق رفعه للمناقشة في جلسة مغلقة لم يحدد تاريخ انعقادها، يَمْثل خلالها الكندي كولين ستيوارت، رئيس البعثة الأممية، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، من أجل بث الروح في عمل البعثة، بعد أن لم تجد سبيلًا لإيقاف أزمة الكركارات والمحبس، التي نشبت خلال الشهور الماضية.
وقال موقع «هسبرس» المغربي إن بعثة المينورسو وجدت نفسها في وضعية شاردة طيلة الفترة الماضية، خصوصًا بعد تجديد ولايتها فقط لمدة 6 أشهر عوض سنة، فضلًا عن تقليص الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات المالية المرصودة لدعم تحركاتها. كما جرى في وقت سابق طرد 84 شخصًا من أعضاء البعثة من طرف المغرب، بسبب «الانزلاقات والأخطاء التي وقعوا فيها طوال فترة مكوثهم بالمملكة».

تقليص ولاية البعثة الأممية

وكشفت تسريبات عن الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الأسبوع الماضي لمناقشة الإحاطة التي تقدم بها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كولر، أن ممثل فرنسا وخلال الجلسة أثار سؤالاً موجهًا لنظيرته الأمريكية حول الهدف من تقليص ولاية البعثة الأممية المينورسو لمدة ستة أشهر بدل سنة، دون مراعاة حساسية المنطقة ووضعها الأمني ومحيطها الإقليمي، ما جعل الممثلة الأمريكية تسجل أن «تقليص مدة ولاية البعثة يعود إلى رصد الولايات المتحدة جمودًا كبيرًا في عملية التسوية السياسية للنزاع طوال السنوات الأخيرة».
وعقب الدبلوماسي الفرنسي بأن «تقليص مدة ولاية البعثة الأممية لستة أشهر قد يهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة، كما يمكن أن يتسبب في تغيير الوضع الأمني والسياسي بمحيطها الإقليمي»، مطالبًا أعضاء مجلس الأمن بإعادة النظر في المسألة، ومصرًا على العودة إلى المدة الزمنية السابقة (سنة) ابتداء من 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وضعية بعثة المينورسيو ستكون على طاولة المفاوضات التي سيدعو لها كوهلر منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، لكن الملف الأبرز ما تردد عن عزم الوسيط الأممي كولر تقديم مقترحات على طاولة الحوار التي ستجمع الأطراف المعنية بالنزاع، تشمل صيغة توافقية تتلاءم مع مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007، ومطلب «تقرير المصير» الذي تتبناه البوليساريو، إذا ما تمت الموافقة الرسمية على ذلك. وأن مقترح «الحل الفيدرالي» سيبقى مطروحًا رغم أنه لن يلقى ترحيبًا سريعًا من المغرب وجبهة البوليساريو، التي تطالب بالانفصال. 
وتؤكد صحيفة «بيريوديستاس» الإسبانية أن مقترح المبعوث الأممي لا يشبه مقترحي الطرفين، لا الحكم الذاتي ولا تقرير المصير؛ إذ يتضمن حل الحكم الفدرالي على طريقة الكومنويلث مثل دول إسكتلندا وبلاد الغال، وهما بلدان مستقلان، لكنهما تابعان للتاج البريطاني، وأن كوهلر سيضع هذا المقترح على طاولة المفاوضات التي أعلن عنها ورحبت بها جبهة البوليساريو، بينما لم يصدر أي رد فعل رسمي بعد من الرباط.
وكانت «القدس العربي» أول من كشف قبل عدة أسابيع عما يعد له كوهلر، الذي حدد هدف التوصل قبل نهاية 2018 لإعادة إطلاق المفاوضات بين المغرب والبوليساريو.

مقترح الاتحاد الكونفدرالي

واعتبرت التقارير مقترح «الاتحاد الكونفدرالي المتقدم»، من نوع الكومنولث البريطاني، على قائمة المقترحات، إذ تبحث الأمم المتحدة التوفيق بين الحكم الذاتي و»تقرير المصير» الذي تصر عليه جبهة البوليساريو، من خلال صيغة توافقية تصب في علاقة قانونية جديدة تنصف مبدأ السيادة المتنازع بشأنها في الملف، أو بمناقشة المقترح الذي يجمع ما بين مشروع جيمس بيكر II، مع تمديد حكم ذاتي للمنطقة، في أفق توصل الأطراف إلى حل سياسي عادل ومقبول ينتهي باستفتاء شعبي، يفضي إلى نموذج سياسي كالنموذج الألماني المتمثل في «Landers Allemands».
وتعود تفاصيل هذه التسريبات إلى أول لقاء يجمع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريس بمبعوثه الخاص الألماني هورست كولر، شهر أيار/ مايو 2018، إذ اقترحا تشكيل لجنة مصغرة من الخبراء القانونيين والسياسيين تبحث الجمع بين مقترح المغرب ومطالب جبهة البوليساريو في صيغة توافقية تتلاءم مع الوضع القانوني والجيوسياسي للمنطقة، وهو ما نتج عنه تضارب في الأنباء والروايات المسربة، مشككة في صحة الحلول المتداولة إعلاميًا، والمقترحة من لدن اللجنة التي يقودها خبراء من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، إلى جانب آخرين من الأمم المتحدة.
ويصف المراقبون هذه التسريبات بـ»غير البريئة»، خاصة في ظل الضغوطات الأمريكية التي يسنها جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد، الذي وصفه موقع «هسبرس» بـ»المناوئ للمصالح المغربية»، للدفع بأطراف النزاع إلى استئناف جولة خامسة من مسلسل المفاوضات المباشرة، والذي تبدو بصماته واضحة في عملية إذابة الجليد وتحريك المياه الراكدة داخل الملف، خاصة أنه من تسبب شهر نيسان/ أبريل الماضي في تقليص مدة ولاية المينورسو من عام إلى ستة أشهر، وما زال يطالب إلى اليوم بتقليصها إلى أربعة أشهر فقط؛ قصد اختبار نوايا الأطراف وجعلها تحت إكراه جدولة زمنية ضيقة وحضور دوري للملف في الأجندة الدولية.
وشرعت جبهة البوليساريو في حملة دبلوماسية وإعلامية تهدف إلى الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مستغلة في ذلك تعاطف جون بولتون، مستشار الأمن القومي الجديد اليميني المتشدد، مع أطروحتها بهدف عرض مشروع جديد موال لها على أنظار مجلس الأمن.
وشغل بولتون، صحراويًا، منصب مساعد خاص للمبعوث الأمريكي للصحراء جيمس بيكر، ويتحدث دائمًا عن خضوع مجلس الأمن الدولي للتوجيهات الفرنسية كلما تعلق الأمر بنزاع الصحراء، وجل تدخلاته لا تخدم المغرب، خاصة أنه كان يدافع بقوة لفرض خطة جيمس بيكر لحل نزاع الصحراء، داعيًا إلى تطبيقها بناء على البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة سنة 2003، قبل أن يتمكن المغرب من إجهاض المقترح بدخوله في حرب دبلوماسية ناعمة كرست لبقاء النزاع في خانة البند السادس من الميثاق الأممي.

قلق مغربي من الموقف الروسي

من جهة أخرى أبدت الأوساط المغربية قلقلها من موقف روسيا خلال دورة اجتماعات مجلس الأمن القادمة، بعدما امتنعت عن التصويت عن مشروع قرار مجلس الأمن 2414 وتأكيد وزارة الخارجية الروسية أنه «لا يمكن تحقيق سلام دائم في الصحراء إلا من خلال الوسائل السياسية»؛ وتقول هذه الأوساط إن هذا التصريح يعكس استمرار ضبابية موقف موسكو تجاه ملف القضية.
وإضافة إلى امتناع روسيا إلى جانب الصين وإثيوبيا التصويت عن التصويت على القرار 2414 الذي أعدت مشروعه الولايات المتحدة، ضغطت روسيا من أجل تقليص بعثة المينورسو من سنة إلى ستة أشهر؛ وهو ما اعتبر، مغربيًا، تحيزًا لصالح جبهة البوليساريو بمحاولة إبقاء قضية الصحراء حاضرة بشكل دائم داخل ردهات مجلس الأمن وأروقته.
وقال فلاديمير سافرونكوف، نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة: «لم نمنع تمرير القرار لاقتناعنا بضرورة استمرار عمل البعثة الأممية في الصحراء، التي تلعب دورًا في غاية الأهمية في تثبيت الاستقرار، وخاصة في ما يتعلق بإيجاد «خلفية مناسبة» لاستئناف المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو»، و»لكن تأييد هذا القرار كان سيعني بالنسبة إلينا التراجع عن موقفنا الثابت والداعم للأسس القائمة للتسوية، التي تستند بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة إلى مبدأ محوري يرضي الجميع على أي صيغة للتسوية».
وأكدت روسيا في حينه أن عملية إعداد ومناقشة مشروع القرار «لم تتسم بالشفافية وروح التشاور»، مشيرة إلى أن نص القرار بقي «غير متوازن» بعد رفض أصحابه مقترحات «مبررة وبناءة» قدمتها روسيا وبعض أعضاء المجلس الآخرين.
وقالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، أمس الأول، مع التسريبات حول تحركات كوهلر، إن موسكو ستواصل دعم التسوية الإيجابية للنزاع من خلال البقاء على اتصال مع جميع الأطراف المعنية، وعبرت عن ارتياحها للجهود المكثفة التي يقودها هورست كولر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، من أجل استئناف المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو.