Photostudio 1552753591312 960x480

قراءة في مشروع مصحة مجلس "ولد ينجا" الدولية الخاصة..أوهام الصحة في جهوية الوهم

Photostudio 1547052723987

بقلم: د.الزاوي عبد القادر –  كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات

تداولت مواقع صحفية موالية لرئيس جهة الداخلة وادي الذهب، أخبارا مفبركة تتحدث عن إشادة وزير الصحة المغربي ب"ولد ينجا" و مصحته الدولية الخاصة التي يعتزم مجلس الجهة بناءها و كرائها للإسبان مقابل خدمات صحية باهظة التكلفة، و ذلك على هامش سؤال وجهه مستشار برلماني بالجهة للسيد وزير الصحة "الدكالي" بخصوص العرض الصحي الكارثي بجهة الداخلة، و مؤكدا خلاله بأن الكثير من مشاريع جلالة الملك التي دشنها من الصحراء قبل عدة سنوات في إطار النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية ظلت حبرا على ورق،

و هو كلام واقعي و تزكيه أحداث الريف الأخيرة بسبب فشل مشاريع البرنامج الملكي "الحسيمة منارة المتوسط" و الذي على إثره خرج تقرير جطو الشهير، و أعقبته غضبة ملكية غير مسبوقة عصفت بوزراء و كتاب دولة و رؤساء مؤسسات عمومية كبيرة، و قطعا جهة الداخلة وادي الذهب ليست أفضل حالا من الريف، و لو لا خصوصيتها، و حساسية المنطقة السياسية، لكانت الجهة اليوم فوق فوهة بركان، و لرأينا رؤوس كثيرة تتهاوى بسبب الفشل الذريع الذي مني به مشروع الجهوية المتقدمة و مشاريعه الملكية الطموحة، بإستثناء أوراش مشروع توسعة الطريق الوطنية رقم -1 الهزيل و "المنفوش"، و زيارة خاطفة لأوراشه كافية ليستوعب المرء حجم الوهم الذي تم تسويقه للساكنة، بينما واقع الحال صارخ بالعدمية و العبث و البؤس.

بالفعل، أغلبية مشاريع النموذج التنموي و الجهوية المتقدمة بجهة الداخلة، لا تزال مجرد حبر على ورق، و بعضها لا زال في مرحلة الدراسات و بيروقراطية "لكذيب"، ما يؤكد بأن المشروع الملكي سالف الذكر قد ولد ميتا بالصحراء، و لم يعد أمام سلطات الدولة سوى إعلان وفاته الرسمية.

و عودة على ذي بدأ، و علاقة دائما بإتفاقية "البيزنيس" الخاصة ببناء مقر مصحة متعددة الإختصاصات بالداخلة, التي خصص لها مبلغ مالي ملتهب يتجاوز 12 مليار سنتيم, مدفوع من أرزاق ساكنة الجهة المطحونة، و خلافا لكل الأكاذيب المؤسسة التي روجت لها الاذرع الإعلامية المحسوبة على تحالف "ولد ينجا", سيتم تأجير بناياتها الإسمنتية المليارية و تسييرها, من طرف شركة إسبانية تدعى "NAMAT", و يمكن عندها لساكنة الجهة أن تتخيل الأثمنة الخيالية التي سيتم فرضها على كل مريض معوز سيقوده حظه العاثر إلى طلب الإستفادة من خدماتها التطبيبية, بينما كان الاولى بمجلس الجهة و رئيسه, أن يفوت المشروع لوزارة الصحة المغربية, و أن يطالب كمجلس جهوي له صلاحيات كبيرة و إستثنائية, بإبرام إتفاقية مماثلة مع القطاع الحكومي المكلف بقطاع الصحة, لأجل تدبيرها و إمدادها بالكادر الطبي اللازم, و ذلك رحمة بجيوب المواطنين و بؤسهم و قلة حيلتهم, أو أن يخصص ربع ذلك المبلغ الخيالي لتوسعة المستشفى الجهوي الحالي, و هو مبلغ خرافي كان سيجعل منه مستشفى ضخم و بتجهيزات طبية و علاجية مرموقة.

فإنفاق 12 مليار سنتيم على إنجاز بنايات إسمنتية لمصحة متعددة الإختصاصات أشيع كذبا بأنها "دولية", و بأنها رحمة مهداة من "ولد ينجا" لمرضى و موجوعي و معوزي هذه الربوع المالحة, من أجل كرائها لشركة إسبانية في إطار صفقة تجارية محضة, يعتبر متاجرة رخيصة بأمراض و علل ساكنة جهة الداخلة وادي الذهب, تفتقت عنها ذهنية "بيزنسمان", لم يستطع للأسف الشديد أن يخلع عنه بذلة رجل التجارة و المال و الأعمال, و أن يهبط إلى قاع المجتمع, حيث يتواجد مواطنين محرومين لا يمتلكون حتى قوت يومهم, فما بالك بأن يدفعوا أموال طائلة من اجل الإستفادة من خدمات مخملية لمصحة إستثمارية ربحية, موجهة للسياحة الطبية و الطبقة البرجوازية المرفهة.

لقد إطلعت صدفة في أحد الصحف الإسبانية على خبر يفيد تشييد مستشفى عمومي ضخم من طرف مجلس بلدي تابع لمحافظة مالاغا الإسبانية بنفس التكلفة تقريبا -شاهدوا الصورة المرفقة- لكن و عوض أن يقوموا بكرائه للخواص على حساب المواطنين و قدرتهم الشرائية و حرمانهم كما فعل مجلس "ولد ينجا"، قامت جهة الأندلس الإسبانية بتوقيع إتفاقية شراكة مع وزارة الصحة لأجل تجهيزه و تسييره و إمداده بالكوادر الطبية اللازمة. إنها الدول الديمقراطية، و المجالس المنتخبة الحقة، التي تحترم مواطنيها و تستثمر الأموال العمومية لصالح تحسين مستوى عيشهم، و مداواة أمراضهم و أوجاعهم مجانا و في أحسن الظروف،

Photostudio 1547050264910

كما يبقى لافتا أن يقوم مجلس بلدي محلي إسباني بتمويل بناء المستشفيات العمومية في دولة عريقة في أنظمة الحكم الذاتي و الجهوية الموسعة، كما هو الحال في المملكة الإسبانية، في الوقت الذي يرمى فيه الفتات من ميزانية الدولة لبلدية الداخلة، عاصمة الجهة حيث تتواجد أغلبية الساكنة، و يمتنع مجلس الجهة و "بوجه أحمر" عن تمويل ودعم مجهوداتها في مجال تطوير البنية التحتية بالمدينة، في ظل صمت مفجع من وزارة الداخلية المغربية.

رغم أننا قد سبق و أكدنا في مقالات سابقة بأن الجهوية المتقدمة أو الموسعة في الدول الديمقراطية العريقة ذات الباع الطويل في مجال أنطمة الحكم الذاتي و الإستقلال الجهوي و اللامركزية السياسية، لا تعني أبدا إحتكار مجلس الجهة المنتخب لعمليات تدبير و تسيير ميزانية و أموال الدولة العمومية المخصصة للجهة، و أن النهج الديمقراطي الرشيد و السليم الذي توافق حوله العالم المتحضر، و جميع الدول الديمقراطية، هو تفويض الإختصاصات و الميزانيات و القرارات التنموية للمجالس البلدية المحلية، و يبقى لمجلس الجهة إختصاصات المراقبة و التأطير و المواكبة.

قولا واحدا, و كما قالت العرب قديما: "و هل تلد البومة عصافير", و على نفس المنوال نتسائل أيضا و بصفة إستنكارية, متى كان يرجى الخير من وراء مجلس جهوي يحكمه "بيزنسمانات", لا يرون في المواطنين سوى أرقام عددية, و حقول تجارب لصفقات تجارية فاشلة, تعقد على حساب معاناة و أمراض و أوجاع فئات عريضة من المواطنين المحرومين, و ما مشروع مصحة مجلس "ولد ينجا" الدولية, سوى العنوان الفاحش لكل هذا البؤس المؤسس و المنتخب, حيث لسان حال مجلس الجهة مع كل مريض محروم يحلم بأن يضمد جراحه و يداوي اوجاعه في مصحته المخملية, صارخ بالقول: "حاني الناقة تبرك على ذروتها".

Photostudio 1547050488293