أخطبوط الداخلة...في مهب الريح

6ec21b97ad 2

الداخلة بوست

في حالات عدة يحدث أن يكون القانون هو نفسه من يحمي منتهكيه، تارة لأنه يترك لهم فراغات كثيرة، يعبثون من خلالها كما يشاؤون، وتارة أخرى لأنه يعجز عن مسايرة حيلهم وخططهم. في ملف الصيد البحري بالصحراء وارتباطه باستنزاف الثروة السمكية المحلية و خصوصا الأخطبوط، لا شيء يتم خارج القانون. الكل يبرر استنزافه للبحر بالوثائق وبالمساطر القانونية، بل إن هناك من استحلى، لعشرات السنين، أن «ينهب» و«يسرق»، بقوة النواميس الموضوعة. و كلما أحس أن وزارة الفلاحة والصيد البحري بصدد إنجاز قانون سيحد من سرقاتهم, يسارعون إلى إنشاء جمعية ويجمعون حولهم أتباعا وحواريين و مطبلين، ويوظفون مئات الملايين من الدراهم كي يظل البحر محمية لهم باستعمال جميع الوسائل. و ليس أدل على ذلك من : استنزاف الأخطبوط والقضاء على الأسماك الزرقاء، ونهب الأسماك الغالية في الداخلة و رميها في عرض البحر.

في هذا الملف، نتوقف عند أهم الخروقات التي تطبع ملف الصيد البحري بالمنطقة و خاصة فيما يرتبط باصطياد و تهريب الأخطبوط, الذي أصبح مهددا بالانقراض.

في هذا الإطار يقول أحد الفاعلين الجمعويين الذين تحدث إليهم الجريدة : إن ما يصطلح عليه بالراحة البيولوجية يحمل بين طياته الكثير من التفاصيل الصغيرة و المهمة، و التي تظهر الى أي مدى أصبح قطاع الصيد البحري مشرعا أماما "مافيات" همها الوحيد هو جني الأرباح سواء بالقانون أو ضد القانون.

و يؤكد أحد المهنيين في تصريح للجريدة أن :لوبي أخطبوط "الفريكو" بالداخلة يتحكم في بيع وشراء "البولبو"- الأخطبوط- إلى درجة أن هذا اللوبي أصبح قويا جدا. فليست هناك راحة بيولوجية كما قد يعتقد البعض، صحيح أن الوزارة وضعت معايير صارمة لحماية الأخطبوط من الانقراض لكن أباطرة البحر يتحكمون في مراكب الصيد الصغيرة التي تصطاده بشكل سري خلال تطبيق مبدأ الراحة البيولوجية. هذا التحكم، استنادا إلى المعلومات المتوفرة يتمظهر في تجليات كثيرة يمكن أن نجملها في ثلاثة نقط رئيسة. فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فإنه من المستحيل أن لا تكون السلطات الموكول لها مهمة المراقبة على علم بالمراكب التي تصطاد بشكل سري، الشيء الذي يزكي فرضية التواطؤ إلى حد كبير. أما النقطة الثانية، فتتعلق بطبيعة رجال الأعمال الذين يتوفرون على"الفريكو"، و"الفريكو" حتى تتوضح الأمور أكثر هو المكان الأكثر أمانا للحفاظ على طراوة الأخطبوط.

يتساءل المهنيون بالداخلة ومعها مدن مغربية كثيرة في الفترات التي تعرف تطبيق الراحة البيولوجية يكون عرض الأخطبوط متوفرا جدا في السوق لكنه ليس بثمنه الأصلي، ففي الوقت الذي يصل فيه ثمنه في الأيام العادية إلى 60 إلى 70 درهم، يتضاعف ثمنه خلال فترة الراحلة البيولوجية ليصل إلى 150 درهما، والمستفيد الحقيقي من هذه التجارة المربحة في نهاية المطاف أصحاب "الفريكو" والمافيا التي تشتغل في فلكها.

وترتبط النقطة الثالثة، وهي الأهم والأخطر في سلسلة حرب الاستنزاف التي تستهدف الأخطبوط ، بالطريقة التي تشتغل بها هذه المافيا. فالأكيد أن الشاحنات التي تنقل الأخطبوط خلال فترات منع صيده تمر عبر التراب المغربي وليس من أي مكان آخر، وتدخل إلى موانئ مثل أغادير و طانطان دون أي مراقبة رغم أن هذه الشاحنات يجب أن تتوفر على تصريح بالكميات المصطادة، وأن تخضع تلك الكمية للمزاد العلني وقبل كل شيء يجب أن يؤشر عليها الطبيب البيطري. في الكثير من الحالات، حسب مصادرنا، تتم كل هذه العمليات بطرق وهمية بتواطؤ من الجميع.

يقول أحد المهنيين في هذا المنحى بالذات : هناك شبكة حقيقية تشتغل في هذا المجال، ومن قال لك إن هناك أصحاب "فريكوات" معدودة على رؤوس الأصابع يكذب عليك، إنها شبكة تقوت بطريقة غريبة وأصبحت أقوى من مصالح الدولة بالمدينة، ولديها نفوذ داخل القضاء وداخل الأمن وداخل الدرك. أعتقد أن الأخطبوط الذي يخرج من المدينة في أوقات الراحة البيولوجية لا يتم نقله عبر الجو أو عبر الطائرات، بل عبر شاحنات معروفة تقطع حوالي 1300 كلم من الطريق في اتجاه أكادير أو طانطان ولا يوقفها أحد. كيف يمكن أن تفسر ذلك؟ وحين تقرر أن تخبرهم بأن هناك شيئا ما يتم خارج القانون يفضحونك عوض أن يحموك. وهناك نقطة أخرى أريد أن أتوقف عندها وهي أن القضاة المغاربة ليست لديهم دراية بموضوع الخروقات البحرية، مما يفسح المجال في بعض الأحيان للتلاعب بالقانون بيد أن هذا لا يمنعنا من القول إن قضاة أكفاء كانوا بالداخلة أصدروا عقوبات زجرية كبيرة، وهو أمر محمود لأنه لو حكمت على هؤلاء بدفع غرامات مالية، لن يفضي ذلك إلى أي نتيجة لأن المخالفين يجنون أموال طائلة".

و يؤكد مهني آخر : فيما يتعلق بتنظيم فترات الصيد لمختلف الأنواع السمكية سواء القشريات أو ما يدخل في خانة فواكه البحر (الأخطبوط الكلمار) فما يلاحظ من طرف المتتبعين والمهنيين أن فترات الراحة البيولوجية المخصصة لكل نوع في غالبها تنتهك ويسود الصيد السري في غياب تام لكل أشكال المراقبة من طرف السلطات الوصية على القطاع، وهو ما يضرب في العمق تكافؤ الفرص ما بين مهنيي القطاع، ويحدث تفاوتا في مداخيل الصيادين ويحرم خزينة الدولة من عائدات مالية مهمة يمكن استثمارها محليا وجهويا في خلق مناصب الشغل لأبناء المنطقة وإنجاز أوراش للبنى التحتية في مجال التجهيز والمنشآت الاقتصادية والاجتماعية.

الاستنتاج : أخطبوط الداخلة و الأجيال القادمة يحتضر, فصح الاحتفال و "أزاي" أيها المستثمر المهرب.