تدوينة نهاية السنة...أما آن الآوان لتجار الحروب و المآسي أن يملوا من المتاجرة في معاناة و دماء الصحراويين؟

Faebde7d 1293 431c 9225 d86849029c36

بقلم: د.الزاوي عبد القادر - كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

رغم معارضتي الجذرية للطريقة التي تدبر بها الدولة المغربية قضية الصحراء داخليا و خارجيا, و رغم رفضي المطلق ايضا للخروقات المرتكبة في مجال حقوق الانسان ضد الفصيل الصحراوي الموالي للبوليساريو بمختلف مدن الصحراء الخاضعة للسيادة المغربية, و هو الأمر المثبت في العديد من مقالاتي السياسية المنشورة, إلا أنه لا يمكنني أبدا أن اعتبر تواجد المغرب بالمنطقة "إحتلال" كما تصف البروبكندا الموالية لجبهة البوليساريو الوجود المغربي بالصحراء.

فالمسألة اكثر تعقيدا من هذا التوصيف البليد, لأنه لا أحد يمكنه أن ينكر بأن جزء كبير من الصحراويين يعتبرون أنفسهم مغاربة وحدويين, و يحملون اوراق هوية مغربية و ينتخبون و يترشحون و يمارسون تدبير الشأن العام من داخل مؤسسات الدولة المغربية الرسمية, و فيهم ممثلين للمنطقة داخل البرلمان المغربي, إنتخبتهم الساكنة الصحراوية الأصلية, إلى جانب الساكنة الوافدة على المنطقة, و هو الامر الذي تحدثت عنه حيثيات قرار محكمة العدل الدولية بلاهاي الهولندية منتصف السبعينات من القرن الماضي, حين أقرت بوجود روابط للبيعة بين بعض قبائل الصحراء و ملوك الدولة العلوية, رغم أنها أكدت بعدها في تفصيل حكمها أنها تبقى غير كافية لإثبات وجود سيادة إقليمية للمغرب على المنطقة كما هو متعارف عليه دوليا.

و هو أمر لن نغوص فيه حاليا, لأنه سيأخذنا في متاهات و تفاصيل عويصة, على إعتبار أن القانون الدولي بنسخته الحالية, قد وضعت لبناته الاولى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و نشأة الأمم المتحدة سنة 1945, بينما مفهوم البيعة كصيغة يمكن الإستدلال بها لإثبات وجود سيادة في أنظمة الحكم القديمة ما قبل ميثاق الأمم المتحدة و مؤسساتها المختلفة, تبقى مقبولة, و تظل تمتلك حجية قوية لإثبات المطالب المغربية في الإقليم المتنازع عليه.

الصحراويون اليوم بالمختصر المفيد مقسمون, و هذا واقع, و كما يقال الواقع لا يرتفع, و أطروحة المغرب لحل النزاع ليست بذلك السوء إذا كانت ستكون بضمانات دولية صارمة, مع مزيد من التحسينات و التطوير المتفاوض بشأنه, فهي وحدها التي ستكون قادرة على توحيد الصحراويين فوق تراب الاجداد, و إنتشالهم من وضعية الشتات, و اللجوء فوق فيافي لحمادة القاسية.

بطبيعة الحال هناك أسئلة مقلقة تطرح نفسها بإلحاح شديد, حول مصداقية النموذج الديمقراطي المغربي الحالي, و الطريقة السيئة التي تدبر بها العديد من الملفات الحقوقية و الاقتصادية و الاجتماعية بالصحراء من طرف المغرب, لكن قبول البوليساريو المبدئي بمقترح حكم ذاتي مطور, سيجعلها قادرة خلال طاولة المفاوضات الأممية, على إغنائه و تقوية صلاحياته و مؤسساته الدستورية, و أخذ جميع الضمانات التي ستجعله في مأمن من هواجس عيوب النموذج السياسي المغربي الحالي, و تقلباته المستقبلية المتوقعة.

إنها تدوينة نهاية السنة, و بعد أن ألزمت قلمي ردحا من الزمن, بالإعتكاف عن الخوض في النقاش السياسي و الحقوقي الدائرة رحاه حول قضية الصحراء داخليا و خارجيا, لأسباب شخصية, و بعد أن وصلت إلينا روائح البارود القادمة من منطقة أغوينيت الصحراوية عشية إنتهاء مناورات قوات البوليساريو العسكرية, و باتت طبول الحرب و المآسي تطرق بالصوت العالي, وجدت نفسي مكرها على خط هذه التدوينة المختصرة, لعلها تشفي الغليل بعد إعتكافي الطويل, و تفتح جبهة جديدة للنقاش المثمر في خارطة الصراع الصحراوي المزمن, و تكون شهادة للتاريخ, و نافذة للأمل في السنة القادمة, فشهر أبريل لم يعد يطرب, و قد آن الاوان لتجار الحروب و الدمار و الموت, أن يشبعوا, و يملوا من المتاجرة في حرمان و دماء الصحراويين, سواءا كانوا أشخاص أو منظمات أو دول, و كما قالت العرب قديما "ما لا يدرك كله لا يترك جله", مع متمنياتي القلبية و نحن لم يعد يفصلنا عن نهاية سنة 2017 سوى ساعات قليلة, أن يجمع الله شتات الصحراويين, و يلم الشمل, و يكشف الغمة, و يمطر شآبيب رحمته على الإخوة الأعداء, لما فيه خير شعوب المنطقة, إنه سميع الدعاء.