Créer un site internet

ميزانية مجلس جهة الداخلة وادي الذهب تحت المجهر – الجزء الأول

Region dakhla budget 1

الداخلة بوست

بقلم : الزاوي عبد القادر – أستاذ باحث و مدير جريدة الداخلة بوست الالكترونية

كما سبق و أن وعدناكم بأنه و من أجل تنوير الرأي العام المحلي، و خصوصا فئة المعطلين و المهمشين أبناء هذه الارض المالحة، سوف تشرع جريدة الداخلة بوست في نشر سلسلة من المقالات التحليلية لمشروع ميزانية الجهة، و ذلك من خلال تشخيص مالي علمي و أكاديمي متخصص بقلم مدير الجريدة، سنحاكم من خلاله ميزانية الجهة بالأدلة و الارقام.

ها نحن اليوم نفي بوعدنا, ونبدأ معكم الجزء الأول من سلسلة تحليل كوارث ميزانية الجهة عن السنوات المالية 2016 و 2017. حيث سنفرد هذا الجزء لقضية الدعم المليوني السخي الذي خصصه مجلس جهة الداخلة وادي الذهب لما سماه معدي هذه المهزلة الميزانياتية بالدفعات المالية المقدمة للجمعيات مقابل المساهمة في أنشطة الجهة. فصل فضفاض و غريب, خصصت له من أرزاق شعب الجهة من كتائب الكادحين و العاطلين و المهمشين, 600 مليون سنتيم هذه السنة و 700 مليون سنتيم السنة القادمة. هذا بالإضافة الى 200 مليون سنتيم أخرى تم تخصيصها بالتساوي هذه السنة و السنة القادمة لجمعية الجهات المغربية.

أبواب تم استحداثها, و تركت معومة من دون ضبط و توضيح لمفهومها الاصطلاحي و المالي و القانوني, و خصصت لها أموال طائلة من أموال الشعب, رغم أن الأمر يتعلق بميزانية تعديلية تخص الربع الأخير من السنة المالية 2016, حيث و رغم ذلك تم ضخ 36 مليون درهم أخرى في ميزانية التسيير من أجل ما أعتبر دعما للعمل الجمعوي. هذا النفخ الصاروخي في الميزانية يعتبر في علوم تدبير الموارد المالية, تبذير معقلن و اسراف مالي رشيد, و كأن الذين وضعوا هذه "الخزعبلات" الميزانياتية لم يسمعوا أبدا من قبل عن شيئ اسمه الحكامة المالية و ترشيد النفقات أو ما يسمى بالفرنسية "L’optimisation des ressources", و هو أحد أهم مبادئ علم وضع الميزانية من خلال البحث عن تحقيق الأهداف المسطرة بنجاعة و فاعلية.

و عودة لموضوع الدفعات المالية الضخمة التي خصصت للجمعيات المساهمة في أنشطة الجهة و الذي حدد هذه السنة في 600 مليون سنتيم و السنة القادمة 700 مليون سنتيم, أي حوالي مليار و 300 مليون سنتيم في ظرف سنتين ماليتين, نتساءل و من ورائنا جيوش المحرومين و العاطلين و المهمشين, بناءا على أي  أسس تم تخصيص هذه الأموال الطائلة؟ و ما المقصود بأنشطة الجهة؟ و ماهية الجمعيات التي تعمل على تنشيط الجهة؟ و ما هي الفرضيات "Hypothèses" و التقديرات المالية "Clés Budgétaires" التي على أساسها وضع هذا المبلغ؟ و هل يمتلك رئيس الجهة و مكتبه المسير تصورا حقيقيا عن هذه الجمعيات و عن ماهيتها؟ أم أن الأمر يتعلق بريع من طينة جديدة يؤسس له رئيس الجهة بوحي و إيعاز من "شرتات" الأغلبية,  تحت يافطة دعم الجمعيات و المجتمع المدني؟

ألم يكن حريا بمجلس الجهة أن يخصص و لو ربع هذا المبلغ الضخم لدعم شباب المدينة العاطل عن العمل, من خلال انشاء مشاريع اقتصادية صغيرة توفر لهم مدخول مادي قار و تقيهم شرور البطالة القاتلة و قلة ذات اليد؟

نفس التساؤلات تنطبق على 400 مليون سنتيم التي خصصها مجلس الجهة لدعم جمعية الجهات المغربية على مدار هذه السنة و السنة القادمة. و رغم كون الجهة عضو في هذه الجمعية, لكن يبقى مطلوب من رئاسة المجلس توضيح المعايير التي على أساسها تم تخصيص هذه الأموال الطائلة, بالإضافة الى ماهية البرامج و الخدمات التي ستقدمها جمعية الجهات المغربية, للجهة و ساكنتها المطحونة.

ان هذه البرمجة الميزانياتية "المهزلة" و التي تتنافى جملة و تفصيلا مع حاجيات الساكنة و انتظاراتها, ستحول مجلس الجهة الى مؤسسة ريعية مفتوحة, يزورها كل باحث عن كمية من الأموال السبهللة و السهلة, ليقضي بها مأربه الشخصية تحت عنوان عريض اسمه : "جمعية تساهم في أنشطة الجهة", في الوقت الذي كان الأولى أن يتم تحويل هذه الاعتمادات الضخمة الى حساب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, التي تعتبر ورش ملكي مهيكل و منظم حقق نتائج ملموسة على أرض الواقع و مكن من محاربة الهشاشة و الاقصاء الاجتماعيين وسط شرائح اجتماعية عريضة, و خصوصا فئة الشباب العاطل, و ذلك من خلال مئات المشاريع المذرة للدخل التي مولتها المبادرة و لا تزال. و بالمناسبة هذا الكلام و كما هو موثق في محاضر الجلسات, هو نفسه الذي عبر عنه أعضاء فريق المعارضة بالمجلس خلال مناقشة و التصويت على الميزانية التعديلية لسنة 2016 المالية. حيث دعوا أيضا الى أن توضع معايير راسخة و شفافة لهذا الدعم, في اطار اتفاقيات شراكة مع الجمعيات التي تعمل في الميدان و لها برامج عمل تهم النهوض بالتنمية الجهوية على جميع المستويات الفوقية و التحتية, و أن تعرض الجمعيات المستفيدة من هذا الدعم على المجلس برمته للمناقشة و المصادقة عليه.

و هذا أيضا هو ما سبق أن عبر عنه السيد والي الجهة "لمين بنعمر" في أحد دورات المجلس الماضية, حين نبه الى خطورة الأمر, و أنه يجب الاقتصار في هذا الدعم على الجمعيات ذات صفة المنفعة الاقتصادية التي تمنحها الامانة العامة للحكومة لجمعيات محددة و وفق معايير خاصة جدا غير متاحة لكل من هب و دب.

Regiondakhla 3

يبدو أن الذي يتغير فوق هذه الأرض الملعونة و داخل مجالسها المنكوبة الشخوص فقط, أما العقليات فإنها تعف عن التغيير و تأبى استعاب المتغيرات الجيو- سياسية المستجدة, و على رأس ذلك مشروع الجهوية المتقدمة الذي اعطى انطلاقته ملك البلاد من هذه الأرض المالحة. حيث لا تزال نفس تلك العقليات الريعية هي التي تخطط لأرزاقنا و تبرمج مقدراتنا, و مجلس الجهة هو مجرد نموذج حي لهذا الطرح المفجع. حيث يتم التلاعب بالرأي العام من خلال العزف على وتر فاحش يسمى دعم الضعفاء و حل مشاكل البؤساء و المحتاجين, و هنا تكمن الخطورة كلها و يصبح المستقبل أسودا قاتما, و تصير الجهوية و ترسانتها المادية و النفسية خلف ظهورنا تماما, و نتحول الى فئران تجارب على شاكلة فئران "الهامستر", التي يضعونها في قفص به عجلة تدور, و يظل الفأر المسكين يركض و يركض داخل الحلقة و هو يتصور أنه يتقدم الى الأمام, لكنه في الحقيقة لا يراوح مكانه قيد أنملة رغم المجهود و الارادة.

فمشاكل البشر فوق هذا الجرف لن تحل قطعا بالصدقات و تحويل الناس الى "طلابة" و متسولين كما جرت بذلك العادة, و لكنها ستحل عن طريق برامج تنموية حقيقية و واضحة المعالم و المألات. ستحل عن طريق الرفع من مستوى المواطنين الفكري و الاجتماعي و من حسهم المقاولاتي. ستحل عن طريق اقامة برامج طموحة و خلاقة و مهيكلة على أرض الواقع, تمكن من اندماج مجتمعي حقيقي للفئات المحرومة, و حل مشاكل البطالة و توفير فرص الشغل للشباب المستضعف, لتضمن لهم و لو النزر القليل من الكرامة الانسانية و العيش الكريم.

يتبع....