لقد استجار بكم مرشح الشعب سليمان الانسان..فهل تجيروه؟

Derhm sleman dakhla 1

الداخلة بوست

لا تأتي العظمة عندما تسير الأمور معك على خير ما يرام، ولكنّها تأتي عندما يتمّ اختبارك بحق، وعندما تتعرّض لبعض الضربات وبعض الإحباطات، وتشعر بالحزن والألم؛ لأنّك لا يمكن أبداً أن تشعر بروعة وجودك في قمم الجبال مالم تكن في أسفل الوديان! - ريتشارد نيسكون

تعالوا, لنحكى قصة عربى قديم, من قبيلة عريقة اسمها "تغلب" يدعى كُليب بى ربيعة، تبعه ذات يوم فى الطريق ابن عمه "جساس" من أهله وعشيرته، وذلك لقتله والتخلص منه لغرض ما فى نفسه، لم توضح كتب التاريخ هذا الغرض وبأى ذنب قُتل، فغافله "جساس" وطعنه بخنجر مسموم طعنة غير قاتلة، وفرّ جساس هارباً، وتركه يصارع الموت فى طريق موحش وليل كئيب، وفى الصباح و "كُليب" يحتضر مرّ به عربى آخر يُدعى "عمرو" من قبيلته وأهله وعشيرته، فأحس "كُليب" بالفرج وراوده الأمل فى النجاة على يد ابن عشيرته فاستجار به وطلب منه شربة ماء يطفئ بها ظمأه ويستقوى بها على الموت، لكن عمرو باغته بخسة وأجهز عليه وأكمل قتله. فقالت العرب وما زالت تقول: "المستجير بعمرو عند كُربته.. كالمستجير من الرمضاء بالنار".

والمستجير هو طالب العون والمدد والنجدة، و "كُربته" تعنى محنته، والرمضاء هى الحصى والجمر الملتهب بعد اشتعاله, والقاتلان، جساس وعمرو، من أهلينا وعشيرتنا، فالأول قتلنا إلا قليلاً، والثانى أجهز علينا دون شربة ماء. كل قتلانا على مر التاريخ قُتلوا غدراً ودون شربة ماء، فمنهم من قُتل مسموماً، ومن قُتل أثناء صلاته، ومن قُتل تربصاً، ومن قتل معترضاً، نحن نستجير من الظالم بظالم، نستجير بوجوه كالحة استنزفت أرزاقنا و صعدت الى عنان السماء على أجساد المحرومين من أبناء جلدتنا، فحبسوا الوطن فينا، وامتدت أسوار السجن بحدود هذا الجرف البحري الملعون، وهربنا إلى حضن مشايخ الريع باحثين عندهم عن شربة ماء, فما أتعسها من شربة, لا تروى ظمأ ولا تشبع زرعاً، و قد رأينا بأم أعيننا زوجة أب أبكتنا على أمنا التى استجرنا منها. و كما يقال بعض الشر أهون من بعضه الآخر، فأيهم بعضه أقل شرا من الآخر, و هم جلهم, أولهم كآخرهم, ونجاحهم كفشلهم, و شيخهم كفتاهم.

كلهم جميعاً لا يهدون إلى الحق ومن لا يهتدى للحق أحق ألا يتبع فمالهم كيف يحكمون؟ كلهم لا يسمعون ولا يرون ولا يعقلون ما نقول، ويسمعنا الصم ويرانا العمى ويعقل السفهاء ما نقول، أفأنت تهدى العمى ولو كانوا لا يبصرون؟ كلهم ليسوا نصيراً ولا مرشداً، يا ذل من ليس له نصير، ويا خيبة من أرشده الضرير.

كلهم كالدب قاتل صاحبه، وأروغ من الثعلب إذا سألته عن السبب، كل الثعالب فى مواجهة أسد كسير جريج، عائد من معركة ضارية تحطمت فيها أنيابه وسُلب ملكه وحمل من الأذى ما أنساه أنه أسد. يقول شاعرنا: إذا استمر على حمل الأذى أسد.. تنسى الكلاب وينسى أنه أسد. لا أعرف كيف يخون الذكاء شعبنا دائماً منذ عهود كثيرة، فهذا أحدهم حين نجحت صناديقه, ودانت له أرض الجرف بما رحبت، وفتحت أبوابها وتزينت وهُيئت لشعبها وأناخت, أركبوه صهوة جواده, وملكّوه أرضهم وديارهم وأرضاً لم يطأوها، وأضاف إلى ملكه سعة, وعدد ما تحصى وتعد خيوله عدواً ليلاً ونهاراً فى ملك الشعب. ليشبع هو وأتباعه ويجوع الشعب. أركبوه ظهورهم ليحكموا الأسياد فى بلادهم، فنحن عبيد عبيدنا. وفى آخر جولاته, أركب الخونة صهوة جواده, وأضاف إلى ملكه سعة ما يحصى من مناصب ونفوذ ليأمن هو وعشيرته ويخاف ويفزع شعبه.

هذا الشعب يُلدغ من ذات الجحر مرات ومرات وهو مؤمن، لا يرى هذا الشعب شبهاً بين لياليه وبارحات غيره فكلها لديه سوداء حالكة ومظلمة، هذا الشعب دوماً يبحث كاليتيم عن أب ليس أباه، وثكلى عن زوج ليس بزوجها، وحين يجوع يبحث عن شجر الزقوم ليملأ منها البطون، وحين يعطش يبحث عن شراب الحميم ليروى ظمأه. ستُعاد قصة كُليب بن ربيعة أمام ناظريه مئات المرات ولن يفيق وسيُقتل مرتين، وسيُلدغ كل يوم من نفس الجحر مهما حاولنا نصحه وإرشاده، وسيبُاع المرة القادمة للبوهيميين.أولئك المشترون الذىن لا يتهاونون مع عبد اشتروهوا واسترقّوه. وسنندم كل يوم على سيد الأمس الذى باعنا اليوم، وسنندم على بائع اليوم غداً وبعد غد حتى ننسى أننا كنا أحراراً يوم مولدنا وفى بلادنا، وسنظل نستجير مرة من الرمضاء ومرة من النيران، والكل قاتل ومُذل، لسنا صابرين على الآلام فمُسقمنا يوماً لن يداوينا. وقاتلنا يوماً لن يواسينا. و اليوم قد استجار بنا "سليمان الدرهم" بعد طعنات غادرة تلقاها الرجل فيما مضى, فهل سوف نجيره , أو نكونوا كعمر.

و لا تنسوا بأنه لن تجيرنا نحن, سوى الحرية والعدل، وقائد رشيد، يسمع ويرى ويجيب دون مراوغة, لا يشق على الناس، ويرفق بهم. أب لليتيم، وزوج للثكلى، وجابر كسر المحرومين، ويجيرنا فى كُربتنا وليست كُربة كُليب، ويواسينا فى محنتنا، يتقدم صفوف المعزين والمهنئين، ويقوى ظهر الضعيف، ويعيد الحق للمظلوم، ويفتح للشعب الذى عانى أبواب الكرامة ويترك الحساب لرب الحساب.

فلتتقدم يا سليمان, فاننا لا نراك الا أنت.