حزب المصباح..ليس مجرد حزب يبحث عن خدمة الوطن والخروج به من أزمة اقتصادية

2016 09 22 02 10 15 498

الداخلة بوست

بقلم : الأستاذة الباحثة  بشرى عبدالدائم

كلما شردت بنا السبل في تحليلاتنا  لظاهرة العزوف السياسي   سواء أكاديميا أو ارتجاليا  كالبسطاء أو الجهابذة لا نتوصل من خلال البحث الميداني أو الملاحظة التشاركية إلا إلى نتيجة واحدة تلخص ما نتحصل عليه من نتائج هو أن الخصوصية المغربية او الاستثناء الذي تشكله التجارب السياسية بمخاضاتها و ارهاصاتها ميزة و ماركة مسجلة  لا بد من الاقتناع بوجودها .

و لست ساخرة من هذا الاستثناء بقدر ما أنا مقتنعة بتلويناته و نكهاته المستمرة في الزمان و الإنسان و لا محيد للمغاربة من الإحاطة بمسبباته التي قد لا تكون في جل أهدافها في خدمة واستقرار الوطن و أمانه.

و لعل السلوك الانتخابي للمواطن المغربي  يعتبر الساعة مجالا خصبا لمواصلة التمحيص و البحث الميداني اعتبارا من  كونه أبرز أسباب الحيرة التي تخالج جل الباحثين في مجال علم الاجتماع السياسي و غيره من العلوم الإنسانية، هذا  فيما إذا توجهت إرادة الدولة إلى فتح أفاق للبحث العلمي و عملت على تشجيعه.

و لست في طرحي هذا بدارجة على القواعد أو مسائلة مناهج  العلوم الاجتماعية و السياسية, لأن المقال لا يتسع للتحليلين الوظيفي و الوصفي للظاهرة ، توخيا منا بسط الحديث عن الأدوار التي لعبتها المقاطعة في فرز إشكالات مهمة ما كانت لتبرز عبر الزمن الحالي لولا أنها جاءت نتيجة لخلط الأوراق بين العزوف السياسي و مقاطعة الأحزاب ، فالواضح من خلال ما يحدث في الخريطة السياسية و خروجها من نسق التخطيط المسبق إلى شرعنة الواقع المحتوم في فرضية التحكم في مجرياته ، تكون أدوار المقاطعة الحزبية إحدى مسبباته  ،في حين أن العزوف لا يعني المقاطعة حيث أن العالم الإفتراضي انتج فئات- من مختلف الأعمار و من الجنسين بمستويات تعليمية متفاوتة -منخرطة سياسيا و تلعب دورا مهما في تحليل الواقع من جميع مستوياته  و التأثير من خلال البحث عن التأشير و المصادقة الافتراضية و تمرير أفكارها و تعزيز  أطروحاتها .. و هو أمر لعب بقوة في إرجاح كفة الإسلاميين لكونهم كانوا أكثر اضطلاعا و مواكبة لهذا العالم و من خلاله استطاعوا قلب موازين القوى بانخراط كتائبهم في المواقع الإجتماعية الافتراضية للدعوة لحزبهم و أيضا لإضعاف خصومهم السياسيين وتشويه سمعة قياداتهم و دعم و مساندة من سقط من قاداتهم مهما جسامة أخطاءهم و آثامهم وترسيخ دور الحزب الضحية الذي تتحالف كل مؤسسات الدولة و الاحزاب السياسية على مسحه من الخريطة في أذهان البعض، وهو ما لخصوه في كلمة التحكم  و محاربة الفساد...و هنا تبدو الصورة عادية و منافسة يشرعنها و يؤسس لها طموح هذا الحزب الإسلامي  في الوصول إلى مقاعد حكومية ، لكن ما لا يدع الشك باليقين على أن المستقبل المغربي  يتهدده  طموح أكثر جموحا و أكبر من مجرد حزب يبحث عن خدمة الوطن ..و الخروج به من أزمة اقتصادية.

 و المؤكد  أن المقاطعة لم تكن سياسية بقدر ما كانت عزوفا عن ممارسة السياسة من داخل بعض الأحزاب المفتقرة إلى رؤية قاصرة عن فهم متغيرات تجتاح المجتمع المغربي و خصوصا الشباب فيه و نشوء فئة لا يمكن إقناعها إلا بملامسة وضعيتها الاجتماعية و الاقتصادية ، و الأمر الثاني  أن تصدر العدالة و التنمية للمرتبة الأولى لم يكن نتاج تصويت الشعب المغربي بالأغلبية بل نتيجة عمل منظم و منضبط للمؤسسة الحزبية التي تعزز دور الأسر المنتمية داخلها بتسجيل ابنائها  الراشدين و تأطيرهم من داخل الأسرة و تعمل أيضا على استقطاب المتعاطفين و الانصار و تسجل الشباب الذي غابت عن أزقته الأحزاب الأخرى ، بالإضافة إلى قنوات العالم الافتراضي التي  جذبت بعض الشباب لصفه.

فبالرغم من ارتفاع أصوات و تغريدات ضد السياسات العمومية للحزب الحاكم و مكونات الحكومة و المطالبة بمقاطعة الانتخابات و  التحليلات الارتجالية و الأكاديمية تدعو لضرورة التصويت على حزب الأصالة و المعاصرة كبديل قوي عن حزب العدالة و التنمية ، الذي حقق نتائج مهمة   افضل بكثير من حزب العدالة و التنمية اعتبارا من نتائجه التي تضاعفت بالمقارنة مع استحقاقات 2011،  لكن  بالرغم مما عبر عنه المغاربة عبر المواقع الالكترونية من احتاج و تنديد لقرارات ابن كيران رئيس الحكومة وخصوصا غضبهم ضد الاقتطاعات التي كانت في شهر الحملة الانتخابية ، وما توقعه المتتبعون من نزول  المغاربة المناهضين لسياسة الحكومة للتصويت العقابي ،جاءت  المفاجأة صادمة للحالمين بغد بدون سياسة "عفا الله عما سلف من ناهبي المال العام"  ، لتزف ليلة 7 اكتوبر مخالفة للتوقعات و يتربع حزب الاسلاميين الرتبة الأولى و بالتالي ولاية ثانية بدون منازع عبر انتخابات مرت في ظروف عادية و بشكل ديمقراطي بوجود مراقبين دوليين ووطنيين.

والأكيد ، أن المسار الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب يشكل استثناء حقيقا و الإصلاحات المقترنة بالدستور و المقاربات المتبناة عملت على تغيير الوجه السياسي للمغرب و ترسيخ مبدأ التشاركية الديمقراطية مما دعم مشاركة المرأة و الشباب في المؤسسات التمثيلية و الوظائف الإنتخابية ،  فبالرغم من هذا كله  يظل السلوك  االإنتخابي للمواطن المغربي عاديا كون  العزوف و مقاطعة الإنتخابات كان أمرا ملازما للعملية الانتخابية منذ الإستقلال  ،لكن مع تطور الشبكة الافتراضية توضحت أزمة الناخب و أظهرت معها مشهدا سياسيا يفتقد للهوية السياسية و الحكامة الحزبية.

 و هو ما يترجمه السلوك الانتخابي للمواطن المغربي  خاصة بعد استخلاص نتائج استحقاقات 7 أكتوبر حيث يسائل الأحزاب السياسية وبإلحاح و يطرح معه إشكالات كبرى ترتبط بواقعها  : كالهوية الحزبية و الانخراط و إنتاج النخب السياسية ..و يطرح بشدة إشكالية الديمقراطية  بالمغرب مع تدني قيم المواطنة و تزايد  مستوى الفساد الانتخابي حيث  استعمال المال واستغلال السلطة من أجل تحصيل النتائج المتوخاة ,و مما يتأكد معه  باليقين أن صناديق الاقتراع ليست بالأساس دليلا قطعيا على ديمقراطية الانتخابات وعلى نضج ووعي المواطن المغربي كما تدعي بعض الأحزاب السياسية ..كما أن النخب التي أفرزتها صناديق الإقتراع ليست هي بحق من يمثل الفئة الناخبة بالمغرب وباسثناءات نادرة   .وتظل أسئلة كثيرة تطرح حول الديمقراطية باعتبرها  ثقافة و سلوك إجتماعي  و هي بهذا المفهوم الكوني بعيدة كل البعد عن نسختها الممسوخة في مغربنا الحبيب. و للتحليل أوجه وللحديث شجون مع احترامي للبرلمان المغربي.