تقرير// الوجه الآخر لكمبرادورات تهريب الأخطبوط المغربي بوثائق موريتانية مزورة...أين المحاسبة؟؟؟

Photostudio 1561738612597

بقلم: د. الزاوي عبد القادر- كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

انتشرت كالنار في الهشيم خلال الأشهر القليلة الأخيرة أخبار فضائحية تترى عن مافيا التهريب الدولي لأخطبوط جهة الداخلة وادي الذهب المنهوب بزعامة منتخب محلي متنفذ، التي تنشط بين نواذيبو الموريتانية و الخزيرات الإسبانية، بعد سقوط متوالي لعدة شاحنات قادمة من الداخلة محملة بالاخطبوط المهرب في مينائي طنجة و الجزيرة الخضراء بإسبانيا، الأمر الذي كثرت معه التساؤلات وعلامات الاستفهام حول شركة إسبانية تدعى "م.س"، التي إعتبرتها التقارير بطلة لهذا الفيلم المحبوك والمبدع في عمليات تهريب وتزوير وثائق الأخطبوط، والذي يضع هدفا له احتكار السوق الأوروبية من خلال التسبب في إفلاس المنافسين بطرق ملتوية و غير خاضعة للقوانين الوطنية أو الدولية بالأسواق العالمية. 

ذات التقارير أكدت أنه و من أجل تسهيل عمليات شراء الأخطبوط المهرب و تبييض وثائقه من طرف العميل الإسباني "م.س" كان لا بد له من خلق لوبيات صغيرة تعمل في مجالات موازية لتجارة الأخطبوط، آلا وهي شركات النقل واللوجستيك البرية، والتي اختارت ان تكون خائنة للاقتصاد الوطني، مقابل الاغتناء الغير قانوني والانخراط في اكبر عمليات تهريب دولية يعرفها القطاع لصالح شريكهم الشركة الاسبانية سالفة الذكر، على رأس هاته الشركات تم ذكر شركة نقل لصاحبها إبن مدينة أكادير المدعو(س.ه) والتي تعمل في النقل واللوجستيك، حيث تقوم هذه الشركة بنقل الأخطبوط المهرب من مدينة الداخلة الى الأسواق الاسبانية، معتمدة في ذلك على أسطول من المقطورات يزيد عن 22 شاحنة ذات مقطورات كبيرة.

شاحنات هذه الشركة كما جاء في التقارير وبعد تحميلها لما يزيد عن 25 طن من الأخطبوط بكل مقطورة، لا يتبقى لإتمام مخططاتها سوى التزود بالوثائق الثبوتية التي تحمل الجنسية الموريتانية والتي تتخطى معبر الكركرات بسهولة، معتمدا على نفوذ صاحب الشركة بالجارة الموريتانية، وعلى جمركي فاسد متواطئ بالمعبر الحدودي الكركرات، وعل هذا الأساس يتم منح الأخطبوط المغربي جنسية موريتانية مزورة تساعد على تهريبه نحو اسبانيا، في أضخم عمليات التهريب الدولي للثروة السمكية المغربية، ما تسبب و لا يزال في إضرار جسيم بالإقتصاد الوطني و الجهوي، من خلال التهرب الضريبي الذي يكلف خزينة الدولة أموالا طائلة، و أيضا الإضرار بالسوق الأوروبية، حيث يتم تزويدها بمنتوج مزور يحمل جنسية بلد لم يتم اصطياده فيها، ويبق الأهم هو الأذى والضرر الذي يلحق المستهلك الأوروبي جراء هذا التزوير الخطير.

ولكي تكون العملية التهريبية مكتملة الأركان و فعالة، تؤكد التقارير المهنية بأن المستورد الإسباني "م.س" لابد له من الاعتماد على شركتين اخريتين هما: "س.ه.اي" و "س.س.ف" واللتان تقومان بعملية السمسرة في منتوج الأخطبوط لفائدة الشركة الاسبانية المذكورة، وهكذا تستطيع هاته الشركات الثلاث ان تتحول الى درع طرقي واق يحمي ويسهل عمليات نقل الأخطبوط المهرب المستورد من طرف شركة "م.س" نحو الأسواق الأوروبية والاسبانية بشكل خاص.

في هذا الإطار أكد للمركز عدد من مهنيي الصيد البحري و الصناعات السمكية بجهة الداخلة، استفحال ظاهرة تهريب الاخطبوط بالجهة، منوهين بأنها أصبحت ظاهرة عامة تعايشت معها سلطات الداخلة و أجهزة الرقابة و الوزارة الوصية بشكل مريب، حيث يشترك فيها أسطول الصيد الغير الشرعي، و أسطول النقل الغير الشرعي، و إداريون فاسدون الذين يشرعنون النشاط الغير الشرعي، و المراقبون المحلفون الفاسدون الذين يسهلّون تسجنيس المنتوج الوطني بوثائق موريتانية مزورة، في غياب الوعي أنهم معاول هدم الاقتصاد و التنمية المحلية و الجهوية و الوطنية و ان ما يقومون به هي أعمال ترقى في خطورتها إلى جرائم دولية عابرة للحدود و خيانة للأمن القومي الوطني.

و هنا و لكي نفهم دوافع شركة "م.س" و شركائه المحليين الآخرين من شركات نقل طرقي و مستثمرين مهربين، للتورط في المتاجرة و تهريب و تبييض أخطبوط الداخلة، لا بد من الاشارة الى أن الصيد البحري بموريتانيا لا يزال متخلفا و يتلمس طريقه، و أنه بعيد بسنين ضوئية عن ما بلغه المغرب في أقل من عشر سنوات بفضل استراتيجية اليوتيس، حيث يمكن في هذا البلد للسفن أن تصرح بما شاءت من المفرغات، و يتم منحها تصاريح مستصدرة من الشركة الموريتانية لتسويق السمك و كفى، فليس هناك نظام تحديد الحصص أو مراقبة المفرغات او تتبع مسار التداول كما هو الحال في المغرب، هذا مع استحضار استفحال ظاهرة الرشوة بشكل فاحش في دواليب الادارة إلى درجة خلق شركات وهمية لا توجد سوى في الأوراق و الكاشنيات، كما تفعل عصابة التهريب سالفة الذكر.

حسب التقارير المهنية التي توصل بها المركز، شكل مسلسل تثمين الاخطبوط و الذي بلغ 200درهما للكلغ الواحد، النقطة التي افاضت الكأس في الحرب الاقتصادية الدائرة بجهة الداخلة وادي الذهب، و يبدو أن ما تحقق من نتائج جد إيجابية و مرضية لمخططات وزارة الصيد البحري فيما يخص تهيئة مصيدة الأخطبوط و استدامته و تثمين المنتوج، و تحقيق التنافسية، و هي الأهداف الكبرى لأستراتيجية اليوتيس، وما خلفه من ارتياح كبير لدى الأوساط المهنية، تلقاه كبار كمبرادورات التهريب بكثير من الامتعاض خاصة ما يهم تثمين المنتوج، و هم الذين ألفوا تسمين حساباتهم البنكية من تجارة تهريب الاخطبوط المتحصل عليه من عمليات الصيد الغير القانوني.

و كما سبق و أشرنا في تقارير سابقة إلى تورط لوبيات نافذة بجهة الداخلة وادي الذهب، في الإبقاء على نشاط أسطول الصيد التقليدي الغير المهيكل، كذلك هو الشأن بالنسبة لأعمال النهب و السلب و البلطجة التي تخيم على قرى الصيد و تفرض أمرا واقعا بتصريف الصيادين ماتحصلوا عليه من رحلة صيد في السوق السوداء دون تعريض أنفسهم للاذى و تعريض مصطاداتهم للنهب. لكن يبدو أن العلاقة بين المفرغات القانونية و الغير القانونية من الأخطبوط كبدت عصابة التهريب سالفة الذكر خسائر فادحة عندما إرتفع سقف التداول في الاسوق العمومية للبيع الأول، حيث ارتفعت قيمته بشكل اوتوماتيكي في السوق السوداء أيضا إلى 70 درهما قبل بلوغه "الكوشطة"، و هو الذي كان يترنح بين 10 دراهم الى 30درهما، و يوفر هامش ربح جد مهم.

و كل هذا يدخل في اطار استراتيجية محكمة و متحكم فيها و منظمة للمحافظة على المصالح الخاصة، و ما الارتماء في حضن موريتان و تنمية اقتصادها على حساب اقتصاد جهة الداخلة وادي الذهب، و تحويلها الى قاعدة خلفية لتبييض المسروقات من الثروة الوطنية من الأخطبوط و لو بأقل الأثمان عن ثمن السوق المغربي و ضرب التنافسية و ضرب الاستدامة و ضرب التثمين و نسف مجهودات الدولة التي سخرت لها الملايير من الدراهم، سوى الدليل القاطع على أن هذه الجهات لا تخرج عن التنظيمات المافيوزية العالمية، لا انتماء لهم إلا الأبناك، و لا مباديء ولا قيم الا الربح المادي و لا ولاء الا للدولار او الأورو.

تداعيات تثمين الأخطبوط كما جاء في التقارير، ستصل الى العملاء الاسبان الذين تراجع هامش ربحهم و بلغ الى حد تكلفة الانتاج، لتظهر الخطط البديلة في الحرب الاقتصادية القذرة، و تصل حد التطرف بالارتماء في حضن جنة الفساد بالجارة الجنوبية للمحافظة على المصالح الخاصة. وكنموذج لهذا التعاون الثلاثي وجود شركة وهمية بموريتانية تنشط في تجميد المنتوجات البحرية، هي الممون الرئيسي للشركة الإسبانية "م.س" التي تقع بالجنوب الاسباني، و الخيط الرفيع في هذه العملية سيقودنا الى الجهة التي تورد المنتوج المغربي للشركة الموريتانية الوهمية، عبر مؤسسة التسويق الموريتانية SMCP، و هي شركة ABF المتواجدة بالداخلة، و المصادفة الغريبة ان مالكي شركة ABF، و الشركة الموريتانية المذكورة تربطهم قرابة مصاهرة، تنضاف الى علاقة المصهارة التي تربط بين مالك شركة ABF و احد المحسوبين على دائرة الجمارك بالكركرات المتورط في السماح بمرور شاحنات المافيا على اساس انها محملة بأخطبوط موريتانيا، بينما هي في حقيقة الأمر محملة فقط بوثائق مزورة لأجل تبييض أخطبوط الداخلة المهرب و تجنيسه بهوية موريتانية مفبركة.

طبعا و حسب التقارير المهنية، شركة "م.س" الاسبانية الرئادة في تثمين الأخطبوط و تصنيعه، مجبرة على القيام بذلك، حيث أنها اذا كانت تسعى الى الحفاظ على أسواقها بتموينها بمنتوج رفيع المستوى و مشهود له عالميا بالجودة، فلا يوجد أفضل من أخطبوط الداخلة، بالنظر الى طبيعة تركيبته البيولوجية و الفيزيولوجية الكثيفة و السميكة، اذ يحافظ على نسبة 60الى 70 في المئة من كتلته بعد تثمينه مقارنة مع المنتوج الموريتاني الذي يفقد الجودة و الكثلة و القيمة قبل طرحه في السوق، و عليه فسيكون لجوء "م.س"  الى السوق الموريتاني من العبث بما كان، و تكون بذلك أغبى شركة في العالم، ما يفسر هذا الالتفاف المافيوزي على القانون، و اقتناء أخطبوط مغربي مهرب و مبيض عبر شركة موريتانية وهمية و بثمن أقل بقليل.

قولا واحدا، و حسب جميع الخبراء الأمنيين و الاقتصاديين، العملية تكيّف على أنها جريمة تهريب الأموال، و هي جرائم تصنف في خانة الجرائم التي تهدد الأمن القومي للدولة على أعتبار أن ضرب الاقتصاد القومي هو ضرب لإحدى ركائز الدولة، و هو ما ينسجم بشكل أو بأخر مع الأجندات المعادية للمملكة و التي تعتمدها الجزائر و صنيعتها البوليساريو، مع استحضار المناورات المتكررة في الهجوم على الاستثمارات الأجنبية بالأقاليم الجنوبية أو التضييق على صادرات الشركات المحلية التي تصنع منتوجات ذات علامة منشأ من الأقاليم الجنوبية، كما يمكن قياس هذا النشاط الغير الشرعي بما تقوم به حتى الجماعات الارهابية التي تتربص بالأمن القومي للدولة المغربية بكل الوسائل.

فهذا الملف يعتبر بحق جريمة عابرة للحدود و هي جرائم أرقى و اعقد بالنظر إلى تشعباتها و الأطراف المتداخلة فيها من حيث رقعة الملعب و اللاعبين الدوليين، و طبيعة أنشطتهم الخفية و طرق تعقبها، خاصة و أن الأموال المتحصلة من التهريب لا يمكن تعقبها او حصر قيمتها الحقيقية أو حتى استعمالاتها، و هنا لا بد من دق ناقوس الخطر و رفع درجة الاستنفار إلى المستوى الأحمر، خاصة و أن منطقة الساحل باتت تشكل مرتعا للتنظيمات الإرهابية وأنشطتها المتنوعة، تشترك في التهريب كمصدر حيوي لتمويل اقتصادها.

كما أن صعوبة تعقب خطوط المعاملات التجارية يجعل من مالية هذه التنظيمات بعيدة عن الأضواء، و ليست شحنات المخدرات القوية التي تتسرب الى الأقاليم الجنوبية و منها قارب للصيد التقليدي غير قانوني، الا نموذجا حيا لإمكانية أن تتحول أموال تهريب الأخطبوط إلى مصدر لتموين تجارة المخدرات الدولية.

لذلك و كما جاء في التقارير، تظافر الجهود بين السلطات المغربية والموريتانية من جهة، والسلطات الأوروبية وخصوا الاسبانية منها من جهة أخرى، بات أمرا محتما و ضروريا لإيقاف هذا النزيف وحماية المستهلك الأوروبي من هذا اللوبي الدولي المتخصص في التهريب، حيث أصبح يشكل خطرا محدقا على اقتصاد كل الدول المتدخلة في العملية، وعلى مستهلكيها بالأساس، باعتباره يمتهن وبشكل حرفي التهريب الدولي للإخطبوط عبر إستيراده من مهربين محليين و دوليين ينشطون بين: الداخلة و أكادير و نواذيبو الموريتانية عبر معبر الكركرات الحدودي، و ذلك في اطار شبكة عنكبوتية يحيك خيوطها سماسرة وأشخاص نافذين وإداريين فاسدين وشركات نقل ولوجستيك مشبوهة.