Créer un site internet

قراءة معمقة في دورة مجلس الجهة العادية...هكذا ستستوعب الساكنة تضحيات "الجماني" و عدمية خصومه السياسيين

Photostudio 1562052056067 960x680

بقلم: د.الزاوي عبد القادر- كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

على هامش دورة مجلس الجهة المنعقدة عشية أمس و التي إنسحب من اشغالها فريق المعارضة إحتجاجا على الطريقة الكارثية التي يدبر بها تحالف "ولد ينجا" شؤون و ميزانيات الجهة، و بهدف تنوير الرأي العام المحلي، و خصوصا فئة المعطلين و المهمشين أبناء هذه الارض المالحة، قررنا داخل المركز نشر تقرير تحليلي عن كوارث ميزانية الجهة برسم السنة الحالية، مؤسس على تشخيص مالي علمي و أكاديمي متخصص، يحاكم ميزانية الجهة بالأدلة و الارقام، بعيدا عن لغة الخشب و أخبار "البوجاعي" التي صدعت بها رؤوس الساكنة صحافة "المرايغية" الموالية لرئيس الجهة و تحالفه الفاشل.

و نقصد بالطبع مليارات السنتيمات التي خصصتها الدولة لمجلس الجهة, بإعتباره المؤتمن الرسمي على تنزيل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة, و التي تجاوزت على مدار أربعة سنوات مالية ما يناهز 200 مليار, لا نزال نتساءل و من ورائنا فئات عريضة من الساكنة الجهوية المحرومة, أين ذهب أثرها الإيجابي على عيش المواطن البسيط, و على تجويد البنية التحتية للمدينة؟ و لماذا لم تساعد في تمويل تدخلات بلدية الداخلة لتهيئة عاصمة الجهة؟ و لماذا لم تسهم في خلق فرص شغل للشباب العاطل؟ و لماذا لم تبرمج بناء مستشفيات عمومية مجانية لعلاج المرضى المعوزين؟ و لماذا...و لماذا...و لماذا...؟؟؟؟ 

إن أول ما يثير الغثيان في سلسلة "طاش ما طاش" الخاصة بالطقمة الحالية المسيرة للمجلس الجهوي و ميزانياته تساعية الأصفار، نجد قضية الدعم المليوني السخي الذي خصصه مجلس جهة الداخلة لما سماه معدي هذه المهزلة الميزانياتية بالدفعات المالية المقدمة للتعاونيات، في إطار فصل فضفاض و غريب, خصصت له من أرزاق شعب الجهة من كتائب الكادحين و العاطلين و المهمشين, مليار و 500 مليون سنتيم. أبواب ميزانياتية تم استحداثها, و تركت معومة من دون ضبط و توضيح لمفهومها الاصطلاحي و المالي و القانوني, و خصصت لها أموال طائلة من أموال الساكنة المفقرة, حيث أن هذا النفخ الصاروخي في الميزانية يعتبر في علوم تدبير الموارد المالية, تبذير "فاحش" و هدر مالي "شنيع", و كأن الذين وضعوا هذه "الخزعبلات" الميزانياتية لم يسمعوا أبدا من قبل عن شيئ اسمه الحكامة المالية و ترشيد النفقات، الذي يعتبر أحد أهم مبادئ علم وضع الميزانية من خلال البحث عن تحقيق الأهداف المسطرة بنجاعة و عقلانية.

و عودة لموضوع الدفعات المالية الضخمة التي خصصت للتعاونيات بالجهة و الذي حدد هذه السنة في مليار و 500 مليون سنتيم, نتساءل و من ورائنا جيوش المحرومين و العاطلين و المهمشين, بناءا على أي  أسس تم تخصيص هذه الأموال الطائلة؟ و ما المقصود بالضبط بكلمة "إعانات مقدمة للتعاونيات"؟ و ماهية التعاونيات التي ستستفيد؟ و ما هي الفرضيات "Hypothèses" و التقديرات المالية "Clés Budgétaires" التي على أساسها وضع هذا المبلغ الضخم؟ و هل يمتلك رئيس الجهة و مكتبه المسير تصورا حقيقيا عن هذه التعاونيات و عن ماهيتها و المعايير الموضوعية التي على أساسها سيتم تقديم هذه المعونات المالية؟ أم أن الأمر يتعلق بريع من طينة جديدة يؤسس له رئيس الجهة بوحي و إيعاز من "شرتات" الأغلبية,  تحت يافطة دعم التعاونيات و المجتمع المدني ووووو....؟ ثم ألم يكن حريا بمجلس الجهة أن يخصص و لو ربع ذلك المبلغ الضخم لدعم شباب المدينة العاطل عن العمل, من خلال انشاء مشاريع اقتصادية صغيرة توفر لهم مدخول مادي قار و تقيهم شرور البطالة القاتلة و قلة ذات اليد؟

و نفس التساؤلات تنطبق على 200 مليون سنتيم التي خصصها مجلس الجهة لدعم جمعية الجهات المغربية، و رغم كون الجهة عضو في هذه الجمعية, لكن يبقى مطلوب من رئاسة المجلس توضيح المعايير التي على أساسها تم تخصيص هذه الأموال الطائلة, بالإضافة الى ماهية البرامج و الخدمات التي ستقدمها جمعية الجهات المغربية, للجهة و ساكنتها المطحونة, خصوصا إذا علمنا بأنه إلى حدود الساعة و منذ بداية عمر المجلس, تم تخصيص حوالي مليار سنتيم لهذه الجمعية.

و نفس الكلام ينطبق أيضا على فصول اخرى "منتفخة" بشكل رهيب, كتخصيص مبلغ خرافي ناهز 200 مليون سنتيم لشراء التحف الفنية و الهدايا, و 200 مليون سنتيم أخرى لإكتراء عتاد الحفلات, و 150 مليون سنتيم لشراء الوقود و الزيوت لحضيرة سيارات المجلس, و هو رقم يطرح أكثر من علامة استفهام حول المعدل الحقيقي لإستهلاك السيارات للوقود؟ إضافة إلى تخصيص 50 مليون سنتيم لشراء قطع الغيار و الإطارات المطاطية لسيارات الجهة -أغلبها لا يزال جديدا- ناهيك عن تخصيص مبلغ 50 مليون سنتيم أخرى لصيانة و إصلاح السيارات. أضف إلى ذلك تخصيص مجلس الجهة حوالي مليارين سنتيم لدعم جماعات ترابية مقربة حزبيا من "ولد ينجا" بعضها لا يوجد سوى على الورق, و هنا يكمن الشيطان و البؤس كله, و تصبح عمليات مأسسة الريع و تسمينه العنوان الأبرز لسياسة مجلس الجهة التدبيرية و الترابية, و إلا لكان اولى بتلك الأموال أو بعضها تطوير بنية مدينة الداخلة التحتية و تحسين عيش الساكنة.

22281724 503410863370089 5463615936374428556 n 3

من جهة أخرى, لا نزال ننتظر بفارق الصبر أن يفسر لنا رئيس الجهة و حلفه السياسي، لماذا رفعوا مصاريف إكتراء عتاد الحفلات من 20 مليون سنتيم سنة 2016 إلى 200 مليون سنتيم سنة 2019, أي بنسبة 1000 في المائة, أم أن المشكلة يا ترى تكمن في "الجماني" أصل الداء و الشر كله, كما يحاولون أن يصوروا لنا؟؟؟؟ و نفس الكلام ينطبق على مصاريف شراء التحف و الهدايا الذي قفز من 70 مليون سنتيم سنة 2016 إلى 200 مليون سنة 2019, و كذلك مصاريف الإقامة و الإطعام الذي قفز بشكل صاروخي مريب من 250 مليون سنتيم سنة 2016 إلى مليار و 800 مليون سنتيم سنة 2019, إضافة إلى مصاريف تنظيم المهرجانات الثقافية و الترفيهية الذي قفز بدوره من 20 مليون سنتيم سنة 2016 ليصل إلى مليارين سنتيم سنة 2019؟؟؟؟

ميزانيات ضخمة ضخت في حساب الجهة على مدار اربعة سنوات عجاف, لم يقف "الجماني" حجرة عثرة في طريق "ولد ينجا" حتى يثنيه عن إستثمارها من خلال برامج إجتماعية حقيقية تعود بالنفع على عموم الساكنة, و لم يختطفه و يكبل يديه, لكي لا يمضي أذونات صرفها لأجل تلبية مطالب رعايا صاحب الجلالة بهذه الربوع المالحة, و لم يرفع فيتو على تنفيذ مشاريع برنامج التنمية الجهوي الذي صرف رئيس الجهة ملايين الدراهم على مكاتب دراسات مخملية من اجل إعداده, و لا تزال الساكنة تتابع عمليات تنزيله حصريا على شاشات صحافة "ولد ينجا" الموازية.

لذلك، كيف يعقل أن ينسلخ مجلس الجهة من مسؤولياته القانونية و الأخلاقية و التضامنية إتجاه عاصمة الجهة التي تتركز فيها الغالبية العظمى من الساكنة, و يدير ظهره لحجم الخصاص المهول الذي تعاني منه المدينة بسبب الإنفجار السكاني الرهيب الذي تعرفه, و تكاثر التجزئات السكنية الجديدة, و ما نتج عن ذلك من إتساع رقعة المطالب و الإنتظارات و حاجيات التمويل, و يضيع كل هاته المليارات "الثمينة" على تمويل شراكات فاشلة و دعم مصاريف الإطعام و الإستقبال و شراء الهدايا و كراء عتاد الحفلات, إلى آخره من العبث المالي المفجع و السفه الميزانياتي المشين, بينما كان أولى أن تخصص تلك الأموال لدعم مجهودات بلدية الداخلة في مجال النهوض بالبنية التحتية للمدينة, بعيدا عن الخصومات الإنتخابوية الرخيصة و الأحقاد الشخصية البائسة, خدمة لرعايا صاحب الجلالة بهذه الربوع المالحة.

ان هذه البرمجة الميزانياتية "المهزلة" و التي تتنافى جملة و تفصيلا مع حاجيات الساكنة الحقيقية و انتظاراتها الملحة, ستحول مجلس الجهة الى مؤسسة ريعية مفتوحة, و كان الأولى أن يتم تحويل هذه الاعتمادات الضخمة لأجل تمويل مشاريع سوسيو-إقتصادية تمكن من محاربة الهشاشة و الاقصاء الاجتماعيين وسط الفئات الفقيرة و المحرومة, و خصوصا فئة الشباب العاطل, من خلال تمويل برامج تشغيلية تمكن من خلق مشاريع مذرة للدخل و موفرة لفرص الشغل الكريم.

Fb img 1562052433016

لكن يبدو أن الذي تغير فوق هذه الأرض الملعونة و داخل مجلسها الجهوي الشخوص فقط, أما العقليات فإنها تعف عن التغيير و تأبى استعاب المتغيرات الجيو- سياسية المستجدة, و على رأس ذلك روح مشروع الجهوية المتقدمة الذي اعطى انطلاقته ملك البلاد من هذه الأرض المالحة, حيث لا تزال نفس تلك العقليات الريعية هي التي تخطط لأرزاقنا و تبرمج مقدراتنا, و مجلس الجهة هو مجرد نموذج حي لهذا الطرح المفجع، حيث يتم التلاعب بالرأي العام من خلال العزف على وتر فاحش يسمى دعم الضعفاء و حل مشاكل البؤساء و المحتاجين, و هنا تكمن الخطورة كلها و يصبح المستقبل أسودا قاتما, و تصير الجهوية و ترسانتها المادية و النفسية خلف ظهورنا تماما, و نتحول الى فئران تجارب على شاكلة فئران "الهامستر", التي يضعونها في قفص به عجلة تدور, و يظل الفأر المسكين يركض و يركض داخل الحلقة و هو يتصور أنه يتقدم الى الأمام, لكنه في الحقيقة لا يراوح مكانه قيد أنملة رغم المجهود و الارادة.

نكررها للمرة المليون، إن مشاكل البشر فوق هذا الجرف البحري المنكوب, لن تحل قطعا بالصدقات و تحويل الناس الى "طلابة" و متسولين كما جرت بذلك العادة, و لن تحل أيضا عن طريق عقد شراكات ريعية فاشلة و اهدار المال العام على دعم المهرجانات و الولائم، و لكنها ستحل عن طريق تنزيل برامج تنموية حقيقية واضحة المعالم و المآلات, ستحل عن طريق الرفع من مستوى المواطنين الفكري و الاجتماعي و من حسهم المقاولاتي, ستحل عن طريق  برامج طموحة و خلاقة و مهيكلة على أرض الواقع, تمكن من اندماج مجتمعي حقيقي للفئات المحرومة, و حل مشاكل البطالة و توفير فرص الشغل للشباب المستضعف, لتضمن لهم و لو النزر القليل من الكرامة الانسانية و العيش الكريم.

قولا واحدا، إنها أطروحات محرجة و مقلقة، لن يستطيع رئيس الجهة و لا اذرعه الإعلامية و لا ذبابه الالكتروني القذر, أن ينبروا للإجابة عنها و تفنيدها بالحجج الدامغة, و أموال عرمرم خصصتها الدولة المغربية لتنمية هذه الربوع المالحة و رفاهية ساكنتها, لا نزال نتابع عمليات إضاعتها على عقد الشراكات الفاشلة و تمويل "الزرود" و الحفلات و بناء مقرات أسطورية من الحجر و دعم الريع الجمعوي البغيض, و مع ذلك و "بوجه احمر" يريدون من بلدية الداخلة بميزانية فقيرة و خصاص هائل من ماضي "التهنتيت" الأسود, أن تحول الداخلة بين عشية و ضحاها إلى "لوزان" السويسرية، ما يجعل الأمر درب من التخلف الذهني و الضحك على الذقون, و هو ما سيمكن ساكنة الجهة من إستيعاب الفارق الخيالي بين "سيدي صلوح الجماني" الذي صرف آخر درهم في ميزانية مجلسه الفقيرة من أجل تطوير و تجويد البنية التحتية للمدينة، و بين غريمه رئيس الجهة و تحالفه السياسي، الذين أهدروا الجهة و ميزانياتها الضخمة في دعم العبث و تمويل الفشل، إنتهى الكلام.

Fb img 1562052409746Fb img 1562052424988Fb img 1562052401116