جريدة الاهرام المصرية تكتب عن قمة "مالابو" و المغرب و قضية الصحراء و تضامن افريقيا مع البوليساريو

Ahram egypte polisario

الداخلة بوست – الأهرام المصرية

بقلم / د. حسن أبوطالب 

الانسحاب العربى ليس حلا

من المفارقات التى تثير الأسى أن يتجه بعض العرب من مأزق الى آخر وهم فرحون، بينما يسعى فريق آخر الى الخروج من دائرة العبثية المسيطرة على أحوال الدول العربية، ولكن دون جدوى أو فى أفضل الأحوال بنسبة نجاح متوسط. والفشل هنا لا يقتصر على طرف دون آخر، فالجميع فى الصف ذاته. وبدلا من الخطو الى الأمام، تصر أطراف على البقاء فى المربع صفر. هذه التناقضات والمفارقات بين العرب وبعضهم باتت اليوم شيئا طبيعيا. ولا شك أن وجود تباينات فى الرؤية إزاء ملف معين، لا يعنى إطلاقا نهاية الكون، فما هو محل تباين واختلاف اليوم قد يكون ملفا مفيدا تلتقى فيه المصالح والمبادئ فى الغد، والمهم هو ألا يصل التباين الى قطيعة وسوء تقدير.

الاختلاف يدفع الى الاستقطاب وجذب المؤيدين، وهنا تبدأ دورة من الشد والجذب من شأنها أن تبلور محورين متصارعين بدلا من أن يشكلا جناحين للاستقرار والأمن والمصالح المشتركة. وآخر مشاهد أو بالأحرى محاولات الاستقطاب العربى لم يكن فى حدوده العربية، بل حدثت فى رحاب أفريقيا. وأعنى هنا انسحاب سبع دول عربية منها أربع خليجية إضافة الى الاردن وجيبوتى والمغرب من اجتماعات قمة مالابو بغينيا بيساو، والسبب المعلن أن المفوضية الأفريقية لم تراعِ المطلب المغربى الخاص بعدم مشاركة الجمهورية الصحراوية التى لا تعترف بها، وأيدها فى ذلك الدول المُشار إليها استنادا الى أن الجمهورية الصحراوية المزعومة ليست عضوة فى الأمم المتحدة. حقيقة الأمر أن انسحاب الدول العربية الثماني جاء نتيجة تفاهم مغربى خليجى بالأساس تم تأكيده فى إبريل الماضى باجتماع فى الرياض يعنى بوحدة المصير بين دول الخليج والمغرب، وهو ليس بالضرورة أساسا ليشكل موقفا عربيا موحدا، ومن ثم لم يؤثر على أعمال القمة العربية الإفريقية الرابعة، فقد انعقدت أعمالها كالمعتاد بمشاركة 11 دولة عربية أخرى وفلسطين، الأمر الذى انقذ القمة وساند أعمالها، وأعطى دليلا عمليا على أن هناك دولا عربية من بينها مصر والكويت وموريتانيا والجزائر وتونس والسودان ولبنان وغيرها رأوا أن المشاركة هى الأصل وأن دفع التكتل العربى الإفريقى خطوة أو أكثر الى الأمام هو القرار الصحيح.

كما رأوا أيضا أن رفع علم ما يعرف بالجمهورية الصحراوية والتى لم تدع أصلا للقمة ليس مبررا كافيا لانسحاب عربى جماعى كان سيؤثر سلبا وبكل المقاييس على العلاقات العربية الأفريقية لسنوات طويلة مقبلة. والأمر الايجابى أن القمة العربية الإفريقية الرابعة، وهى الأولى التى تعقد فى بلد إفريقى بعد ثلاث قمم سابقة عقدت فى القاهرة 1977 وليبيا 2010 والكويت 2013،استكملت أعمالها بحضور 10 دول عربية ومشاركة الأمين العام للجامعة العربية، وأصدرت بيان مالابو الذى أيد القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطنى لشعب يسعى للحصول على حقوقه المشروعة فى وطن مستقل كامل السيادة. كما أصدرت «إعلان مالابو» الذي أكد أهمية الالتزام بالعمل على تحقيق شراكة إفريقية-عربية فعالة لخدمة أهداف التنمية المستدامة بشكل متكامل ومتوازن. والمهم هنا أن الاعتراف الإفريقى بالجمهورية الصحراوية لا يقابله اعتراف عربى بها اللهم من قبل الجزائر، وهو اعتراف يُعد بمثابة ضغط سياسى على المغرب لكى تقبل طلب جبهة البوليساريو بتنظيم استفتاء حول حق تقرير المصير لمن تعتبرهم الشعب الصحراوى، كحل نهائى للصراع بين الجبهة وبين المملكة المغربية، فى حين أن الرباط تطرح الحل فى وحدة الاراضى المغربية وإعطاء الجبهة أو الشعب الصحراوى حكما ذاتيا موسعا تحت سيادة المغرب.

أما إفريقيا، فهناك تأييد ومساندة تامة لما يرونه حق الصحراويين فى إقامة دولتهم التى اعترفوا بها وبعضويتها فى الاتحاد الافريقى واعتبارها من مؤسسى الاتحاد، وهناك أطراف عديدة تكاد تكون كامل أعضاء الاتحاد تعتبر أن القضية الصحراوية للأفارقة هى بمثابة القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب من حيث الأهمية والتعلق الوجدانى والإنسانى والمبدئى. وهى بالنسبة لإفريقيا قضية تحرر وطنى وتقرير مصير. والمفارقة المهمة أن المملكة المغربية وبعد انسحاب دام 32 عاما، عادت وطلبت الانضمام للاتحاد الافريقى ومؤسساته واعتبرت أن هذا الطلب تعبير عن إرادة المغرب لاستعادة مكانه الطبيعى ضمن أسرته المؤسسية ولكن دون التخلى عن حقوقه فى الصحراء الغربية. وبالقطع فإن المغرب يعلم جيدا أن قبول عضويته سيتطب تصويتا من قبل مفوضية الاتحاد الافريقى، بعد التأكد من احترام الرباط لكافة وثائق الاتحاد الافريقى وهى تنص على حق الصحراويين فى إقامة دولتهم، الأمر الذى يرفضه المغرب تماما، والسؤال كيف سيتمكن المغرب من لعب دوره التنموى إفريقيا إذا كان رافضا بنودا رئيسية فى وثائق الاتحاد الأفريقى؟ سؤال تبدو إجابته باعثا للحيرة، لكنه يدعم أن الانسحاب ليس حلا لأى مشكلة، إذ يشكل خطرا كبيرا على من يقومون به، ويؤدى الى فجوات تلو فجوات يكون من الصعب ملؤها إذا ما مر وقت طويل كما هو طلب المغرب العودة للاتحاد الافريقى بعد 32 عاما من الانسحاب. وبالتالى فإن الاشتباك المحسوب مع أى ملف مهما يكن معقدا ومتشعبا هو الطريق الأمثل والأجدر، مع الاستعداد على الدفاع عن المبادئ الى أقصى درجة وفى الوقت نفسه إبداء مرونة فى الحركة والفعل قدر الإمكان.