للذكرى..حين يتحول الإعلام الالكتروني بالداخلة الى "عاريف" آخر

Preese dakhla maroc

 

الداخلة بوست

بقلم : الزاوي عبد القادر – أستاذ باحث و رئيس هيئة التحرير

لأن الواقع لا يرتفع, و لأن هناك محاولات حثيثة من بعض خفافيش الظلام و الأمنجيين, تروم تدجين الاعلام الالكتروني بالصحراء, و ذلك في أفق ادخاله الى بيت الطاعة و التوجيهات عن بعد, و لأن المؤامرة لا تزال مستمرة في الزمان و المكان, بتواطئ من بعض الدكاكين الاعلامية الدعية, فلقد ارتئينا ان نعيد نشر مقال سبق و ان نشرناه قبل أكثر من سنة, تحت عنوان "توقفوا..حين يتحول الإعلام الالكتروني بالداخلة الى عاريف آخر", لعل في التذكير ما يفيد, مصداقا لقوله سبحانه و تعالى : "و ذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين".

"أولا و قبل البدء, نريد أن نشير الى أن "عاريف" هو أحد أبرز مصوري الحفلات و الأعراس بمدينة الداخلة و له محل معروف بالقرب من السوق القديم وسط مدينة الداخلة"

إن حال الإعلام الذي يتصدر مشهده ثلة ليست بالقليلة من المواقع الالكترونية بالمدينة, بات امره يثير الشفقة. فيبدو أن منتحلي صفته على كثرتهم, قد أساءوا فهم ماهيته و أصوله و قواعده و جوهر الغاية منه, فتأبط القوم كاميراتهم باهظة الثمن و انطلقوا يعيثون في المشهد الركيك فسادا و كسادا عن قصد و عن جهل. فهل يا ترى هدف الرسالة الإعلامية المقدسة, هو ملاحقة المسؤول كظله و النقل له و فيه و عنه؟  سؤال حائر نطرحه, كحال وضع نخبنا و حالنا و أحوالنا.

فحين تتقمص المواقع الالكترونية ذاتها, دور القنوات الرسمية للدولة, و تتحول الى أبواغ تغرق قراءها و متابعيها, بالأنشطة الرسمية, في نوع من أشد أنواع الديماغوجية قبحا و بذاءة.  

و حين أيضا تعجز نفس المواقع, عن أن تنتج فكرا تحليليا و تنويريا حرا و مستقلا, و أن توعي الجماهير, و تضع بين يديها قراءات عاقلة للواقع و للمشهد السياسي و الاجتماعي, فتتحول بذلك الى مجرد بانوراما من الصور و الفيديوهات الجامدة, و يتحول مدراءها و صحفييها الى مجرد "عاريف آخر" خبير في تصوير الأعراس و المهرجانات و الاجتماعات. حينها ما الذي يفرق حقا, هذه المواقع و أصحابها عن مصور الداخلة "عاريف"؟ سؤال استنكاري نترك لتلك المواقع أمر الاجابة عليه.

فهل يا ترى الإعلام بالنسبة لهم, هو مجرد كاميرا ثمينة و ميكرفون بهيج, و من ثم الركض خلف المواسم و المهرجانات و التدشينات, و القيام بحوارات بليدة و من طرف واحد, المتحدث فيها دوما هو المسؤول وحده دون سواه. أهذا هو الإعلام؟ أهذا ما تنتظره الساكنة منهم؟ أهكذا فهموا صنعة الإعلام و مجتمع المعلومات؟

و حين مرة أخرى تعجز جل تلك المواقع إلا من رحم ربي, أن تثير النقاش حول قضايا و إشكالات عصفت بمجالسنا المنتخبة مؤخرا و أثارتها أحزاب المعارضة تارة و أحزاب الأغلبية تارة أخرى, و الاكتفاء بالحياد الجاهل و المفجع و البليد, و الانشغال بنقل المشاهد المصورة كما هي, على شاكلة ما يفعله "عاريف" في الأعراس. فهل تظنون أن أهل الداخلة لن يعلموا بما يحصل إلا بكم, ألم تدرسوا من قبل بأنه في مجتمعات من طينة مجتمعاتنا, قد تطورت عبر التاريخ أنماط بدائية و لكن متطورة من أشكال تداول المعلومة بشكل فعال و انسيابي, يدرس حاليا في أرقى مناهج علوم التواصل, و هو ما يسمى بالفرنسية "bouche à oreille " بمعنى "سمعت و كال فلان" و هكذا دواليك. و بالتالي فالناس تريد أنن  تسمع تحليلا لما يحصل لا فقط تصويرا ميتا, و هو ما يعرف "بالقصة الخبرية" و هو آخر ما توصلت له مدارس الإعلام في أمريكا و أوروبا.

خلال تحضيرنا شهادة الماجستير في تخصص تدبير منظمات الاقتصاد الشبكي بجامعات فرنسا المرموقة, كنا قد درسنا منهجا علميا, اسمه تدبير المعلومات و تنافسية المنظمات management de l'information et compétitivité des organisations, حيث من بين أبرز ما ينص عليه هذا العلم الحديث الذي نظر له علماء من طينة "كلود شانون" و" سيمون" و "ماك لوهان", هو أنه لا يكفي فقط الحصول على المعلومة سواء كانت طازجةbrute  أو سبق الاشتغال عليها élaborée و بتقسيماتها الطوبولوجية الثلاث, بيضاء أو رمادية أو سوداء ، و لكن الأهم هو المقدرة على تحليلها traitement  و إعطائها معنى خاص قبل الشروع في نشرها diffusion, و هو الذي به يتشكل مجتمع المعلومات الحقيقي société de l'information الذي يساهم في الرقي بوعي الناس, و يمكن من صناعة نوع من الذكاء الجمعي لدى الجماهير أو ما يسمىintelligence collective,  , الذي نظر له العالم الكبير "بيير ليفي" في منتصف التسعينات من القرن الماضي, و الذي به فقط تتقدم الأمم و تنهض المجتمعات.

أما تقمص دور السيد "عاريف" المصور المشهور بمدينة الداخلة, و الركض بسعار وراء المسؤولين و المنتخبين و صناع القرار و المهرجانات و القوافل و الأنشطة الرسمية و غير الرسمية التي لا تنتهي, فأتصور بأن قنوات الدولة الرسمية من محطات إذاعية و تلفزية وطنية و جهوية, هي كفيلة به و بالمهمة, و مع ذلك فلا أحد يشاهدها.

إن المفجع في الحكاية كلها, أن هذه المواقع باستثناء موقعين أو ثلاثة, لم يسبق لها على مدار فتح دكاكينها, أن نشر مديرها أو مسؤول تحريرها, مقالا تحليليا واحدا و يتيما يثبت فيه موقف حول قضية كبرى تهم المدينة و ساكنتها. إنه الفقر الفكري و العلمي و العدمية بجلالة قدرها و رحابة جلبابها, أجارنا الله و إياكم منه.  وهو لعمري أشد أنواع الفقر خطورة و فتكا على الإطلاق. و كما يقول المثل الصيني الشهير "أعطيني زيتا و دقيقا أعطيك خبزا" و ليس كما هو حال هاته المواقع, التي واقع حالها يقول "أعطيني زيتا و دقيقا و خميرة أعطيك زيتا و دقيقا و خميرة". فما هكذا يا أنتم تورد الإبل.

فالمواطن لا يبحث عن خبر حافي بلا طعم أو نكهة و "ماسخ", بل يريد خبرا مملحا و متبلا بالتحليل و منكها بطيب الجرح و التعديل, له رؤية و نفس و معنى و قصة و وجهة و أجندة و خلفية و ماهية و تيمة و حقيقة و شريعة.  وليس كما هو حال بني إسرائيل في القصة القرآنية المعروفة, و التي جاءت بها الآية الكريمة : "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا".

فشعب الداخلة و الصحراء عموما, يريد إعلاما منتجا للأفكار و تحاليل الاجتماع-السياسي, و منبرا للتثقيف و التنوير, و لا يريد إعلاما على نهج السيد "عاريف" كبير مصوري أعراس الداخلة, يغرق قراءه في معارض لا تنتهي من الصور و الفيديوهات الأبابيل, ينمط بها ذكاءه و يحنط فكره و يلغي عقله و يجمد مقدرته على التحليل و الاستنباط و الإبداع, و يشغله عن قضاياه العادلة و المصيرية, و يحوله الى مجرد جهاز استقبال على شاكلة جهاز receveur, فيتبلد الإنسان و يتخلف.