Créer un site internet

محامي رئيس جهة الداخلة وادي الذهب..أو أحجية الدجاجة و البيضة

1465998463 big

الداخلة بوست

بقلم : الزاوي عبد القادر - أساذ باحث و رئيس هيئة التحرير

يبدو أن مصائبنا و رزايانا بهذه الربوع المالحة لن تنتهي أبدا. و كلما نظن بأننا بدأنا نرى ضوءا في نهاية النفق المظلم, سرعان ما نكتشف بأن الأمر لا يعدو ان يكون أضغاث احلام, كقصة السراب و الظمآن, التي جاءت بها الأية الكريمة : "كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا".

حيث لا يزال بين ظهرانينا من هو مستعد نفسيا و فطريا و أنثربولوجيا و بيولوجيا و ذهنيا و ثقافيا و عشائريا و سفسطائيا و فلكوريا, للتمسك بالكرسي و لو على رقبته. يحبه و يعشقه حد الوله و السفه و الجنون, ينسج له من الخزعبلات ما تشيب من هوله الرضع, و يغدق عليه بالأموال السخية المكومة, و يجزل لمناصريه في التشبت بحبائله و جيده, كريم المن و العطاء.

خصوصا اذا كان أحد هؤلاء, "محاميا" مغمورا, يدعي معرفة الحق و القانون, و ينبري كما هو مفترض, للدفاع عن الحق بالحق, بعيدا عن التأويلات المهزلة, و التفاسير المنكرة لصحيح ما تعلمناه في أبجديات نظرية الحق و القانون.

لكن يبدو أن ما بات يعرف بقضية "الخطاط ينجا", تحولت الى مرتع خصب, للدجل باسم القانون, و التضليل باسم "الأغلفة الصفراء" السمينة, و مرعى معشوشب لنعاج أفكار ثلة من الحاقدين و الحاسدين و الدغمائيين, الذين يريدون تحويل الجهة الى ملكية خاصة و اقطاعية فيودالية, ترضي هوسهم القديم ب "الشياخة" و تقدم المشهد, حتى و لو كان ذلك على حساب العدل و الانصاف و المساواة.

ان هؤلاء الحالمين بمجد زال, و ملك تحول الى مجرد قصاصات تراثية من زمن مضى و لن يعود, هم و من يدور في فلكهم من أغنياء حرب الصحراء و كارتيلات التهريب الدولي في الموبقات و المهلكات, لن يستطيعوا مهما عاندوا و كابروا و ضللوا و باعوا و أشتروا و هددوا و أبتزوا و همشوا و أقصوا و تعنصورا و تحزبوا, أن يجعلوا من هذه الربوع المالحة حديقة خلفية لمشاريعهم العابرة للحدود, أو غنيمة لطموحاتهم الشاذة. فنحن لم ننسى ما فعلوه فينا عشية الانتخابات التشريعية الماضية, و كيف أقطعوا لوائح مرشحيهم على وزن أبناء العم و الخال و الأنسباء و الأصهار, و بالمقابل همشوا باقي الفسيفساء الانسانية و الاجتماعية المشكلة للجهة و شعبها.

لكن هو الله سبحانه و تعالى, يملي للظالم في غيه, حتى اذا أخذه لم يفلته, و كان الله عزيزا مقتدر. فلقد املى الله لهؤلاء الظالمين حتى تجبروا و تفرعنوا, و في رمشة عين حولهم الى غثاء كغثاء السيل, انتزع منهم مقاعدهم الأثيرة في البرلمان و المجالس المنتخبة, و أفلس مشاريعهم الاقتصادية, و حولهم الى نكرة و أصفار خلف الفاصلة. ليختتم بهم اليوم مجلس الجهة و كرسيه الفاره, الذي عقدت له الأحلاف مما وراء خط الكراع, و أقيمت له الدنيا و أقعدت و صارت بسببه الداخلة ولاية ملحقة بمدينة العيون, و أصبح "ولد الرشيد" يفتي لنا في أمور سياستنا و دنيانا, و من تسول له نفسه الاقتراب من الخطوط الحمراء التي رسمها هؤلاء الكمبرادورات, تبعث اليه على الفور, جيوش من البلطجية و المجرمين الملثمين, قصد التهديد بالتصفية الجسدية و الويل و الثبور.

لكن المضحك المبكي في الحكاية, هو ما شرخ به اذاننا محامي رئيس الجهة من تصريحات "كوميك", عن تفسيره العجيب لمنطوق حكم القضاء الاداري يوم أمس, الذي قضى باقالة "الخطاط ينجا" بسبب اقامته الدائمة بموريتانيا, لتنافي ذلك مع المادة 72 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات. محاولا أن يغرق الشعب في طلاسم أحجية "أيهم سبق..الدجاجة ام البيضة", و الهدف طبعا هو الاستمرار في اطالة حبال الأمل الذائبة لدى الرئيس المطعون عليه و المحكوم عليه بالاقالة. معتبرا بأن "القرار انصب حول رسالة موجهة من الطاعنة "عزوها الشكاف" إلى وزارة الداخلية, و مشيرا إلى أن "قرار المحكمة اعتبر أنه كان على ولاية الداخلة أن تجيب على رسالة الطاعنة "عزوها الشكاف".

فبالله عليكم, أليس هذا تدليسا صراحا بواحا على الشعب؟ ألم يذكر الحكم بالحرف الواحد, بأنه قد تم الغاء القرار السلبي الصادر عن وزارة الداخلية و ما يترتب على ذلك قانونا؟ ثم ألم يدرس هذا المحامي من قبل بأن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة و أبوها و أمها؟

فما معنى كلمة "مع ما يترتب على ذلك قانونا"؟ هل يرى هذا المحامي في ذلك مجرد كلام حشو أضافه القضاة عن جهل, جهلا منهم ببديع اللغة و بيانها و بلاغتها, أم ماذا بالضبط؟ أم أن المادة 72, واضحة المعالم و الاركان و المقاصد, و قد أكدت في فقرتها الثانية على أن تُعلن وزارة الداخلية فورا عن إقالة رئيس الجهة أو نائبه الذين يثبت أنهما مقيمان بالخارج, بعد أن يرفع لهم الأمر بذلك من والي الجهة. و عليه الغاء قرار الداخلية بالسماح بترشح "ينجا" سيترتب عنه بطريقة أوتوماتيكية اقالته من منصبه, كترتيب قانوني لهذا الالغاء.

لذلك نساءله, و نحن الأميون الجاهلون, فقراء الفكر و النقد و النقل و العقل, ماذا تعني جملة "مع ما يترتب على ذلك قانونا"؟

و في انتظار اجابته التي طبعا لن تأتي, نستمر مع "فلاش" جديد من مداخلات هذا المحامي العظيم, و التي قال فيها أنه "لم تتم إقالة ينجا الخطاط نهائيا, لأن الطعن يشير إلى النزاع بين الطاعنة عضو مجلس الجهة عن حزب (الأصالة والمعاصرة)، ووزارة الداخلية، مضيفا أن قرار إقالة ينجا غير موجود". و جوابنا على هذا "التطماس" و "التخباط", الذي وقع بين شركه محامي "ينجا", هو "واجعة", فنحن نعلم بأن كلمة اقالة "الخطاط ينجا" لا توجد في منطوق الحكم. فهل تريد لنا مثلا أن نقع في فخك المنصوب "أيهم سبق..الدجاجة ام البيضة", لا يا سيدي فنحن لسنا أغبياء كما تتصور أنت و رئيس الجهة, و لن نتعب أدمغتنا في البحث عن جواب لتلك الاحجية البائسة و الصفرية, و لن نضل طريق الحقيقة واضحة المعالم. فالحكم لم يذكر اقالة "ينجا", لأن الطاعنة "شكاف" و محاميها, ليسوا بتلك الغباوة التي تتصوروها, فهم قد طعنوا على قرار الداخلية بالسماح ل "الخطاط ينجا" بالترشح, لأن القانون يحاكم الأفعال و ليس الأشخاص, و هذا أول ما تعلمناه خلال دراساتنا الجامعية, فالقاعدة القانونية مجردة, تحاكم الوقائع و الأفعال, و لا تتأسس على الشخنصة أبدا.

لذلك و لأن امتناع وزارة الداخلية ممثلة في السيد والي الجهة عن تطبيق المادة 72 من قانون الجهات, و سماحها لمترشح مقيم خارج الوطن تولي منصب رئيس الجهة, قد أنتج قرارا سلبيا وجب الطعن عليه بالبطلان لمخالفته القانون, لجأت "شكاف" للقضاء من اجل الطعن عليه بالبطلان, مرفقة دعوتها بالأدلة القاطعة و الحجج الدامغة, التي تثبت اقامة الرئيس المطعون عليه خارج المغرب, و هي الأدلة التي أستقر في ضمير القضاة و في جميع مراحل التقاضي, قوتها و صدقيتها و قطعيتها, و عليه حكموا جميعهم بالغاء قرار الداخلية الذي سمح بتولي "ينجا" رئاسة الجهة مع ما يترتب عن ذلك قانونا. و الترتيب القانوني هنا واضح, لا يحتاج الاستنباط و لا البحث و التنقيب, و سينتج عنه إلزاميا, اعلان اقالة الرئيس من طرف وزاة الداخلية.

المهزلة في كل هذه الأحداث المتسلسلة, التي أرخت بسدولها المظلمة على الجهة و شعبها, هو أن الرئيس المحكوم عليه بالعزل و معه محاميه "العظيم", لا يزالون مستمرين في نهج سياسة النعامة المفجعة, مدعين بأن هذا الحكم لا يعني الرئيس من قريب أو بعيد. و هنا قد يكونوا صادقين, فلربما القضية بمجملها تعني "حي بن يقضان" في جزيرة الوقواق الأسطورية.

خلاصة القول, من كان يعبد "الخطاط", فالخطاط قد عزل بحكم القضاء, و من كان يعبد الله, فالله حي لا يعزل و لا تتم اقالته. انتهى الكلام.