Créer un site internet

بعيدا عن السياسة...هكذا شوهت السينما العربية المجتمع القرشي الجاهلي

Photostudio 1579903202935 960x680

بقلم: د.الزاوي عبد القادر-كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

مضحكة للغاية تلك الصورة النمطية التي زرعها الإعلام و السينما العربية في عقولنا عن كفار قريش إبان البعثة النبوية الشريفة. صورة وهمية و غاية في السطحية و التفاهة، وطدتها السينما في عقول الامة، بأفلامها العرمرم عن أحداث الاسلام الكبرى التي تزامنت مع بعثة الرسول الأعظم صلولت الله عليه و آله و سلم، و ما أعقب ذلك من غزوات و حروب و فتوحات.

صور نمطية مصطنعة، رسمت بشكل موحد لجميع عرب قريش و باقي عرب الجزيرة الذين كذبوا برسالة الإسلام و بعثة الرسول الاعظم، وجوها مكفهرة بحواجب سميكة و منفوشة، و عيون حمراء يتطاير من مقلها شرر النيران، و أصوات جهورية مزمجرة كالرعد، و ألبسة ملبدة بالسواد و مزركشة بالديباج الاحمر و كل ألوان النكد و الغم، و لحى شعثاء مغبرة تثير الرعب في النفوس.

و بالمقابل رسموا و بشكل موحد و نمطي أيضا صورا ملائكية لأتباع رسول الله و أصحابه و مناصريه، تبرز النقيض الكلي لصور كفار قريش، بوجوه بيضاء لامعة، و لحى محسون عليها و "مرازيا" و مدهونة، و أوجه سمحاء أصحابها يتطاير الحياء من بين ثناياهم، يرتدون جميعهم البياض لباسا و عمائما، و أصواتهم أرق من غناء البلابل و خرير المياه.

لكنها للاسف الشديد مجرد صور نمطية متخيلة، غارقة في السطحية و غير مسنودة بأية أدلة تاريخية مادية ملموسة، عن الكيفية و الشكل الذي كانت عليه ملامح و أزياء عرب قريش إبان البعثة النبوية من الفريقين كفار و مسلمين، جرى دمجها بشكل متعمد في المعالجة الدرامية لمجموعة كبيرة من الأفلام و المسلسلات العربية التاريخية، و ذلك بهدف التشويه من أجل التشويه فقط لا غير، خدمة لمعاني و تفاسير بعض النصوص الدينية. لانه ببساطة لا يمكن لأي كان أن يقنعنا بأن جميع عرب قريش الذين كذبوا رسول الله و اختاروا الكفر، هم وحوش بشرية، بشعة الشكل و الفعال و المنظر، و قد سبق أن أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في احد أحاديثه الصحاح حين قال: "إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق"، و التتميم كما أجمع على ذلك الفقهاء و المفسرون لا يكون إلا على  شيئ موجود من قبل.

فحتى في الجاهلية قبل الاسلام كان عرب قريش و العرب عموما، يتمتعون بالكثير من مكارم الأخلاق و السجايا الطيبة، كانوا يطعمون الطعام و يجيرون الخائف و يبجلون النساء و يكرمون الضيف و لا يسكتون عن ظلم أو ضيم، يمقتون الكذب و يوفون بالعهد، مشهورين بالشجاعة و الكرم و الانفة و عزة النفس و نصرة المظلوم في ديارهم، و الشاهد على ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، واقعة حلف الفضول، أحد أحلاف الجاهلية الأربعة التي شهدتها قريش، و قد عقد الحلف في دار عبد الله بن جدعان التيمي القرشي أحد سادات قريش وذلك بين عدد من عشائر قبيلة قريش في مكة، في شهر ذي القعدة سنة 590 م، حيث تعاهدوا فيه على أن: "لا يظلم أحد في مكة إلا ردوا ظلامته"، وقد شهد النبي هذا الحلف قبل بعثته وله من العمر 20 سنة، وقال عنه لاحقا: "لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت".

خلاصة القول، المعالجة الدرامية و السينمائية العربية التي حاولت التأريخ الفني للبعثة النبوية، و المخاض التاريخي و الحركية السوسيولوجية التي شهدتها الجزيرة العربية إبان ظهور الإسلام، سقطت في شرك إخضاع الواقع لضرورات معاني النص الديني، ما نتج عنه صناعة صور نمطية مضللة و وهمية، بهدف صناعة الإثارة المجانية و التزلف لرجال الدين، لا تعكس قطعا الوجه الحقيقي لمكونات المجتمع العربي الجاهلي بمكة و باقي بوادي و قرى بلاد تهامة.