السطو على الوعاء العقاري بالداخلة..هكذا تحول منتخبين فاسدين الى "ديناصورات العقار" و نخبة ثرية

Photostudio 1549308777645 960x680

 

المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

إطلعنا على تقارير صحفية مغربية موثوقة، أكدت بأن تحقيقات ماراطونية قادتها المفتشية العامة للإدارة الترابية، كشفت تورط رؤساء جماعات في “البيع والشراء” في الأراضي التابعة للجماعات المحلية التي يتم اقتناؤها بثمن رمزي، ويصادق عليها في الدورات، ثم يتم “بيعها” لديناصورات عقارية بأثمنة بخسة.

التقارير سالفة الذكر كشفت بأن وزارة الداخلية وجهت  20 استفسارا لرؤساء جماعات ينتمون إلى أقاليم طنجة القنيطرة والخميسات وفاس وكرسيف والناظور ومكناس ومراكش وورزازات وتازة والرشيدية وزاكورة وقلعة السراغنة، حيث طالبتهم بجواب معلل حول الأثمنة التي بيعت بها العقارات الجماعية، ومن هم المستفيدون، وذلك في أفق اتخاذ قرارات نهائية حازمة ضد هذه الخروقات الخطيرة و الإهدار المقيت لأملاك الشعب.

بعيدا عن ما يحصل بمدن شمال المملكة، شكل دوما ملف العقار أهم الملفات الحساسة التي تعاقب عليها العمال و الولاة بجهة الداخلة وادي الذهب، وصارت عند البعض منهم من الطابوهات و المحرمات، بل أكثر من ذلك تحولت إلى ما يشبه الملفات السرية و الحساسة للدولة. فبواسطته و من خلاله تشترى الولاءات و الذمم و المواقف، و به ومن خلاله يتم إخراس الأصوات المعارضة، و به ومن خلاله تم إغناء الكثير من النخب التقليدية و اللوبيات المحلية الفاسدة، و أصبحت بفضله متحكمة في خيوط اللعبة السياسية و الانتخابية بالجهة.

و في الوقت الذي كان فيه بالإمكان استخدام عمليات توزيع البقع الأرضية بشكل أمثل و وفق تصور عادل و فعال يخدم السياسة العامة للدولة و يساهم في حلحلة الوضع الاجتماعي المزري الذي تأن تحت وطأته فئات عريضة من ساكنة المنطقة، نجد ان هذا الاستخدام انحرف عن مساره القويم ليصبح وسيلة للاغتناء غير المشروع لدى بعض المسؤولين المحليين و بعض المنتخبين من النخب المحلية الفاسدة و المفسدة، و تابعيهم بإحسان من رقيق جمعوي موالي و سماسرة الإنتخابات، الأمر الذي أثار و لا يزال نقمة فئات واسعة من المواطنين، الذين يرون فيه تجسيد فاحش لفشل سياسة الإدارة الترابية في التعاطي مع مشاكل فئات واسعة و عريضة من المجتمع المحلي.

فمن يا ترى يقف وراء هذه النوعية من القرارات البائسة؟ و هل ستلتزم مؤسسات الدولة السيادية الصمت تجاه هذه التصرفات التي تهدد السلم و الأمن الاجتماعيين بالجهة؟ ومتى سيتم رسم سياسة واضحة المعالم تروم الاستخدام الأمثل للامتيازات الممنوحة من طرف الدولة لمعالجة المشكلة الاجتماعية الخانقة التي تعيشها فئات واسعة من ساكنة الجهة، تعكسها احتجاجات الكركرات شبه اليومية؟

لكن يبقى الأخطر من كل ما سلف ذكره، هو الإستهتار الأرعن و الفاحش بخطابات جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي كان و لا يزال يشدد خلالها على ضرورة تخليق المرفق الإداري العام، و القطع النهائي مع سياسة الريع البغيضة، و الضرب بيد من حديد على ايادي الفاسدين، و جعل المواطن المغربي و مصالحه في قلب السياسات العمومية للدولة، من طنجة و إلى تخوم لكويرة جنوبا.

يبدو أن لمافيا العقار و الترامي على املاك الدولة و الأملاك العمومية للساكنة بجهة الداخلة، رأي آخر في الموضوع و غير معنيين نهائيين بمؤسسات الدولة الرقابية و خطب جلالة الملك السامية، ما داموا أصبحوا دولة داخل الدولة، في ظل حماية شاملة من جيوب فاسدة ممتدة داخل أجهزة الدولة السيادية العليا. انه التفسير الوحيد الذي يمكن من خلاله أن تفهم الساكنة سبب الغطرسة و "الدسارة" التي تظهرها مافيا نهب العقارات و الإستيلاء على أملاك الدولة العمومية، من خلال هجماتها الشرسة التي تشنها كل يوم على عقارات مخصصة للمصلحة العامة بمدينة الداخلة، كانت ستكون مساجد للقرب أو فضاءات خضراء للنزهة أو مرافق اجتماعية، فإذا بها تتحول بشكل إجرامي و غير قانوني إلى مشاريع خاصة مربحة لمستثمرين فاسدين و منتخبين متنفذين وضعوا ايديهم في يد الشيطان خدمة لجشعهم و مصلحة حساباتهم البنكية المتخمة بأموال حرام منهوبة من أفواه المحرومين و المفقرين و البؤساء، أبناء فلذات تلك الربوع المالحة و المستباحة.

لذلك لا غرو أن يتحول البعض في مدة زمنية وجيزة، من الحضيض إلى قمة الثراء، بينما لا تزال فئات واسعة من ساكنة الجهة و الصحراء تناضل من أجل لقمة عيش مرة استحالة إلى سراب، حتى بات الصحراويين يحرقون انفسهم بعد أن طفح بهم الكيل، و سدت في وجوههم جميع سبل العيش الكريم، من خميرة أموالهم العمومية المسروقة و ثرواتهم الطبيعية المنهوبة، زادها سواءا و استفحالا اصطفاف المنتخبين و النشطاء الحقوقيين و المدنيين إلى جانب الكعكة، حيث لهم مع مافيا الفساد و الاستيلاء على الأملاك العمومية مآرب كثيرة يقضونها، و ذلك على حساب الدفاع عن حقوق الساكنة المهضومة.

لقد اتسعت عمليات بلقنة و تبديد الرصيد العقاري بالجهة، و الاستيلاء على أراضي الملك الخاص للدولة، و بدأت تتسع معها قائمة المستفيدين الحصريين من هذه العقارات المنهوبة، لتشمل مستشارين منتخبين و زعماء سياسيين محليين ومقاولين فاسدين، اصبحوا يشكلون فيما بينهم لوبيا مدمرا، و احتكروا تقاسم الثروة و التمثيلية الإنتخابية و السياسية تحت شعار: "زيتنا فدقيقنا"، وذلك في تعارض تام مع المقتضيات المتعلقة بشروط تفويت الملك الخاص للدولة المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 2.02.185، الصادر في 5 مارس 2002، المتعلق بسن نظام عام للمحاسبة العامة، ولا سيما الفصل 82 منه الذي ينص بصريح العبارة على ما يلي: "يباشر بيع العقارات من ملك الدولة الخاص عن طريق المزاد العلني".

قولا واحدا، إن الثراء غير المشروع عن طريق استغلال السلطة والنفوذ و نظام الامتيازات و المكانة الانتخابية، مازال مستمرا بجهة الداخلة ضدا عن الدستور المغربي و التوجيهات الملكية السامية، تحولت معه الجهة إلى مزرعة خلفية لتغول قماقم الفساد و الريع، و سقط معه بشكل دراماتيكي مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة "الوهمي"، و كل مبادئ المواطنة الحقة و المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، بينما لا تزال رادارات وزارة الداخلية و مفتشياتها عاجزة عن رصد هذه الخروقات الشنيعة أو حتى مجرد الاقتراب منها، ما دام الفساد بالجهة و الصحراء بات من المباحات.