مجلس جهة الداخلة..ثروات مالية مهدورة و أزمات إجتماعية خانقة..احتجاجات المعطلين نموذجا

Photostudio 1597340429102 960x680 1

المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

لم يعد يخفى على أحد بشبه جزيرة الداخلة، فواجع التدبير الكارثي لميزانية مجلس الجهة من طرف الأغلبية التي يترأسها "الخطاط ينجا", و التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء, في فنون و مناهج إستنزاف ميزانيات رعايا صاحب الجلالة بتلك الربوع المالحة. لكن، و بما أن هذه الأيام تشهد اعتصامات غير مسبوقة تنظمها تنسيقيات المعطلين أمام مقر مجلس الجهة الموصد، كان لزاما علينا كمركز دراسات و نخب مستنيرة، تنوير الرأي العام المحلي، و خصوصا فئة المعطلين و المهمشين، من خلال هذا التقرير التحليلي حول كوارث تدبير ميزانيات مجلس الجهة، مؤسس على تشخيص مالي علمي و موضوعي، يحاكم ميزانيات الجهة بالأدلة و الارقام، بعيدا عن لغة الخشب و أخبار "البوجاعي" التي صدعت بها رؤوس الساكنة صحافة "المرايقية" الموالية لرئيس الجهة و تحالفه الفاشل.

إنه تبذير فاحش و إستنزاف ممنهج لا تزال الماكينة الإعلامية الموالية لرئيس الجهة بمواقعها الصحفية المتناسلة كالفطر السام, إلى جانب رقيقه الجمعوي البغيض و ذبابه الإلكتروني القذر, تحاول أن توجه عنه الأنظار بعيدا, و تعتم عليه من خلال محاولة إلهاء الشعب بعمليات توزيع "الفتات" على بعض الفئات الفقيرة من ساكنة الجهة، لكن يبدو أن تلك العملية التمويهية المفضوحة إضافة إلى محاولة إشغال الرأي العام المحلي بين الفينة و الأخرى بقصاصات إخبارية صفراء مفبركة عن خصمهم الانتخابي رئيس بلدية الداخلة، في إطار سياسة صحفية رخيصة تروم خلق شو إعلامي مصطنع، قد بائت بالفشل, و إنفاق مجلس الجهة خلال فترته الانتدابية لمليارات السنتيمات من أجل تمويل فصول "زرادي" و تنظيم المهرجانات و إنفاق الأموال الطائلة على مكاتب الدراسات و صفقات "مارو و فارينا", تحول إلى أسطورة شعبية مفجعة, ستظل تلوكها الألسن و تتسامر على وقع حكايتها البائسة أجيال كثيرة قادمة. خصوصا أن هذه المبالغ الخيالية و الملتهبة، لا تتطابق قطعا مع الحاجيات الموضوعية و الحقيقية لجهة تتركز الغالبية العظمى من ساكنتها في مدينة الداخلة و التي لا يتجاوز عدد ساكنتها في أفضل الاحوال 200 ألف نسمة, و شتانا بين الحاجيات الحقيقية التي تبنى عليها فرضيات مصاريف الميزانية بطريقة علمية نزيهة و رصينة, و بين هذا التدبير الفاشل و الهدر الرهيب لأرزاق الساكنة من طرف مجلس الجهة و لجانه المختصة، بينما كان بإمكان رئيس الجهة و طاقمه المسؤول عن البرمجة, أن يخصص جزء من تلك المبالغ المالية الضخمة من أجل خلق فرص شغل لشباب الجهة المحروم و المفقر, أو المساعدة في تمويل خلق مئات المقاولات الصغيرة و المتوسطة لحملة الشواهد العاطلين, إضافة إلى تخصيص و لو النزر القليل منها لدعم ميزانية بلدية الداخلة و مؤازرتها في مجهوداتها الضخمة للنهوض بالبنية التحتية بمدينة الداخلة و تطويرها على كافة الاصعدة. 

إن أكثر ما يثير الغثيان في سلسلة "سنوات ضياع" الخاصة بالطقمة الحالية المسيرة للمجلس الجهوي و ميزانياته تساعية الأصفار، نجد قضية الدعم المليوني السخي الذي خصصه مجلس جهة الداخلة لما سماه معدي هذه المهزلة الميزانياتية بالدفعات المالية المقدمة للتعاونيات، في إطار فصل فضفاض و غريب, خصصت له من أرزاق شعب الجهة من كتائب الكادحين و العاطلين و المهمشين, مليار و 500 مليون سنتيم. أبواب ميزانياتية تم استحداثها, و خصصت لها أموال طائلة من أموال الساكنة المفقرة, حيث أن هذا النفخ الصاروخي في الميزانية يعتبر في علوم تدبير الموارد المالية, تبذير "فاحش" و هدر مالي "شنيع", و كأن الذين وضعوا هذه "الخزعبلات" الميزانياتية لم يسمعوا أبدا من قبل عن شيئ اسمه الحكامة المالية و ترشيد النفقات، الذي يعتبر أحد أهم مبادئ علم وضع الميزانية من خلال البحث عن تحقيق الأهداف المسطرة بنجاعة و عقلانية.

و عودة لموضوع الدفعات المالية الضخمة التي خصصت للتعاونيات بالجهة و الذي حدد في مليار و 500 مليون سنتيم, نتساءل و من ورائنا جيوش المحرومين و العاطلين و المهمشين؛ بناءا على أي أسس تم تخصيص هذه الأموال الطائلة؟ و ماهية التعاونيات التي ستستفيد؟ و ما هي الفرضيات و التقديرات المالية التي على أساسها وضع هذا المبلغ الضخم؟ و هل يمتلك رئيس الجهة و مكتبه المسير تصورا حقيقيا عن هذه التعاونيات و عن ماهيتها و المعايير الموضوعية التي على أساسها سيتم تقديم هذه المعونات المالية؟ أم أن الأمر يتعلق بريع من طينة جديدة يؤسس له رئيس الجهة, تحت يافطة دعم التعاونيات و المجتمع المدني ووووو....؟ ثم ألم يكن حريا بمجلس الجهة أن يخصص و لو ربع ذلك المبلغ الضخم لدعم شباب المدينة العاطل عن العمل, من خلال انشاء مشاريع اقتصادية صغيرة توفر لهم مدخول مادي قار و تقيهم شرور البطالة القاتلة و قلة ذات اليد؟ و نفس التساؤلات تنطبق على 200 مليون سنتيم التي يخصصها سنويا مجلس الجهة لدعم جمعية الجهات المغربية، و رغم كون الجهة عضو في هذه الجمعية, لكن يبقى مطلوب من رئاسة المجلس توضيح المعايير التي على أساسها تم تخصيص هذه الأموال الطائلة, بالإضافة الى ماهية البرامج و الخدمات التي ستقدمها جمعية الجهات المغربية, للجهة و ساكنتها المطحونة, خصوصا إذا علمنا بأنه إلى حدود الساعة, تم تخصيص أكثر من مليار سنتيم لهذه الجمعية.

و نفس الكلام ينطبق على فصول اخرى "منتفخة" بشكل رهيب, كتخصيص مبلغ خرافي ناهز 200 مليون سنتيم لشراء التحف الفنية و الهدايا, و 200 مليون سنتيم أخرى لإكتراء عتاد الحفلات, و 150 مليون سنتيم لشراء الوقود و الزيوت لحضيرة سيارات المجلس, و هو رقم يطرح أكثر من علامة استفهام حول المعدل الحقيقي لإستهلاك السيارات للوقود؟ إضافة إلى تخصيص 50 مليون سنتيم لشراء قطع الغيار و الإطارات المطاطية لسيارات الجهة -أغلبها لا يزال جديدا- ناهيك عن تخصيص مبلغ 50 مليون سنتيم أخرى لصيانة و إصلاح السيارات. أضف إلى ذلك تخصيص مجلس الجهة حوالي مليارين سنتيم لدعم جماعات ترابية مقربة حزبيا من "ولد ينجا" بعضها لا يوجد سوى على الورق, و هنا يكمن الشيطان و البؤس كله, و تصبح عمليات مأسسة الريع و تسمينه العنوان الأبرز لسياسة مجلس الجهة التدبيرية و الترابية, و إلا لكان اولى بتلك الأموال أو بعضها تطوير بنية مدينة الداخلة التحتية و تحسين عيش الساكنة و توفير فرص الشغل للشباب العاطل.

من جهة ثانية, لا نزال ننتظر بفارق الصبر من رئيس الجهة و حلفه السياسي، أن يفسروا للساكنة، لماذا رفعوا مصاريف إكتراء عتاد الحفلات من 20 مليون سنتيم سنة 2016 إلى 200 مليون سنتيم, أي بنسبة 1000 في المائة, و نفس الكلام ينطبق على مصاريف شراء التحف و الهدايا الذي قفز من 70 مليون سنتيم سنة 2016 إلى 200 مليون, و كذلك مصاريف الإقامة و الإطعام الذي قفز بشكل صاروخي من 250 مليون سنتيم سنة 2016 إلى مليار و 800 مليون سنتيم, إضافة إلى مصاريف تنظيم المهرجانات الثقافية و الترفيهية الذي قفز بدوره من 20 مليون سنتيم سنة 2016 ليصل إلى مليارين سنتيم؟؟

قولا واحدا، يبدو أن عقليات الطقمة المسيرة لمجلس الجهة لا تزال تأبى استعاب المتغيرات الجيو- سياسية المستجدة, و على رأس ذلك روح مشروع الجهوية المتقدمة الذي اعطى انطلاقته ملك البلاد من هذه الأرض المالحة, حيث لا تزال نفس تلك العقليات الريعية هي التي تخطط لأرزاقنا و تبرمج مقدراتنا, و مجلس الجهة هو مجرد نموذج حي لهذا الطرح المفجع، حيث يتم التلاعب بالرأي العام من خلال العزف على وتر فاحش يسمى دعم الضعفاء و حل مشاكل البؤساء و المحتاجين, و هنا تكمن الخطورة كلها و يصبح المستقبل أسودا قاتما, و تصير الجهوية و ترسانتها المادية و النفسية خلف ظهورنا تماما, و نتحول الى فئران تجارب على شاكلة فئران "الهامستر", التي يضعونها في قفص به عجلة تدور, و يظل الفأر المسكين يركض و يركض داخل الحلقة و هو يتصور أنه يتقدم الى الأمام, لكنه في الحقيقة لا يراوح مكانه قيد أنملة رغم المجهود و الارادة.

لقد سبق لنا ان كررنا ذلك في عدة مقالات و تقارير، إن مشاكل البشر فوق هذا الجرف البحري المنكوب, لن تحل قطعا بالصدقات و تحويل الناس الى "طلابة" و متسولين كما جرت بذلك العادة من طرف مجلس الجهة, و لكنها ستحل عن طريق برامج تنموية حقيقية واضحة المعالم و المآلات, ستحل عن طريق الرفع من مستوى المواطنين الفكري و الاجتماعي و من حسهم المقاولاتي, ستحل عن طريق  برامج طموحة و خلاقة و مهيكلة على أرض الواقع, تمكن من اندماج مجتمعي حقيقي للفئات المحرومة, و حل مشاكل البطالة و توفير فرص الشغل للشباب المستضعف, لتضمن لهم و لو النزر القليل من الكرامة الانسانية و العيش الكريم.

في الختام، من أمن المحاسبة أساء التدبير و "تغول" في فنون إهدار أموال الساكنة العمومية التي خصصتها الدول المغربية لأجل رفاههم و عيشهم الكريم, و تخصيص مبالغ مالية خرافية من ميزانية الجهة, في مصاريف عبثية, هو إهدار مقيت للمال العام, الذي من المفترض أن يصرف في برامج سوسيو-إقتصادية حقيقية تعود بالنفع المباشر على الساكنة, وخاصة فئة الشباب الذين يعانون من ويلات البطالة و الحرمان, ويضطرون إلى الاحتجاج أمام مقر الجهة من أجل الحصول على حقوقهم المهدورة في التشغيل و الكرامة و العيش الكريم, من دون جدوى, رغم الوعود "الوردية" التي ما فتئ يكررها على آذانهم التحالف السياسي المسير لدفة مجلس الجهة منذ حوالي خمس سنوات مضت, و شرخت بها أذان الرأي العام صحافته الموازية، لكن من دون أية فائدة تذكر. لذلك و لكل ما سلف ذكره، لم يبقى أمام معطلي و بؤساء و محرومي هاته الربوع المالحة إلا أن يرددوا و على نفس منوال خطبة الفاتح العربي الشهير "طارق إبن زياد": أين المفر...البطالة القاتلة من أمامنا...و ميزانيات مجلس الجهة المضاعة من ورائنا...", إلا أننا نربئ بساكنة الداخلة و قواها الحية، من تخوم حي الأمل شمالا و إلى حدود حي الوحدة في اقصى الجنوب الغربي، أن تظل في موقف المفعول به و بمزانياته و مستقبله، لذلك الجميع مدعو إلى أن يجعل من المحطة الانتخابية القادمة فرصة ذهبية لخلع هذا التحالف السياسي الفاشل المسير لمجلس الجهة من ذاكرة مجالس الداخلة و أهلها الطيبين.