سيدي صلوح الجماني..المايسترو السياسي بجهة الداخلة وادي الذهب

Photostudio 1627232863518 900x700

المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

لا يخفى على عاقل، أجواء الشو السياسي و التسخينات الانتخابية التي باتت مدينة الداخلة مسرحا لها، و ما تمخض عن ذلك من اصطفافات و استقطابات انتخابوية، و بروز نخب سياسية جديدة، و ما صاحب ذلك من حملات إعلامية مركزة تحتفي باللاعبين الجدد و تتباهى بشخوصهم و مؤهلاتهم و فتوحاتهم التي لا تزال حبيسة الغيب، و في ظل كل هذا الهرج الإعلامي تشاء الأقدار أن يتم التعتيم عن قصد أو سهو، على الشخصية السياسية الفريدة بالجهة التي كان لها السبق و الفضل في تشبيب الممارسة الانتخابية و السياسية بالجهة، و إخراج نخب شابة من غياهب العدم إلى الوجود الإنتخابي و الإنساني و الاجتماعي بتلك الربوع المالحة. طبعا، نحن نقصد شخصية من قيمة و هامة "سيدي صلوح الجماني" غاندي العملية السياسة بمدينة الداخلة، الذي لولاه، لكانت الجهة الآن تحت سطوة نفس الوجوه و العوائل التي ظلت تفترس أرزاقنا العمومية و تتاجر بتمثيليتنا لعقود طويلة، عقود رتيبة و مظلمة، لم تستفد منها الجهة و ساكنتها في الضفتين سوى الإقصاء و الحكرة و التهميش، فنحن أبناء شبه جزيرة الداخلة بالتسلسل و كنا شهود و ضحايا لتلك الحقبة البائسة.

لقد أكدت الأحداث السياسية المتسلسلة التي شهدتها جهة الداخلة وادي الذهب خلال السنوات الاخيرة, حقيقة لطالما تحدثنا عنها بإسهاب في مقالات عديدة, و اظهرت كيف حول تحالف "التحشليف" و أوليغارشيته العشائرية بين مدينة العيون و الداخلة, الممارسة السياسية الرشيدة إلى ستار مؤسساتي تمارس من وراءه العائلة و الأقارب العمل السياسي, و أظهر حجم التهميش الفاحش و الإقصاء الممنهج و التمييز العنصري المشين, الذي سيتعرض له المحرومين و المستضعفين حين تمارس العائلة السياسة بالصحراء، و ليس ببعيد عنا ما جرى بجهة الداخلة وادي الذهب عشية الانتخابات التشريعية و البرلمانية الماضية, حيث نظمت لوائح أحزاب تحالف "التحشليف" و الخوانجية الوصوليين, على وزن الحاشية و المقربين, و نظرة خاطفة على لوائح تحالف حزب الاستقلال, كافية جدا ليستوعب المرء حجم المؤامرة التي مورست على ساكنة الجهة, و كيف سيطرت العائلة على أغلبية المراكز الأثيرة و المتقدمة في المجالس و الجماعات, و هو ما نتج عنه خريطة تمثيلية مشوهة و غير متوازنة, لم تنصف التركيبة الإجتماعية و السكانية للجهة, تشبه إلى حد كبير المسخ "فرانكشتاين" كما في الرواية الخيالية الشهيرة  للمؤلفة البريطانية "ماري شيلي". 

و كما أسلفنا، لولا الألطاف الإلهية التي بعثت لهذه الربوع المالحة في لحظة جد حرجة من تاريخها السياسي, رجلا من طينة و معدن "سيدي صلوح الجماني", الذي انقذ السياسة من الموت المحتم, و أعاد للعبة الديمقراطية جدواها و آلياتها المختطفة و عدل كفة الميزان المائلة و أرجع التوازن إلى المشهد الحزبي و السياسي و الانتخابي بالجهة, و فسح المجال و لأول مرة في تاريخ الجهة و المنطقة أمام نخب جديدة من أجل حمل مشعل التمثيلية و التغيير, و الترافع بصدق و إخلاص عن هموم و انتظارات فسيفساء عريضة من ساكنة الجهة, كانت إلى حدود الامس القريب مغيبة عن سابق تعمد و تخطيط في غياهب الإقصاء الأسود و الاجتثاث الممنهج, بلا صوت أو تمثيلية حقيقية, و هو ما شكل تماهي فريد من طرف "الجماني" مع النموذج السياسي المغربي الذي نادى به و لا يزال جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في جميع خطبه و توجيهاته. 

لذلك لو لا "الجماني"، لكانت الداخلة اليوم و الجهة عموما على صفيح ساخن من الإحتراب الأهلي و التطاحن الاجتماعي و التغول السياسي, و لما برز إلى الوجود وجه واحد من النخب السياسية التي يحتفي بها البعض اليوم، و لنا خير عبرة و موعظة في ساكنة مدينة العيون، التي ترزح تحت نير ديكتاتورية العائلة و المحاباة و التوريث, الذي يتزعمه "ولد الرشيد" و ابنائه و اصهاره و حرافيشه, بخلاف "سيدي صلوح الجماني" الذي جعل من الديمقراطية التشاركية الحقة مبدأ راسخا في العمل السياسي، و من التدبير النزيه و الحكامة الرشيدة أساس إدارة شؤون المجالس المنتخبة, و على رأسها طبعا مجلس بلدية الداخلة، التي ورثها الرجل مدينة منكوبة و مهمشة و بلا أية بنية تحتية و غارقة في المديونية والعجوزات المالية الممنهجة، و حولها إلى مدينة عصرية ذات بنية تحتية مرموقة و بلا أحياء ناقصة التجهيز، رغم ما تعرض له و لا يزال من حروب قذرة ضروس من طرف خصومه الحاقدين في أحد أسوء أشكال المكايدات الانتخابوية الرخيصة، و رغم كذلك الخصاص المهول الذي ورثه "الجماني" إضافة إلى ضعف ميزانية المجلس البلدي و إمتناع مجلس الجهة عن تقديم الدعم المالي لميزانية جماعة الداخلة من اجل مؤازرة مجهوداتها الضخمة في مجال تأهيل البنية التحتية لعاصمة الجهة، التي تحتضن فوق ترابها غالبية ساكنة جهة الداخلة وادي الذهب بكل أقاليمها و جماعاتها و أنشطتها الاقتصادية.

قطعا، لم يمتلك "سيدي صلوح الجماني" عصا موسى ولا خاتم سليمان ولا مصباح علاء الدين السحري، لتحقيق تطلعات ساكنة عاصمة الجهة، لكنه إمتلك ما لا يقل سحراً عن تلك الأدوات، لقد إمتلك عزيمة صلبة و ذمة نظيفة و همة عالية، وإرادته التي لا يغلبها بشر أو عدو أو متآمر، ثبت بها ركائز السلم الأهلي بين مختلف مكونات المجتمع الداخلاوي، و أنقذ من خلالها اللعبة الديمقراطية و ثبت دعائمها الإنتخابية ورفع قواعدها التنموية و متن بنيانها السياسي، و دحر بها أوليغارشيات سياسية فاسدة عابرة لحدود الجهة. 

إنها تحديات جسام خاضها و لا يزال "سيدي صلوح الجماني" بشرف و اخلاص و عزيمة حديدية، و إصرار مذهل على الاستجابة لمطالب الساكنة و انتظاراتها الملحة و حقوقها في العيش الكريم، و إستطاع بنظافة يده و طهارة ذمته أن يتغلب عليها، و يصنع ملاحم تنموية ستظل موشومة بحروف من ذهب في صفحات كتاب مدينة الداخلة إلى الأبد، و شتانا بين من شيد الحدائق و عبد الأزقة و الطرقات و طور الشوارع و الكورنيشات الشاطئية و جدد شبكات الإنارة العمومية و أعاد بعث الحياة في معمار و مآثر المدينة التاريخية، و بين خصومه العدميين داخل حلف التحشليف و تجار الدين، الذين تفننوا في إهدار أموال الساكنة العمومية على صفقات التاجر المحظوظ "مود" و رفيقه "بنسي" و تمويل الحفلات و "الزرود" و تنظيم مهرجانات السفاهة، و شراء الولاءات و صناعة الأجنحة الإعلامية و دعم جمعيات جياع نواذيبو و الوافدين....

لذلك كل من يحارب "الجماني" اليوم أو يمني النفس بإزاحته من زعامة العملية السياسية بجهة الداخلة وادي الذهب، إنما يحارب طواحين الهواء و يمني النفس بأضغاث أحلام لن تتحقق حتى "تبرك الناقة على ذروتها" كما يقول البيظان، لأن ظهيره الشعبي الكاسح وسط ساكنة مدينة الداخلة من تخوم حي الوحدة غربا و إلى أعماق حي كسيكسات شرقا, مرورا بمختلف أحياء المدينة شمالا و جنوبا، لن يسمح بذلك, فالرجل بات صمام امان للسلم الاجتماعي و الاهلي بهذه الجهة, و ضرورة إنتخابية و سياسية لا محيد عنها.

ختاما، إنها بإختصار شديد ملحمة سردية من وحي سمات شخصية سياسية إستثنائية بقيمة و مكانة "سيدي صلوح الجماني"، شريف المجالس المنتخبة و أيقونة الديمقراطية التشاركية و عراب السلم السياسي و الأهلي بجهة الداخلة. إنه المايسترو السياسي و ضابط إيقاع مخرجات العملية الانتخابية، و الذي خلال حقبة تواجده بين ظهرانينا لم نعد ننظر إلى الماضي بغضب أو حسرة ولا إلى المستقبل بخوف أو قلق، لذلك على جميع مكونات المشهد السياسي و أرانب الانتخابات و المتهافتون في حلبة التنافس الإنتخابي، أن لا ينسوا طرفة عين هذه الحقيقة الراسخة، و كلها يشد شي عند راسو، و إن غدا لناظره قريب.