جمعية "شوفوني"...حين يتحول المشروع المجتمعي الى وليمة و صورة

Caricaturesocietecivil 722598575

الداخلة بوست

قالت العرب قديما "إذا حكم الأراذل هلك الأفاضل". و هذا لعمري هو واقع الكثير من جمعيات المجتمع المدني أو عفوا المخزني بهذا الجرف البحري الأثير. و على رأسهم جمعية "شوفوني" تلك.

حيث تصدرت هذه الجمعية المحظوظة المشهد البائس, و حظيت بشكل مريب و غريب بكم هائل من الحب و العطف و الحنان من طرف أركان السلطات المحلية و خصوصا في ظل حكم الوالي السابق مثير الفتن و القلاقل. الوالي الذي أوصلهم الى درجة المقربين الذين تفرش لهم السجد و يبذل لهم البر و يسهل لهم الإذن و ينادى عليهم ليتصدروا المشهد و الشاشات في التدشينات الرسمية و الملتقيات الدولية و المؤتمرات الوطنية. فسار على هديه و خطاه و سنته من عقبه من الولاة و جاء من بعده. و كيف لا, و هم صاروا أقوى وجودا و نفوذا و شرعية من مؤسسة الوالي نفسه ممثل الملك و الدولة و المبوب فضله و أمره في الفصل 145 من الدستور المغربي.

لكن ليست هذه وحدها هي المشكلة. فالطامة الكبرى و المصيبة العظمى هي "بروفيل" رؤساء هذا النوع من الجمعيات الذين اجتمع فيهم ما تفرق في غيرهم من العباد, من انعدام للمستوى الأكاديمي المرموق و الكفاءات العلمية التي لا غبار عليها و لا تثريب. فتجدهم كلهم دون استثناء فوارغ و أشباه متعلمين, بالكاد يستطيعون التفريق بين حرف الألف و الباء. إما هبوا من قاع العدم و التشرد و الهدر المدرسي, أو هبطوا من السماء بمظلات "أباك صاحبي" و مقولة أهل الصحراء الخالدة "اللي خوتو فالغزي ما ينبط فالخيام", أو صنعوا صنعا في الغرف المظلمة لحاجات في نفس يعقوب.

إن المتأمل المنصف لواقع عمل جمعية "شوفوني" بجهة العجائب و المصائب, لن يستطيع أن ينكر ما يعيشه من انحرافات صارخة عن تعريفاته ومفهومه ووظائفه وخصائصه, التي نظر لها قبل حوالي ثلاث قرون من الآن الفيلسوف الأمريكي "آدم فريستون" في كتابه "مقال في تاريخ المجتمع المدني" الصادر عام 1767م, و من بعده الفيلسوف الأنجلوسكسوني "توماس بين" في كتابه الشهير "حقوق الإنسان" ثم "هيجل" في كتابه "مبادئ فلسفة الحقوق" و"ماركس" و "انطونيو غرامشي", و الذين أتحداهم أن يكونوا قد سمعوا بهم, قبل أن يكونوا قد اطلعوا على نظرياتهم و كتبهم.

فاللهم إذا ما استثنينا قلة قليلة من الجمعويين الجادين من شباب المدينة المثقف و ذوي الشواهد العليا و بعض المهنيين الكادحين و الحقوقيين الصادقين, الذين ينشطون في هذا المجال بكل نزاهة وتفان ونكران ذات, ويعطون لهذا العمل النبيل أكثر مما يأخذون منه ماديا ومعنويا, و مع ذلك لا نسمع لهم ذكر أو تواجد في ساحة الولاية أو حتى بالقرب من سياجها الخارجي. منبوذين و مهمشين و "محكورين".

أما البقية الباقية الطاغية و المحظوظة و منها طبعا جمعية "شوفوني" سالفة الذكر, فإنها لا ترى في العمل الجمعوي سوى طريقا سهلا للثراء السريع والارتزاق الشنيع و الورد من الريع, متخذتا إياه قنطرة سهلة العبور لتحقيق أهداف و طموحات رؤسائها الشخصية, على حساب المصلحة العامة للشعب.

محولين العمل الجمعوي لا شكر الله سعيهم, من عمل تطوعي راقي و إنساني نبيل يحمل في طياته معاني سامية من نكران للذات وبدل للغالي والنفيس من أجل تحقيق أهداف تنموية و وطنية صرفة تعود بالنفع العميم على المواطن و على الوطن. أقول حولوه الى الدجاجة التي تبيض ذهبا, واتخذوا من بعض الملفات الحساسة كالفقر والمعاقين و قضية الصحراء الى آخر السلسلة البئيسة من الشماعات و الحق الذي يراد به باطل, بابا للتسول والارتزاق والاغتناء السريع و إثبات الوجود و اختراق سياج مقرات الولاية, و الغرف من الامتيازات الجليلة للأهل و الأحباب, من دعم مالي سخي و بقع تجارية "شوكة" و بطائق إنعاش للولدان و الأجنة في بطون أمهاتهم.

متسائلين و معنا شعب "الجريف" عن حصيلة ما قدمته جمعية "شوفوني" المغمورة للصحراء و لأهل المدينة منذ تأسيسها, و ما ساهمت به كما أدعت من تعبئة للمواطنين من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة, و وتكريس لدور الدبلوماسية الموازية. و أين هي أنشطة التكوين والتحسيس من أجل حماية البيئة التي أعلنت عنها في رزمانة أهدافها؟ و ما هي انجازاتها العظيمة و بالأرقام في مجال محاربة الأمية والهشاشة والإقصاء؟ و أين هي الأنشطة المدرة للدخل التي خلقتها؟ و أين هي التنمية المستدامة التي حققتها؟  أم أنه و كما يقال "اللسان ما فيهم عظم".

زبدة القول, إن العمل الجمعوي بهذا الجرف المنكوب هو في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى الى إعمال القانون من أجل وضع حد لهذا الريع السرطاني الذي ينخر مقومات العمل الجمعوي الشريف, و يضرب قيم المجتمع المدني في الصميم ويسمم إحدى أهم لبناته ألا و هي الجمعيات.

وهذا النقد الذي قدمناه ليس دعوة للنفور من العمل الجمعوي أو انتقاصا من المجهودات الجبارة التي تبذلها العديد من الجمعيات الجادة من خلال ما تقدمه من خدمات جليلة للمجتمع. فالغرض من وراء كتابة هذه السطور هو تسليط الضوء على بعض الممارسات المشينة التي ترافق العمل الجمعوي, و ذلك حتى يتسنى لنا المساهمة في تصحيح المسار و تطهيره من الطفيليات الآدمية التي يبقى همها الوحيد هو الاسترزاق ونهب المال العام تحت غطاء جمعوي مفضوح. فجمعية "شوفوني" تلك و رئيسها "ظل" الولات و سلطان حاشيتهم و كلبهم المدلل, حولت المشروع الاجتماعي و السياسي للمجتمع المدني الى مجرد وليمة دسمة و صورة الى جانب السيد الوالي.

فللقوم في ما يسترزقون فن و جمعية و مذاهب.