Créer un site internet

قراءة في قرار المحكمة الأوروبية إلغاء اتفاقية التبادل الحر مع المغرب لتضمنها منطقة الصحراء

Sahara cour europe

الداخلة بوست 

بقلم : د.الزاوي عبد القادر - أستاذ باحث و كاتب صحفي

"أحيانا لا يريد الناس سماع الحقيقة, لأنهم لا يريدون رؤية أوهامهم تتحطم". فيودور دوستويفسكي.

إنها نكسة مزلزلة و هزيمة مدوية للدبلوماسية المغربية, و سابقة خطيرة في طريقة تعاطي أوروبا و أعلى هيئة قضائية لديها مع ملف قضية الصحراء, فتبعات الحكم و إسقاطاته و تأويلاته تتجاوز بكثير مجرد إلغاء اتفاقية دولية تهم التبادل التجاري الحر. فالحكم الذي جاء مفصلا في أكثر من 251 نقطة و حيثية انتصر خلالها لكل مطالب جبهة البوليساريو, و على رأسها شرعية تمثيلها للشعب الصحراوي, و اعترف لأول مرة بكون استغلال ثروات الصحراء الغربية الطبيعية هو أمر غير قانوني و مخالف للشرعية الدولية و يتناقض جملتا و تفصيلا مع وضع الصحراء كإقليم لا يزال مدرجا على لائحة الأقاليم الغير مستقلة منذ سنة 1963, و المعنية بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 الخاص بمنح الاستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة وفق مبدأ تقرير المصير، و بأن الصحراء ليست جزءا من المغرب.

حيث أشار منطوق الحكم في ديباجته التقديمية لإقليم الصحراء في النقطة رقم واحد من حيثياته, الى كون هذا الإقليم هو أرض تقع في أقصى شمال غرب إفريقيا و يحده من الشمال المغرب و من الجنوب و الشرق موريتانيا و من الشمال الشرقي الجزائر و من الغرب المحيط الأطلسي (شاهد الصورة). وهذا في حد ذاته اعتراف صريح بأن الصحراء لا علاقة لها بالمغرب حسب محكمة أوروبا.

F5622c5ff35611c708c3de392112b548ab7d8462 1

المغرب الآن محشور في زاوية ضيقة, و صار وحيدا يصارع طواحين الهواء, و يطارد شبح مزعج يسمى حق تقرير المصير للصحراويين, و سياسة حافة الهاوية التي بات ينتهجها أثبتت فشلها الذريع، حتى مع اقرب حلفائه الأوروبيين. "فالتعنتيت" بالمفهوم الحساني لا يجدي نفعا في قضايا عويصة تتعلق بحقوق الشعوب في أن تختار مستقبلها و تحدد مصيرها, حقوق تعتبر في عقيدة المجتمع الدولي حقا مقدسا و راسخا و غير قابل للتصرف أو المساومة, و هو الأمر الذي أشارت إليه المحكمة في الحيثية رقم 14 و ذلك بناءا على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/37 الصادر يوم 21 نوفمبر سنة 1979 بمناسبة توقيع اتفاقية السلام بين موريتانيا و البوليساريو التي بموجبها أنهت الدولة الموريتانية احتلالها للداخلة و أي مطالب مستقبلية لها في الصحراء, و ضم المغرب خلالها إقليم وادي الذهب.

لكن الغريب في الأمر, هو أن الدولة المغربية لا زالت مصرة على أن تنهج نفس المقاربة الخاطئة في طريقة تدبيرها لملف الصحراء, و ما حصل قبل أيام قليلة من محاولة مستثمر وافد على المنطقة و احد أقطاب الريع و كومبرادوراته الكبار, مقاضاة منبر صحفي صحراوي بسبب دفاع هذا الأخير عن حقوق الصحراويين و ثرواتهم ضد لوبيات الفساد و الاستنزاف, لهو النموذج المشرق لما تعيشه بعض أركان الدولة المغربية العميقة, من انفصام مفجع و إصرار فاحش على المضي في نفس الطريق البائس, و الذي بسببه خرج حكم محكمة أوروبا الى الوجود, و لا يزال المزيد من الانتكاسات قادم في الطريق.

فماذا تريد الدولة من الشباب الصحراوي؟ أم أن الدولة تعتبر الصحراوي الجيد, هو الصحراوي الصامت و المنافق و المصفق و الطبال و المتملق, كما هو حال بعض الجمعيات المرتزقة, التي خرجت علينا ببيانات هزلية, يستعرضون من خلالها وطنيتهم الزائدة, و نضالهم و شجبهم الى آخر "القادوس" من التنطع المفضوح, و هم الذين لم ينطقوا ببنت شفا واحدة ضد ما تحاولوه لوبيات السياسة و الاقتصاد الفاسدة بالمنطقة, من إسكات للمنابر الإعلامية الحرة, و نسف للأقلام الصحفية الشريفة و المناضلة من أجل مصالح الساكنة و كشف الحقيقة للجماهير, و قضية توشيح المغنية "دنيا باطما" بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء, و بالمقابل إقصاء رموز المقاومة و الكفاح و التضحيات الجسام ضد الاستعمار و من أجل حرية الوطن "الناكر للجميل", لا تزال ماثلة أمام أعيننا.

لكن يبدو أن المغرب يحب فقط أن يسمع الكلام الذي يضحكه, و لا يريد أن يسمع الكلام الذي يبكيه ضدا عن المثل الشهير و الحكيم و القائل: " أسمع كلام لمبكيك و ما تسمع كلام لمضحكك", غير أننا نحن كأطر عليا و شباب مثقف و وطنيين صادقين, آلينا على أنفسنا أن لا ننافق الدولة المغربية و أن نسمعها الحقيقة المرة كما هي, فان أصابت سندعمها و إن أخطأت سنقولها لها و لن نخشى في الله لومة لائم, عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره.

فهذه البحار حسب الشرع و القانون, هي بحارنا نحن و ثرواتها لنا وحدنا و نحن هم أسيادها, و لا نريد أباطرة الريع بيننا, نريدهم أن يرحلوا, و على الدولة أن تختار بيننا  نحن و هم, و نكررها مرة أخرى, جلالة الملك محمد السادس كان واضحا في خطابه الأخير بمدينة العيون, حيث قال بالحرف الواحد بأن ثروات المنطقة الطبيعية يجب استثمارها و استغلالها بالتشاور و التنسيق مع الساكنة, كما دعا جلالته الى نهج مقاربة جديدة في تدبير شؤون الصحراء, من خلال القطيعة مع الأساليب القديمة المعتمدة في التعامل مع شؤونها و القائمة على اقتصاد الريع البغيض والامتيازات الخرقاء, و عليه و بكل بساطة نعلنها مدوية و بكل وضوح: لا نريد استثمارات هؤلاء بيننا, و نتحداهم أن يصدروا بلاغا صحفيا للرأي العام عن عدد اليد العاملة من الساكنة الصحراوية الأصلية المشتغلة في شركاتهم و المستفيدة من نشاطاتهم.

يبدو أن قرار محكمة أوروبا جاء في وقته المناسب, و كان بمثابة "قرصة أذن" لبعض أقطاب الدولة المغربية العميقة و رجالاتها "الأشاوس", الذين بسبب تدبيرهم السيئ للملف, و المرتكز على سياسة العصا و الجزرة, و نظرية القطيع و الريع, صدر هذا الحكم. كما أنه يعتبر تنبيه لمراكز القرار داخل الدولة المغربية, بأنه قد حان وقت التغيير, و إطلاق ثورة جذرية في ميكانيزمات تدبير شؤون المنطقة, وفق ما يسمى بإستراتيجية القطيعة "la stratégie de rupture", و إلا فسيل الانتكاسات الدبلوماسية لن يتوقف. و أول قرار استعجالي ننتظره من الدولة هو سحب رخص الصيد في أعالي البحار الممنوحة لهؤلاء, و معها رخص تصدير المنتوجات البحرية الى الخارج, و إرسال بعثة تقصي الحقائق الى المنطقة. اللهم إن قد بلغنا. اللهم فأشهد.

ملاحظة: المقال نشرناه بتاريخ 13/12/2015