Créer un site internet

الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء.. ذَكَّرَ..وأثنى..و بشر.. و نبه.. و حذر.. و أكد..و نسى

Discours roi mohamedvi laayoune 1 651229503

الداخلة بوست

بقلم : د.الزاوي عبد القادر - أستاذ باحث و كاتب صحفي

ألقى ليلة البارحة من مدينة العيون عاصمة الصحراء المغربية الملك محمد السادس خطابا استثنائيا و تاريخيا بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة, شمل الكثير من النقاط الهامة و التوجيهات الرشيدة و البشائر السارة للصحراويين هنا بالصحراء و فوق تراب تندوف المنكوبة. و حرصا منا داخل جريدة الداخلة بوست و كما جرت العادة دوما أن نمنحكم قراءنا الكرام قصاصة خبرية منكهة بطيب التحاليل و الاستنباطات,فها نحن نضع بين أيديكم قراءتنا الخاصة لخطاب الملك محمد السادس ليلة أمس و الذي ارتئين أن نقسمه منهجيا و ابستمولوجيا الى ستة أجزاء:

الجزء الأول: الخطاب ذكر

افتتح الملك خطابه بعد أن حمد الله و أثنى عليه بالتذكير بخصوصية المرحلة و اللحظة التاريخية لهذه الاحتفالية و التي يجب أن تكون ملحمة جديدة جوهرها تمكين أبناء الصحراء من مقومات المواطنة الكاملة، وظروف العيش الحر الكريم. معتبرا أيضا أن هذه المناسبة يجب أن تكون القطيعة و الفيصل مع كل الأساليب القديمة في التعاطي مع قضايا الصحراء و أهلها و شؤونها و خصوصا منها :

-اقتصاد الريع و الامتيازات الذي استفادت منه فئة بعينها من الصحراويين من شيوخ تحديد الوهم و أعيان كروش الحرام و ما جاورهما. وأقصي منه النسيج الاجتماعي الأساسي و الحيوي بالصحراء من  أجيال ما بعد المسيرة.

-ضعف المبادرة الخاصة و التي هي مجرد أحد تبعات و مخلفات سياسة الريع تلك, التي حولت جزء كبير من الصحراويين الى "طلابة" أمام أبواب الولايات و العمالات.

-عقلية التمركز الإداري و غياب الصلاحيات و ما تشكله من إعاقة حقيقية أمام التدبير الفعال لشؤون الجهات على المستوى المحلي و اتخاذ القرارات الصائبة لإنزال أوراش التنمية على أرض الواقع, فكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها.

الجزء الثاني: الخطاب أثنى

أثنى الملك على الصحراويين, واصفا إياهم بأنهم أهل عزة و كرامة ألفوا العيش من جهدهم و تجارتهم و نجعتهم رغم ظروف الصحراء القاسية. فلم يمدوا أيديهم في يوم من الأيام لأحد طلبا لرزق أو مساعدة. وهذا الكلام يحتمل تأولين و رسالتين:

-فالتأويل الأول و رسالته : موجهان لجبهة البوليساريو التي تعيش على المساعدات الدولية محولتا شعب الصحراء الحر الى مجموعة من أبناء السبيل و المتسولين.

-و التأويل الثاني و رسالته : موجهان لداخل إقليم الصحراء, للطبقات المهمشة من الصحراويين داعيا إياهم للتأقلم مع الوضع الجديد الذي سيتم تنزيله و الأخذ بزمام المبادرة الخاصة و الاندماج في المخطط المنزل و الرامي الى تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية, الذي سيمكن الصحراويين من الوسائل اللازمة لتدبير شؤونهم, وإبراز قدراتهم في النهوض بتنمية المنطقة. و بالتالي الكف عن المطالبة كما في السابق بمطالب هي من صميم اقتصاد الريع و الامتيازات الذي قطع الملك معه من خلال خطابه.

الجزء الثالث: الخطاب بشر

بشر الملك في خطابه ببداية تفعيل و تطبيق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي سيدعم اندماج تنموي حقيقي للصحراء في المغرب و تحويلها الى مركز اقتصادي قاري باعتبارها بوابة المغرب على عمقه الإفريقي. و عليه و في مجال البنية التحتية ستشهد المنطقة :

- تقوية الشبكة الطرقية بالمنطقة بإنجاز طريق مزدوج بالمواصفات الدولية بين تيزنيت والداخلة.

- بناء الميناء الأطلسي الكبير للداخلة بمنطقة انتيرفت.

- ربط مدينة الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية.

- انجاز المشروع الكبير لتحلية ماء البحر بالداخلة.

- إقامة وحدات ومناطق صناعية بالعيون والمرسى وبوجدور.

- التفكير في إقامة محور للنقل الجوي، بالأقاليم الجنوبية، نحو إفريقيا.

- بناء خط للسكة الحديدية من طنجة إلى لكويرة عند توفر الإمكانات المالية.

- إنجاز مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والريحية بالجنوب.

على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الحقوقي:

- مراجعة شاملة لمنظومة الدعم الاجتماعي الحالية في أفق إعادة هيكلتها لتكون أكثر شفافية وإنصافا من أجل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية, التي ما فتئت تطالب بها الفئات المهمشة و الهشة و المعوزة بالصحراء.

- إحداث صندوق للتنمية الاقتصادية مهمته دعم المقاولات والاقتصاد الاجتماعي, وتوفير الدخل القار وفرص الشغل وخاصة لفائدة الشباب.

- تعزيز آليات الحفاظ على التراث الصحراوي و الثقافة الحسانية, من خلال بناء المسارح والمتاحف ودور الثقافة, و هذا في حذ ذاته يشكل اعتراف صريح من الدولة المغربية بالحقوق الثقافية للصحراويين.

- تقوية دور اللجان الجهوية لحقوق الانسان من خلال دسترة أدوارها و منحها الصلاحيات الكاملة للدفاع عن الحقوق والحريات وحمايتها بكل استقلالية و ذلك من خلال تخويلها صلاحية معالجة التجاوزات الماسة بحقوق الإنسان الصحراوي في إطار الحوار والتعاون مع السلطات العمومية, وجمعيات المجتمع المدني الناشطة في الميدان والمواطنين.

على المستوى السياسي:

- وضع عقود- برامج، بين الدولة والجهات، لتحديد التزامات كل طرف، بخصوص إنجاز المشاريع التنموية و ذلك وفاءا من المغرب بالتزاماته بجعل الأقاليم الصحراوية في صدارة تطبيق الجهوية المتقدمة.

- تفعيل الترسانة القانونية المتعلقة بنقل الاختصاصات من المركز لهذه الجهات, ودعمها بتحويل الكفاءات البشرية والموارد المادية اللازمة.

- بلورة ميثاق حقيقي لعدم التمركز الإداري يعطي للمصالح الجهوية الصلاحيات الضرورية لتدبير شؤون الجهات على المستوى المحلي.

و هنا نثير الانتباه الى أن الملك و عكس كل خطاباته السابقة التي كانت تطعن في ما يسمى الثروات الطبيعية للمنطقة, اعترف هذه المرة بهذه الأخيرة و بضرورة استثمارها لفائدة الصحراويين في إطار التنسيق و التشاور معهم.

و هذا يحيلنا على الرأي الاستشاري الذي قدمه المستشار القانوني الأسبق للأمم المتحدة هانس كوريل سنة 2002 حول الثروات الطبيعية الصحراوية و عدم شرعية استغلالها إلا بموافقة الشعب الصحراوي, وهو القرار الذي تبنته الأمم المتحدة و منظمة الاتحاد الإفريقي و الاتحاد الأوروبي و عدة دول أوروبية أخرى داعين المغرب الى الالتزام ببنوده.

فهل هذا يعتبر رضوخ من المغرب للاملاءات الدولية وانحناء لعاصفة الضغوطات الأممية في هذا الصدد, و الاعتراف ضمنيا بأن الصحراء تبقى رغم ما يقال, لها وضع خاص حتى داخل المملكة المغربية. لأن المغرب لن يحتاج مثلا لاستغلال ثروات منجم الفوسفاط بخريبكة للتشاور مع أهل خريبكة.

الجزء الرابع: الخطاب نبه

نبه الملك من خلال خطابه ليلة أمس الى عدة نقط هامة نجملها فيما يلي:

-نبه الى كون الكرة حاليا هي في ملعب الساكنة المحلية وممثليهم, و وضعهم  أمام مسؤولياتهم التاريخية, بعد أن وفرت لهم الدولة حسب قوله في إطار تنزيل الجهوية المتقدمة الآليات المؤسسية والتنموية لتدبير شؤونهم والاستجابة لحاجياتهم. و بهذا تخلي الدولة مسؤوليتها مستقبلا من أي اختلالات أو مشاكل سياسية أو اجتماعية قد تشهدها المنطقة.

-نبه الى كون المغرب إذا وعد وفى قولا وفعلا و كونه لا يلتزم إلا بما يستطيع الوفاء به ولا يبيع الأوهام, كما يفعل الآخرون و هنا يقصد جبهة البوليساريو و عليه :

* المغرب وعد بتطبيق الجهوية المتقدمة وهي اليوم حقيقة على أرض الواقع.

* المغرب وعد بالديمقراطية, وبتمكين سكان أقاليمه الجنوبية من تدبير شؤونهم المحلية, وها هم اليوم يختارون ممثليهم ويشاركون في المؤسسات المحلية بكل حرية ومسؤولية.

* المغرب التزم بنموذج تنموي خاص بالأقاليم الجنوبية و هو اليوم بصدد أطلاق أوراشه المهيكلة.

* المغرب التزم بضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة  والصحراء اليوم هي أكثر المناطق أمانا في جهة الساحل والصحراء.

- التنبيه الى حالة اللاجئين الصحراويين بتندوف التي ما تزال تقاسي من الفقر واليأس والحرمان و متسائلا : أين ذهبت مئات الملايين من الأورو التي تقدم كمساعدات إنسانية والتي تتجاوز 60 مليون أورو سنويا, دون احتساب الملايير المخصصة للتسلح ولدعم الآلة الدعائية للبوليساريو.

- التنبيه الى حالة الغنى الفاحش لزعماء البوليساريو, الذين يملكون العقارات ويتوفرون على حسابات وأرصدة بنكية بأوروبا وأمريكا اللاتينية.

-التنبيه الى عجز الجزائر عن القيام بأي شيئ يذكر من أجل تحسين أوضاع سكان تندوف الذين لا يتجاوز عددهم 40 ألفا على أقصى تقدير, أي مجرد حي متوسط بالجزائر العاصمة.

-التنبيه الى الملايير التي صرفتها الجزائر في حربها العسكرية والدبلوماسية ضد المغرب  و مع ذلك تركها ساكنة تندوف في وضعية مأساوية و لاإنسانية.

- التنبيه الى أن التاريخ وحده هو من سيحكم على الذين جعلوا من أبناء الصحراء الأحرار الكرام متسولين للمساعدات الإنسانية. و استغلوا مأساة مجموعة من نساء وأطفال الصحراء وحولوهم إلى غنيمة حرب.

-التنبيه الى كونه غير راضي على الأوضاع المأساوية التي تعيشوها ساكنة المخيمات و اليأس و الإحباط والأفق المسدود الذي يعيش تحت ظله الأجيال الشابة.  

- التنبيه الى كون المغرب بتطبيقه الجهوية المتقدمة بالصحراء و معها النموذج التنموي, إنما يريد بذلك إعطاء حظوظ أوفر من أجل إيجاد حل نهائي للنزاع حول الصحراء.

-نبه الى أن مبادرة الحكم الذاتي للصحراء هي أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه و تطبيقها يبقى مشروطا بالتوصل إلى حل سياسي نهائي و متفاوض عليه في إطار الأمم المتحدة. و عليه فلا حديث بعد اليوم عن حكم ذاتي يطبق من طرف واحد بل لابد أن يكون ورقة أخيرة من المغرب ينهي بها النزاع و يطوي نهائيا ملفه داخل أروقة الأمم المتحدة.

الجزء الخامس: الخطاب حذر

حذر الملك في مضامين خطابه من أي مغامرة غير محسوبة العواقب بخصوص طريقة التعاطي مع الملف من طرف الأمم المتحدة, ستكون لها تداعيات خطيرة على السلم و الأمن بالمنطقة. و رفضه أي مقترحات أخرى خارج مبادرة الحكم الذاتي المغربية.

الجزء السادس : الخطاب أكد

أكد الملك في خطابه أيضا على أن المغرب سيواجه الحملات القوية في بعض دول أوروبا حول عدم شرعية استيراد المنتوجات الفلاحية و المعدنية التي منشأها الصحراء. و الملك بهذا يكون قد قدم اعتراف رسمي من الدولة بمدى قوة تلك الحملات الحقوقية و أنه بالفعل بدأت بعض الدول المستوردة لتلك المنتوجات بالتفاعل الايجابي مع هذه الأخيرة. و هو ما جاء على لسانه بالقول " أما الذين يريدون مقاطعة هذه المنتوجات، فليفعلوا ذلك ، رغم أنه تعامل مخالف للقانون الدولي" و القول أيضا " أننا لا نفرق بين جهات شمال المملكة وجنوبها، فإنه لا فرق لدينا بين طماطم أكادير والداخلة، وبين سردين العرائش وبوجدور، وبين فوسفاط خريبكة، وفوسفاط بوكراع". مؤكدا على أنه من حق المغرب أن يفتح الباب أمام شركائه ومقاولات عالمية للاستفادة من فرص الاستثمار التي ستوفرها المنطقة مستقبلا. و هذا يدل على أن المغرب ماضي في طريقه بخصوص الاستثمار في ثروات الصحراء السطحية و البحرية و الجوفية. و سنشهد في قادم الأيام المزيد من عقود البحث و التنقيب مع شركات عالمية.

الجزء السابع : الخطاب نسى

لا ننكر أننا كنخب صحراوية كنا ننتظر من الملك أن يعلن عن إنشاء نواة جامعية بالعيون, ليكون الاندماج مع الوطن الأم حقيقيا, فلا يعقل أن تكون جبهة البوليساريو التي أسهب الخطاب الملكي في انتقادها لديها جامعة تفريتي, و الصحراء في ظل الوطن الأم و بعد 40 سنة أي قرابة نصف قرن لا تمتلك جامعة أو كلية. و كيف يعقل أن تخصص للنمودج التنموي الجديد حوالي 77 مليار درهم و يعجز نفس النمودج عن تخصيص عدة مليونات من الدراهم لبناء جامعة بالعيون أو الداخلة.

المغرب استثمر في الحجر و لا زال يستثمر في الحجر و مستمر في تجاهل الاستثمار في البشر و العقول, و عجزه عن بناء جامعة بالمنطقة سيظل حاجزا نفسيا يمنعنا من الشعور بأننا فعلا مغاربة و جزء من هذا الوطن, اللهم إلا لو كان لمستشاري الملك رأي آخر في الموضوع.

و على العموم الخطاب كان ثوريا و قطع مع الديماغوجية المعهودة في خطابات الملك و الكلام المكرر الذي تجاوزته الأحداث و واقع الحال. فاستجاب الملك لأول مرة لانتظارات الصحراويين و أسمعهم ما يريدون هم سماعه و ليس ما يريد هو قوله, و تجاوب و لو نسبيا مع مطالب المنتظم الدولي و قراراته و خصوصا في ما يتعلق باستغلال الثروات الصحراوية بالتشاور مع الساكنة. فاعترف بوجودنا كصحراويين نشكل جزءا من المغرب و ليس مغرب هو في صحراءه و انتهت القصة. على كل حال المهم هو ما هو قادم, و الى أي مدى ستتحول هذه الوعود الى واقع مملوس, و متى, و كيف و بمن و لمن؟ و إن غدا لناظره لقريب.