كومبرادورات مقالع الرمال بالداخلة...وجه الريع القبيح

118 1

الداخلة بوست

تتوفر جهة الداخلة وادي الذهب على عدّة مقالع رملية منتشرة عبر مجالها الترابي الممتد, لكن يبقى السؤال الملح و المغلق هو : هل تساهم هذه الثروة البرية في تنمية الجهة أم أنه مجرد ريع و نهب؟ وهل سكان الجهة يستفيدون بشكل من الأشكال من هذه الثروة الطبيعية الثمينة؟

فقد سبق لمجموعة من شباب مدينة الداخلة أن تقدموا بطلب استغلال أحد مقالع الرمال و أنجزوا جميع الدراسات اللازمة بما فيها التأثير على البيئة و قاموا بأداء جميع الرسوم و ثمن الكراء, ليفاجؤا باقصائهم من استغلال ذلك المقلع, في الوقت الذي لم تطبق فيه ذات المساطر على مقلع النقطة الكليومترية 40 الذي يعرف فوضى كبيرة و تدمير ممنهج للبيئة. فمعلوم بأن جهة الداخلة وادي الذهب كانت على الدوام منطقة مفتوحة لنهب الرمال و تسويقها خارج القانون, و التي بفضل عائداتها المالية الضخمة تشكلت نخبة هجينة من الأثرياء راكمت الملايير الحرام و احتكرت كل المساحات التمثيلية بالغرف و الجماعات المحلية بالإقليم.

إن استغلال الرمال بالصحراء عموما ارتبط دوما بلفظ امتياز، وهي كلمة بسيطة في تركيبتها، سهلة في بنيتها، سلسة في نطقها، خفيفة في كتابتها لكنّها وخيمة جدا في نتائجها وانعكاساتها. خصوصا وأن الجميع أضحى الآن يعي أنه بسبب الامتيازات امتد الفساد واستشرى وانتشر. وتشكلت لوبيات استأسدت على العباد وانتهكت حقوقهم الاقتصادية. وأصحاب هذه الامتيازات بالذات هم الذين يواجهون بكل شدّة وشراسة أي تغيير فعلي من شأنه العصف بكل ما هو ريع و استرزاق مقنن.

إن هذه المقالع ظلت تشكل مصدر تدفق ملايين الدراهم على امتداد سنوات خلت وبدون مقابل مجدي لفائدة الصالح العام وبدون مساهمة فعلية ملموسة وواضحة في تنمية الثروات المضافة العمومية المحلية. وإنما هي في واقع الأمر أرست قنوات وآليات لتهريب الثروات إلى بعض الجيوب المعدودة والمحظوظة. في حين أن البطالة ضاربة أطنابها في صفوف الشباب بالجهة، المتعلم والمتكوّن منهم وغير المتعلم. فهل يعقل والحالة هاته أن يدلس أصحاب هذا الامتياز ليتهربوا من أداء الإتاوات الهزيلة التي لا تكاد تبين مقارنة بما يمررونه إلى جيوبهم؟ وهل يعقل أن يجني هؤلاء الملايين ويمتنعون عن تسليم سنتيمات للدولة أو للجماعة؟ وعلاوة على هذا فإنهم يستحوذون على ملايين على حساب الجهة وسكانها ولا يستثمرون بها سنتيما واحدا.

فنهب الرمال بالمنطقة وصل الى مراحل غير مسبوقة بلغت درجة خطورته حد إتلاف البيئة وإلحاق الضرر بها وبتوازناتها. تداخل فيه العامل السياسي بعامل خرق القانون لتعميق الإشكال الايكولوجي بالمنطقة, و مع ذلك لا من يحرك ساكنا .

حيث آلاف الأمتار المكعبة تقتلع يوميا دون أي اكتراث بالاختلالات البيئية التي تحدثها. هذا علما أن استفادة الجهة من هذه الثروات لا تكاد تبين، وتظل حكرا على حفنة من الأشخاص الذين ظلوا يجنون الملايين بدون أي مساهمة من طرفهم في تنمية الجهة بأي شكل من الأشكال، بل أكثر من هذا يجتهدون اجتهادا للتهرب من أداء الإتاوات الهزيلة أصلا ويبتكرون أساليب، ظاهرة ومستترة، لإخفاء كميات الرمال المقتلعة والتصريح بكميات قليلة طمعا في السطو على جزء مهم من الإتاوات الواجب أدائها رغم هزالتها أصلا.

إن التصريحات بخصوص كميات الرمال المستخرجة هي تصريحات بعيدة جدا عن الواقع الفعلي بعد السماء عن الأرض. وحتى الكميات المصرح بها على ضآلتها غالبا ما تكون هي كذلك عرضة للتدليس. وهذا علاوة على عدم قابلية المستفيدين من المقالع لأداء الضرائب المترتبة على الكميات المصرح بها، إذ أن الباقي استخلاصه يفوق دائما 60% ،وظل يتراكم على امتداد سنوات.

إذن فمن المظاهر البارزة للنهب, التلاعبات في الكميات المستخرجة وعدم التصريح بها. وباعتبار أن هذا الوضع لم يتغير رغم التنبيه إليه أكثر من مرّة من طرف عدة مواقع الكترونية محلية، فمن المشروع أن يتساءل المرء فيما إذا كان هناك تواطؤ للمسؤولين عن القطاع بالتستر على هذه الخروقات من خلال انتهاجهم سياسة لا أرى, لا أسمع, لا أتكلم. وربما بفعل هذا التستر وهذا التواطؤ تفرعنت مافيات المقالع وتهريب الرمال بجهتنا.

حيث لا يخفى على أحد وجود عمليات استخراج كميات كبيرة من الرمال لا تؤدي عنها المستحقات إذ تتم في كامل السرية، وكذلك هناك عدم احتساب عدد الشحن. ولا يقف الضرر على المستوى المالي فقط. فتتجلى الأضرار بالأساس في الإخلال بالتوازن البيئي وتدمير التضاريس وإتلاف الغطاء النباتي وإتلاف أوكار الحيوانات. ويُرافق هذه الأضرار حرمان صناديق الجماعات من مداخيل هامة قد تكون كفيلة بتفعيل آليات التنمية المحلية و الجهوية. وبذلك يصبح النهب مزدوجا، وكله لصالح كمشة من الأشخاص استفادوا ولازالوا، من الامتيازات واقتصاد الريع. وهي استفادة على حساب حاضر ومستقبل أجيال الجهة.

ويقابل استفادة هذه الكمشة خسارة جسيمة في حق البيئة ودون المساهمة حتى بالوفاء بأداء ما يحق أداؤه من واجبات على هزالتها. وهذه جريمة اجتماعية مزدوجة لطالما تم تكريسها وغض الطرف عليها من طرف القائمين على الأمور. على الرغم من أن رمال الجهة الذهبية كافية وزيادة لحل جملة من المعضلات التي تعيشها، وذلك إن تم عقلنة استغلالها واستثمار مداخليها.

فكل المقالع الرملية المستغلة بإقليم وادي الذهب تخضع لاستغلال مكثف ومفرط. كما أنّ هناك استخراج كميات مهمة من الرمال حتى من الأماكن غير المرخصة لذلك. وهذا يلحق أضرارا بالغة بالبيئة عبر إحداث اختلالات خطيرة في المنظومة الايكولوجية و ذلك من خلال القضاء على مختلف النباتات المساعدة على تثبيت الكثبان الرملية. وهذا بدوره له انعكاسات على المناطق المجاورة المتضررة من الرمال المتنقلة بواسطة الرياح.

فرغم أنه من المفروض أن يخضع مستغلوا مقالع الجهة لجملة من الضوابط وأن يلتزموا بجملة من المقتضيات، لاسيما تلك المنصوص عليها في دفتر التحملات النموذجي موضوع المذكرة عدد 87 المؤرخة في 8 يونيو 1994, لكن هذا الشرط يبقى غير محترم وهناك من يستغل أكثر من مقلعين ضمن هذه المنطقة بدون حسيب ولا رقيب.

ومن بين الشروط التي يتم الدوس عليها بسهولة وباستمرار عدم احترام حدود الملك البحري العمومي، حيث هناك ترامي عليه بطريقة مستدامة على مرأى العيان ولا من يحرك ساكنا. أما شروط احترام البيئة المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل في هذا المجال، فهي آخر ما يمكن التفكير فيه، وبالأحرى اعتبارها أو احترامها أو الالتزام بها. وحسب مقتضيات القانون، فإنه لا يجوز بأي وجه من الوجوه تجاوز 40 ألف متر مكعب سنويا لكل مقلع، لكن في الواقع غالبا ما يتم تجاوز هذا السقف بجماعة العركوب مثلا حيث تتواجد أغلب المقالع. وعند تمحيص الكميات المستخرجة من الرمال والمصرح بها على صعيد بعض هذه المقالع، فهي لا تتجاوز في المعدل 4000 متر مكعب. وهنا تبرز الصورة الفظيعة للنهب الممنهج. وهذا ما يفسر المبالغ المالية الزهيدة، والتي لا تكاد تبين, وأكثر من هذا وذاك، ورغم زهد تلك المبالغ، فإن جملة من مستغلي المقالع لا يقومون بتأديتها بطريقة منتظمة، إذ لازالت متراكمة عليهم كديون في ذمتهم ولا من يحرك ساكنا، وذلك باعتبار أن اقتصاد الريع عندنا مرادف للنهب الممنهج بالتمام والكمال. فمداخيل ميزانية جماعة العركوب من الرسم المفروض على استخراج مواد المقالع بلغت خلال 9 أشهر من سنة 2015 بالضبط 30.807 درهما فقط. (شاهدوا الصورة)

Img 20160106 190916

إن أي عملية حسابية بسيطة من شأنها أن تبيّن أن المقالع يمكنها أن تذر مداخيل هامة من شأنها المساهمة في تمويل التنمية بالجهة وفي التخفيف من حدّة البطالة بها، لكن هذا مازال مجرد حلم بعيد المنال لحد الآن.فالنهب الممنهج في مجال مقالع الرمال بالجهة لا يشمل فقط تحويل ثروات ونهب مصادر ثروة محلية، وإنما يتقمص صورة أخرى، أكثر وأعمق خطورة. فهناك جرائم شنيعة تقترف في حق البيئة.

أما فيما يخص المساءلة, لم يسبق لنا أن سمعنا في يوم من الأيام أن أحد المستفيدين من امتياز المقالع تعرض للمساءلة بخصوص الخروقات, وما أكثرها حيث يعاينها الجميع في واضحة النهار. ولم نسمع على المساءلة حتى في حالة استمرار الاستغلال بعد نهاية مدّة الصلاحية. مما يدل على أن أصحاب الامتياز هم فوق المساءلة و القانون.

فهناك جملة من التساؤلات يتداولها الرأي العام منذ مدّة. ومنها: ما هي الدوافع الحقيقية الكامنة وراء السكوت على هذا النهب؟ وما هو المانع من توقيف هذا النزيف وإعادة النظر في التعامل مع هذه الإشكالية بتصور ونهج يخدمان المصلحة العامة أوّلا قبل خدمة المصلحة الذاتية الضيقة؟ وهل المقالع تساهم في إنتاج ثروات مضافة تستفيد منها الجهة وساكنتها؟ وهل استغلال امتياز المقالع الرملية بإقليم وادي الذهب يُعتبر استغلالا مواطنا؟ ومتى ستتحول المقالع من مصدر قلق وإتلاف ونهب إلى مصدر من مصادر تنمية الثروات المضافة قصد دعم التنمية الجهوية المستدامة؟

هذه عينة من الأسئلة التي مازالت تشغل الرأي العام المحلي. ومهما يكن من أمرقد يكفي القول أن المستفيدين من المقالع يجنون الملايين وينكصون عن أداء دراهم معدودة للدولة أو للجماعات. يبتلعون الكثير ويتهربون عن أداء القليل الذي لا يكاد يبين باستعمال التزوير والتدليس وعدم المبالاة.

فبينما يجني هؤلاء الملايين, تحصد بالمقابل الجهة وأبناؤها تدهور البيئة واختلال التوازن الايكولوجي. فهذا كل ما يستفيده أبناء الجهة من ثروة تسمى الرمال إلى إشعار آخر.

إن المقالع الرملية بجهة الداخلة وادي الذهب ارتبطت عضويا باقتصاد الريع وتكريس سلطة تدبير الامتيازات. وباعتبار أن استغلال المقالع الرملية بالجهة ارتبط بالمواقع والنفوذ، فإن طريقة تدبير هذا القطاع ساهم بشكل أو بآخر في استشراء الفساد عندما تقوت وتراكمت مصالح تشكلت معها لوبيات لحمايتها، وبعض اللوبيات استأسد وتنمّر في مواجهة صيرورة التغيير المنشود الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس في خطابه الأخير في ذكرى المسيرة الخضراء, مادام أي تغيير من شأنه العصف بكل ما هو طفيلي و استرزاقي.

و على الرغم من ذلك كله فلا تزال المقالع الرملية بهذه الجهة المنكوبة عرضة للنهب في ظل غياب المراقبة والمساءلة وصمت المسؤولين, لتتحول الى ثدي ممتلئ يمتص حليبه كامل الدسم كمبرادورات ريع البر الكبار بهذه الجهة المنكوبة.