Créer un site internet

في اليوم العالمي للصحافة..رسالة لمن استهزأ من لغة القرآن و جعل من رئيس الجهة قديسا

Encg dakhla region

الداخلة بوست

بقلم : الزاوي عبد القادر – أستاذ باحث و كاتب صحفي

لقد حاولت كثيرا أن أكبح جماح قلمي, و أن ألجم بنات أفكاري عن مقارعة صحف صفراء فاقع لونها, أسبلت بسدولها المدلهمات على المشهد الصحفي بهذه الربوع المالحة, خصوصا و أننا نحتفل اليوم بذكرى اليوم العالمي للصحافة. و هو اليوم الذي من المفترض فيه أن يسائل ضمائرنا و عقولنا جميعا, عن ماهية الصرح الاعلامي و الصحفي الذي نحن بصدد التأسيس له, و عن مدى التزامنا بالضوابط المهنية و الاخلاقية لمهنة الصحافة, التي أسس لها العالم المتحضر, منذ ارهاصاتها الاولى أيام الملك البابلي الشهير "حمورابي", عام 2100 ق.م, الذي تنسب إليه أول صحيفة ظهرت في العالم, وهي مجموعة حمورابي للقوانين, مرورا  بحجر رشيد عهد بطليموس الخامس, نحو 196 قبل الميلاد, و الذي يعتبر أول صحيفة حجرية نقشها الانسان, و من بعد ذلك القيصر يوليوس الذي أصدر عقب توليه السلطة صحيفة مخطوطة اسمها "اكتاديورنا" أي "الأحداث اليومية" وذلك عام 59 ق م, وصولا الى بدايات القرن التاسع عشر الذي عرف البداية الحقيقية للصحافة العربية, حينما اصدر الوالي داوود باشا أول جريدة عربية في بغداد اسمها جورنال عراق.

فالصحافة كما لا يخفى على أحد, هي مهنة شريفة جسدها الرسل و الأنبياء, في رسالاتهم السماوية التي أمروا بتبليغها للناس, فهي رسالة نبيلة, وليست مجرد تجارة و  رزمة من الأجندات, تتغير وتتبدل بتغير المواقع و الأبواغ, ولكنها عقل مفكر له هدف وغاية, و صوت يخاطب عقول الرأي العام المسؤول و المستنير.

لذلك فمن بين أهم واجبات الصحفي التي أتفق عليها العالم المتحضر: نقل الأخبار دون تحيز شخصي أو تصفية أحقاد اجتماعية أو تنفيس عن مكبوتات ذاتية, وأن يحترم الحقائق, ويرتبط نفسيا و ماديا و ايديولوجيا, بقانون أخلاقي, وأن يلتزم بذلك في ظل ما يقدمه من توجيه و نقد و تقويم, من أجل ربط الحاكم والمحكوم معاً, بالمصلحة الكبرى للمواطن.

والفن الصحفي هو تعبير موضوعي, وابتعاد تام عن الذاتية التي يتصف بها الأديب مثلا, فالأديب يقدم لنا ما يجول بخاطره, ويسجل ما يراه وفقاً لرؤيته الخاصة, وبرموز تنم عن ثقافته وعقليته و خلفياته. لكن الصحفي ملتزم بالموضوعية, لأنه يعكس مشاعر الجماعة وآرائها, وهو مقيد بمصلحة الجماهير العريضة, و ليس مصلحة شخص أو حزب أو فئة اجتماعية محددة. فالصحفي فنان موضوعي يقدر الواقع ويرصده بصدق وأمانة وفن, والصحافة تقوم على الوقائع المشاهدة, وتنأى عن المبالغات والتهويل و التلفيق, و اشغال الرأي العام بقصاصات اخبارية مطبوخة و مدفوعة الأجر, من أجل ارضاء هوس بعض المرضى السياسيين بالكراسي و الرياسات, كما هو حالنا في مجلس جهة الداخلة وادي الذهب المختطف.

و على ذكر مجلس الجهة و ارتباطا دائما بعنوان المقال, فقد تداولت بعض المواقع الاعلامية بمدينة الداخلة, المحسوبة على رئيس الجهة الغير شرعي, مقالات صفراء يشمتون خلالها من أحد نواب رئيس بلدية الداخلة, لأنه اختار تقديم مداخلته باللغة العربية خلال ندوة علمية احتضنتها مدرسة التجارة و التسيير المختطفة هي الأخرى, و التي لا يربطها بالداخلة, الا ما يربط البقرة "بالتقاشر". و هو موضوع قد سبق و أن اسهبنا في الحديث عنه في مقالات سابقة, بعد أن وجد طلاب المدينة أنفسهم خارج مقاعد هذه المدرسة, و خارج حلمها المستحيل على هنود مدينة "سيسينيروس" من ذوي البشرة القمحية. و هو ما يعتبر اهانة للغة القران و الضاد, التي تنزل بها كلام الله من فوق سبع سموات, و أختارها سبحانه و تعالى لغة أخر النبؤات و لغة لأهل الجنة, كما أن دستور المملكة المغربية قد نص في فصله الخامس على أن اللغة العربية هي لغة الدولة الرسمية الى جانب اللغة الامازيغية. لذلك فعقد جلسة علمية في دولة عربية و مسلمة بلغة "مولير", يعد صفاقة و سقوط و انسلاخ عن الهوية, كما أنه يعتبر خرقا دستوريا فاضحا, اذ أننا لم نسمع أبدا أنه في فرنسا مثلا يجتمع المنتخبين و مسؤولي السلطات المحلية ليعقدوا ندواتهم باللغة العربية, كما أن مسألة تمكن الصحراويين من اللغة الفرنسية, قضية تحاكم منظومة التعليم التي تشرف عليها الدولة المغربية بالمنطقة منذ أكثر من أربعين عاما, خصوصا اذا علمنا بأن الصحراويين في أرض اللجوء يتقنون جلهم, اللغة الاسبانية و الفرنسية و الانجليزية, رغم شح الامكانات و ظروف اللجوء القاسية.

كما أن دولة الصين العظمى استطاعت أن تصنع حضارة مزدهرة و قوة اقتصادية عملاقة, لكن قطعا من دون التهافت على لغات الأخرين, و جعل النطق بلغة أجنبية أخرى نوع من أنواع "البريستيج" الاجتماعي, و نفس الأمر ينطبق على التجربة الكورية. انها الشعوب التي احترمت لغتها الأم, و أعادت الاعتبار لهويتها وكيانها, واكتسبت احترام العالم. فاليابان مثلاً, ورغم تفوّقها التقني, لم تعمل على رفع مستوى اللغة الأجنبية في بلدها, على حساب لغتها الأم, بل حافظت على لغتها, وأتاحت لقلة من مواطنيها إتقان اللغة الأجنبية, فقط من أجل نقل التقدم التكنولوجي إلى اللغة اليابانية, ضمن استراتيجية مدروسة جيداً.

انها نماذج ناجحة, تجعل المرء يصاب بالأسى و الاحباط و الحزن على حال مثقفينا و نخبنا, الذين أمعنوا في الانتقاص من لغتهم, و ضرب "الدف" على "وحدا و نص", للغة هم أشد الناس جهلا بها و بقواعدها و أساليبها و كيفية كتابتها و النطق بها, و هي مفارقة الجهلة, الذين ينطبق عليهم قول الشاعر العربي : "يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ ***هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ". كما يحسب للسيد نائب رئيس بلدية الداخلة أنه منسجم مع نفسه و امكاناته, و اختار الحديث بلغته, رمز هويته و كينونته, بعيدا عن المتفرنسين الجدد, الذين لازالوا يعتبرون المغرب مقاطعة باريسية ملحقة بفرنسا.

فشعب هذه الجهة المختطفة من طرف حزب اثنوقراطي رجعي, بحاجة الى منتخبين يسهرون على الاستجابة لمطالب المواطنين الاساسية, من صحة و بنية تحتية و نظافة و تعليم و مرافق عمومية حيوية الى أخره من الخدمات العمومية, التي هي جوهر عمل المؤسسات المنتخبة و الغاية من وجودها, و ليسوا في حاجة الى منتخبين مترجمين لألسن العالم. و عوض أن تأخذ هؤلاء الصحفيين من أنصار رئيس الجهة المقال, الحمية على لغة موليير التي يجهلونها تماما, ندعوهم لأن تكون لهم نفس الغيرة على لهجتهم الحسانية, التي دعى الدستور المغربي الجديد الى صيانتها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الھوية الثقافية المغربية الموحدة, و أن يطالبوا أصحاب تلك الندوة, بأن يحترموا خصوصيتنا الثقافية و اللغوية و الانسانية و أن يجعلوا من الحسانية, لغة الندوة الرسمية.

لكن يبدو أن اتقان رئيس الجهة للغة الفرنسية أصبح وترا فاحشا, شرخ هؤلاء الأتباع, أذان الرأي العام المحلي بالعزف عليه الشهور و السنين, و كأنه لم يخلق في هذا الكون الفسيح, من يتحدث لغة موليير تلك, سوى رئيس الجهة, "قديس" السياسة بهذه الربوع المستباحة, أو ربما لأن المواطنين قد انتخبوه ليتحف مسامعهم بين الفينة و الأخرى, بنغمات فرنسية الرنين تغنيهم من جوع و تؤمنهم من بطالة قاتلة, و كل ذلك يندرج طبعا في اطار محاولة تضليلية مكشوفة, على اعتبار أن رئيسهم "الوسيم" لم يحقق طوال السنتين الماضيتين من رئاسته لمجلس الجهة أي شيئ يذكر, اللهم الا التنطع أمام الكاميرات بهندامه الأنيق في المواسم و المهرجانات, أو اصدار الاعلانات للجمعيات قصد الاستفادة من الدعم المليوني السخي, أو توزيع أحلام "ولد هميش" على المهمشين و المحرومين بغد أفضل, و لسان حال الساكنة في هذه النازلة بات صادحا بالقول : "وا...بالزعطة". انتهى الكلام.