يبدو أن ولائم منتدى كرانس مونتانا الدسمة قد أخرست ألسنة و أقلام أولئك الذين صموا آذاننا في وقت ما دفاعا عن ثروات الصحراويين و مصالحهم ضد لوبيات الفساد. فأنبرى أولئك القوم "يتمخششون" بين أجنحة باخرة "رابسودي" الفخمة, "يشمشمون" و يتهافتون على أخذ صور "سيلفي" بين جنباتها. و حين تعقد الولائم على متنها تراهم سكارى و ما هم بسكارى "يحشون" في أفواههم المشرعة على مصراعيها "شهيوات" مليونية مما لا عين رأت و لا خطر على قلب بشر. و كل ذلك طبعا من أرزاق و ثروات الشعب العمومية المصروفة بأمر الدولة المغربية.
و قد نسوا أو تناسوا بأن النضال لا يتجزأ و أن المبادئ لا تقبل القسمة على أثنين, و أن هذا المنتدى هو مجرد عرض راقي لكيفية استنزاف ثروات الصحراويين على مرأى و مسمع الجميع و "بوجه أحمر".
منتدى كلف جيوب دافعي الضرائب المساكين ملايير السنتيمات. حيث أكتشفنا بعد ابحارنا على موقع الشركة المالكة لهذه الباخرة على الإنترنت بأن تكاليف الإقامة و الإبحار على متن "الرابسودي" تتراوح ما بين 1000 الى أكثر من ثلاثة ألاف يورو. و إذا افترضنا فقط متوسط هذا الرقم من أجل حساب تكلفة إقامة ضيوف المنتدى الذين تجاوزوا حسب ما أعلن عنه المنظمين ألف مشارك و مشاركة فسنكون قد تجاوزنا المليار سنتيم بكثير. أضف الى ذلك حجم أسطول السيارات "فايف ستار" التي تم كرائها من وكالات الأسفار و مصاريف السائقين و الوقود و مصاريف تذاكر الطائرات ذهابا و ايابا و تكاليف رجال الأمن و القوات البحرية الذين تم تحريكهم لتأمين المهرجان و تكاليف شركات الأمن الخاص الذين تم التعاقد معهم, هذا دون إغفال التكلفة الغير مباشرة التي سببها توقيف نشاط الميناء في ما يخص جانب الصيد البحري.
و الحصيلة هي أن مدينة الداخلة لا تزال كما هي ببنية تحتية مهترئة و شوارع محفرة و أحياء جنوبية أشبه "بكاريان" كبير معدوم المرافق الأساسية و الملاعب الرياضية و المساحات الخضراء. و نفس الشيئ ينطبق على قضية الصحراء التي هي اليوم في أشد أيامها صعوبة و تدهورا خصوصا بالنسبة للموقف المغربي على صعيد الأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي. حيث بات الحديث عن نقل الملف الى البند السابع و فرض الحل أقرب الى التحقق من أي وقت مضى.
و أيضا جبهة البوليساريو هي الأخرى لا تزال في مكانها تدق طبول الحرب. و اللاجئين الصحراويين لا يزالون كما كانوا قبل المنتدى قابعين فوق تراب الحمادة في انتظار العودة الى أرضهم. و الشيئ الوحيد الذي تغير في كل هذه المعادلة البائسة هو فقط رصيد الميزانية العامة الذي نقص بملايين الدراهم.
أكررها مرة أخرى, نحن لسنا انفصاليين و لكننا أيضا لسنا أغبياء. و المغرب مطالب بأن يقنعنا نحن المعنيين بالقضية و "أهل التراب" بنموذجه التنموي و الحقوقي و السياسي و الإنساني, و أقصد هنا الصحراويين شرق و غرب الجدار العازل. بدل تبذير أموال طائلة على منتديات "الزرود" لإقناع حفنة من لقطاء الجغرافيا غير معنيين أصلا بالنزاع و غير مخولين للحديث باسمنا. فالصحراويين و الصحراويين وحدهم من يملكون حق الاختيار و التقييم و على رأسهم طبعا أهالينا اللاجئين قسرا بمخيمات تندوف.
لكن للأسف و الى حدود الساعة النموذج الحالي المقدم من طرف الدولة و معه "باكيج" سياساتها في الإقليم المتنازع عليه غير جذاب و غير مقنع لنا البتة. يذكرنا حالها بما سبق و أن قاله الملك الراحل الحسن الثاني في أحد خطبه : «لقد ربحت الأرض لكنني لم أربح قلوب الصحراويين». و الدولة المغربية لا زالت تراوح مكانها عند حدود هذه الكلمات الحكيمة, بل و زادت عليها : "البحث عن ربح قلوب دويلات الموز الإفريقية و منتديات مخملية لذوي البشرة الشقراء".
لقد وضع مهزلة كرانس مونتانا أوزاره و غادرنا غير محزون عليه بسفينته و ضيوفه و أجنداته. و بدأ شعب هذا الجرف البحري الملعون بإحصاء خسائره من أمواله و ثرواته و أرزاقه التي استنزفت تحت شعارات المنتدى العريضة. و بقي الصراع و المظلومية و النزاع.