Créer un site internet

ملف// أعالي البحار..الثروة السمكية بالجهة في مهب الريح!!؟

21211e43 191b 4552 8475 11ff012a998d

المركز الاطلسي الصحراوي للاعلام و ابحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات 

ليس من قبيل المجازفة القول إن الثروة السمكية بالمغرب عموما و بجهة الداخلة خصوصا أصبحت مهددة بالانقراض. ومبعث هذا التخوف ليس جديدا، فقد سبق للمهنيين و الحقوقيين أن حذروا قبل عشر سنوات من الآن من مغبة استنزاف المجال البحري المغربي. في تلك الفترة كانت تبدو مثل هذه الدعوات ضربا من الخيال ونوعا من «المزايدات العدمية»، لكن اليوم لم يعد هناك مجال للتهرب من الحقيقة المرة التي إصطدمت بها الدولة و مؤسساتها الوصية…

ثمة ما يشبه الإجماع أن السفن التي تصطاد في أعالي البحر تعد العدو الأول للبحر المغربي ليس لأنها تصطاد أثمن وأغلى الأسماك، بل لأنها تدمره وتجرف كل شيء في رحلة البحث على أكبر نسبة من الربح، بدءا بقتل الأسماك الصغيرة ورميها في البحر ومرورا بالتحايل على القانون من أجل اصطياد أكبر حصة ممكنة من الأسماك ووصولا إلى احتكار حصة الأسد من الكوطا المخصصة للصيد بكل تفرعاته. 

في هذا الملف، نتوقف عند أهم الخروقات التي تطبع ملف الصيد البحري بالجهة، خاصة فيما يرتبط بالصيد في أعالي البحار واصطياد الأخطبوط والمافيات المتشعبة التي تتحكم في آلاف البحارة المغاربة وفي المحصلة: المغرب بات قريبا جدا من فقدان مخزونه السمكي بطريقة تبعث على الكثير من الغرابة. في الملف نطرح السؤال الخطير: هل سيصبح المغرب بدون ثروة سمكية؟.

قبل عقدين من الزمن كانت السفن التي تصطاد في أعالي البحار بمدينة الداخلة تتجاوز 380 أما الآن، فحسب المعطيات المتوفرة، فلا تتجاوز 250 سفينة، والسبب الرئيس هي السفن نفسها التي استغلت الفراغ القانوني في الفترة الماضية لتتجاوز حصتها التي حددتها وزارة الفلاحة والصيد البحري. يشرح أحد المتخصصين الذي رفض الكشف عن هويته بسبب ما أسماه حساسية الموضوع بمدينة الداخلة» هناك سفن ضخمة لا يمكن مراقبتها ولا يمكن أيضا أن تعرف ماذا تصطاد وما هي نوعية الأسماك التي تصطادها، وهل تتلاءم مع دفتر التحملات الذي بموجبه تشتغل السفن الكبيرة وهل تخضع عملية المسافنة بالنسبة للسفن الأجنبية للمراقبة الدقيقة كي لا يتم تهريب الأسماك المغربية إلى وجهات أخرى». 

لنفهم الموضوع أكثر، يوضح المصدر نفسه أن هناك على سبيل المثال سفن تسمى بسفن RSW، وهبي السفن التي تخزن الأسماك عن طريق عملية التبريد، حيث تتوفر هذه السفن على نظام متطور للتبريد يحتفظ بالأسماك في مخزن كبير مليء بالمياه كي تحافظ الأسماك على طراوتها وتتجنب أيضا فيروسات تصيب الأسماك خاصة الزرقاء- السردين على وجه الخصوص-، بالنسبة لهذه السفن فهي متطورة جدا، ولديها قدرة كبيرة على اصطياد كميات غير محدودة من الأسماك». 

من جانب آخر، ثمة نوع آخر من السفن الذي يتوفر على رخصة اصطياد جميع أنواع الأسماك باستثناء الأسماك السطحية ونقصد الأسماك الزرقاء، أما السؤال الذي يؤرق المهنيين في الكثير من المدن المغربية: «هل تعرف السلطات ما الذي تصطاده هذه السفن وهل احترمت دفتر التحملات». في الجواب عن السؤال تنطرح الكثير من الأفكار في مقدمتها أن المغرب لا يتوفر كما باقي الدول المتقدمة في المجال البحري على الوسائل المتطورة التي بإمكانها أن تحدد طبيعة السمك المصطاد وكميته الحقيقية وكل» ما نتوفر عليه هو مراقبة البحرية الملكية والدرك الملكي، وفي السفن الأجنبية نجد ملاحظا مغربيا يراقب مدى احترام هذه السفن لاتفاقيات الصيد البحري مع المغرب». 

تفيد المعلومات التي توصلنا بها من مصادر مهنية موثوقة، أن السفن التي تصطاد في أعالي البحار متورطة في خروقات كبيرة تهدد الثروة السمكية بالمغرب بالاندثار دون أي مبالغة، فهي تعمد إلى اصطياد الحوت الصغير بالإضافة إلى أن قبطان السفينة هو من لديه حرية اختيار الكمية المصطادة بالنظر إلى أن الحصة التي تمنحها الوزارة للسفن المشتغلة في أعالي البحار تخضع لمنطق الحصة الجماعية وليس لمنطق الحصة الفردية. لا يفهم بعض المهنيين كيف أن عشرات السفن تلجأ إلى رمي الحوت الصغير في البحر، الشيء الذي يشكل خطرا حقيقيا على الثروة السمكية بالسواحل المغربية. 

استنزاف الثروة السمكية بالمنطقة الجنوبية له مظاهر متعددة، البعض منها بارز والبعض منها متخف، لأن كل شيء يحدث في عرض البحر، ولاشك أن موضوع السفن الأجنبية شغل الكثير من النقاش الدائر حول قطاع الصيد البحري بالمغرب. التوغل في التفاصيل يوصلنا إلى حقيقة واحدة لا مفر منها: رغم كل المراقبة وتشديد الخناق على السفن الأجنبية لاحترام اتفاقيات الصيد مع المغرب، فإن جل السفن المستفيدة من الاتفاقية تخرق القانون. « كل ما في الأمر أنه عوض أن تصطاد هذه السفن ما هو مسموح به فقط، فإنها تعمد إلى استنزاف البحر بكل الوسائل المتطورة الحديثة، إذ لا يمكن أن نتصور اليوم أن بعض السفن الكبيرة تتوفر على معامل صغيرة لصناعة دقيق البحر، وغالبا ما تلجأ السفن الأجنبية إلى طحن الأسماك الصغيرة في غياب تام للمراقبة» يؤكد مصدر آخر تحدثنا إليه. بالنسبة لعملية المسافنة التي تعني شحن السفن الكبرى بالأسماك مقابل التزود بالغذاء ولوازم الحياة اليومية، الشيء الذي يصعب إلى حد كبير عملية المراقبة، إذ لا يمكن معرفة نوعية السمك المصطاد أو حمولة الصناديق وماذا تحوي تلك الصناديق رغم وجود مراقب مغربي داخل السفن الأجنبية. 

تشخيص الداء، لا يحتاج إلى الكثير من الجهد، فالقطاع أضحى مهددا بقوة أمام سطوة السفن الكبيرة التي تصطاد في أعالي البحار. بحيث يتم استغلال الثروة السمكية بشكل مفرط واستعمال شباك غير مرخص لها، وكذا عدم احترام المجال المائي لمحاربة الصيد من طرف هذه السفن، ناهيك عن عدم التقيد بالكوطا المخصصة لهذا الصنف من طرف الوزارة الوصية على القطاع  والمساهمة كذلك في تدمير المجال البيئي البحري بما تلقيه هذه السفن من أسماك نافقة غير مرغوب فيها في البحر والشباك المحرمة دوليا التي تدمر الشعاب البحرية، حيث مجال توالد مختلف الكائنات الحية البحرية.

تجاوز الأزمة الحالية لن يتأتى، إلا بتطبيق القانون لكن بطريقة رادعة لأن الاكتفاء بالغرامات المالية لن يزيد إلا في تأزيم الأمور، إذ كيف يمكن تغريم عضو في مافيا ذات تشعبات كثيرة مليون سنتيم في الوقت الذي يجني فيه عشرات ملايين السنتيمات في غضون أشهر قليلة. 
يتبع….

صيد "القرب" بسواحل الداخلة