مؤلم‖ متشرد بالداخلة يحتضر في الشارع بين الازبال و المجتمع المدني و المسؤولين نائمين في العسل

Dakhla sahara

الداخلة بوست

بقلم : ناصر حامي

لعقد من الزمن عرفت "با محمد" بمدينة الداخلة و بحي السلام و بالضبط عند ما تسميه العامة ب "الريزو"، قبالة متجر "البهحة"، هو اذن صورة مشينة لمأساة انسانية مريرة، وصورة قاتمة للمجتمع المدني في هذه الربوع المالحة، لا أحد يستطيع ان يؤكد فصله او اصله بالتدقيق و التحديد، لكن يبدو انه كان رجلا مفتول العضلات وصاحب قوارب للصيد البحري وهو الشائع عنه ممن عرفه وقتئذ.
يقف هذا الرجل اربعة و عشرين ساعة في اليوم, منتصبا كالعمود ليقتات بين الفينة و الاخرى من مزبلة الحي و لا يهتم باحد هو واصدقاءه الاوفياء من الكلاب الضالة و القطط, رجل رفع عنه القلم، انسان يتبول ويقضي حاجته في ملابسه، والغريب انه يقرأ اوجه المحسنين الذين لا يطلبهم اي شيئ سوى كوب قهوة او قنينة "كوكاكولا" التي يعشقها، بل يعبدها و يقدسها، لكن احباءه رحلوا مع الزمن و ظروف الحياة، وابرزهم السيد "حسن البهجة" ذلك الرجل الذي يسحبه كلما سنحت له الفرصة، ليدخله الدكان، و يحلق له لحيته وراسه، و ينظفه، ثم يلبسه ثوبا جديدا، او من المتصدقين، ولذلك ظل وفيا للمكان و الزمان، لكن البهجة رحل الى البعيد و عبد الرحمن "مول الصاكة" و حسن بوتسعيد، رحلوا هم كذلك، و بقي احدهم (صاحب الاسطر) يتوقف بين الفينة و الاخرى يتأمل بشاعة المجتمع المدني التافه و ظلم البلاد و العباد, لمثل هذه التراجيديا الانسانية المخزية. 

"با محمد" اليوم اشبه في مشيته بسلحفاة هرمت ولم تعد تقوى على السير، "با محمد" تعرفه كل كلاب الحي و حتى المسعورة منها، وهي تأكل من فمه و لحيته و تتراقص حوله في صورة غريبة و مذهلة, معلنة عن وفائها، لكن سرعان ما تختبؤ هي كذلك، لتتربى جراء أطفال من جيل اخر و تستمر الحياة. "با محمد" الرجل الذي لا تسمح لك انسانيتك ان تاخذ له حتى صورة عادية يعجز عن رسمها حتى "بيكاسو" او "سالفادور دالي"، "با محمد" اذا كان اصلا هذا هو اسمه، ليس الا صورة مصغرة للعديد من المآسي على ارض اسمها "المغرب" و الداخلة، و بأحرف حزينة حبرها الدم و العار. 

"با محمد"، انت و "الريزو" سيان، غير ان الفرق البسيط، هو اهتمام الناس به عندما يتوقف احيانا، و انت الذي لا يعيرك احد الانتباه ولو مت واقفا بحي يسمونه "حي السلام" و يا سلام على حي ليس له من اسمه سوى العنوان. "با محمد "، لا تنظر إلي هكذا, لكن انظر الى المسؤولين الذين ظلموا المجانين و حتى العقلاء، وانا اعلم انك في لحظاتك الاخيرة من الاحتضار، وحتى ان مت واقفا فانك ستنام قرب حاوية الازبال، او أمام أبواب "فريكو" على ابعد تقدير, هذا اذا تحملت قدماك المشي المترهل الى هناك حيث تتسمر احيانا انت و الكلاب.
استودعك الله يا "با محمد"، لانني لست متاكدا انني قد ألقاك غدا او بعده، لكنني على يقين انني سألقاك في اليوم الاخر و الاخير, لأكون من الشاهدين امام رب قدير و رحيم و كبير.