التفاوض حول قضية الصحراء.. لمن ستميل كفة النزاع؟

Large 356f2

الداخلة بوست - قناة الحرة

شكل شهر آذار/ مارس من هذا العام بداية لأزمة جديدة حول نزاع الصحراء الغربية، لكن الطرف الثاني لتلك الأزمة لم يكن جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، بل كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بسبب استخدامه عبارة "المحتلة" لوصف الوجود المغربي في المنطقة.

وبعد مرور أشهر على تلك الأزمة وبروز بوادر الانفراج بين المغرب والمنظمة الأممية من خلال سماح الرباط بعودة أعضاء من بعثة المنظمة إلى المنطقة المتنازع عليها سبق أن طردتهم احتجاجا على تصريحات بان، يجري حديث في أروقة الأمم المتحدة عن مقترح لإعادة إطلاق المفاوضات لحل نزاع عمره أزيد من 40 سنة.

يتفاوضون... لكن لا تنازلات

بحسب ما قاله المتحدث باسم الأمم المتحدة الاثنين فرحان حق، فإن المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس مستعد للتوجه إلى المنطقة لمناقشة الاقتراح حول "إحياء عملية التفاوض بشأن الصحراء الغربية".

وأوضح فرحان للصحافيين أن ما يجري العمل عليه هو "إعداد اقتراح رسمي لتقديمه إلى الأطراف والدول المجاورة".

ولم تقدم الأمم المتحدة أي تفاصيل حول هذا المقترح ولا متى سيتم تقديمه، بل إن فرحان اكتفى بالقول إن "روس يعتقد أنه يمكنه العودة إلى المنطقة في أي وقت".

ومنذ أن عين هذا الدبلوماسي الأميركي مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية في التاسع من كانون الثاني/يناير 2009 لم يستطع روس رغم خبرته في العالم العربي ( كان سفير بلاده في الجزائر وبعدها سورية) أن يحقق تقدما يلين صلابة موقف المغرب أو البوليساريو.

و رغم تقديم روس ما يسميه أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس في الرباط تاج الدين الحسيني"حلولا مبتكرة" مثل الحديث عن فدرالية، إلا أن أي انفراج في الصراع لم تلح له أي بوادر.

ويرى الحسيني في حديث مع موقع قناة "الحرة" أن "المغرب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتراجع عن الحكم الذاتي لأنه أعلى سقف في التنازل."

ويضيف "موضوع الحكم الذاتي مقترح مفتوح للتفاوض مع الطرف الآخر من أجل إدخال تحسينات عليه."

فهل يمكن في المقابل أن تقدم البوليساريو تنازلات عن مطلبها بتقرير المصير؟

يرد الصحافي الصحراوي سعيد زروال أن "تقديم تنازلات من الطرفين يبدو فرضية مستبعدة لأن جبهة البوليساريو لا يمكنها أن تتنازل عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره."

ويبرر زروال ذلك في حديث مع موقع قناة "الحرة" بأن "أي تنازل من قبل الجبهة سيضعها في صراع مع المواطن الصحراوي، أما المغرب وفي ظل الحصانة التي توفرها له فرنسا في مجلس الأمن الدولي فلا يبدو مؤهلا لتقديم أي تنازلات".

يرى مدير المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات من الرباط عبد الفتاح البلعشمي أن ملف الصحراء عرف تطورات جديدة "ستجعله يسير نحو مزيد من التعقيد".

ويشرح البلعمشي في حديث موقع قناة "الحرة" أن "وفاة زعيم الجبهة محمد عبد العزيز ومجيء قيادة جديدة رفع من سقف الخطاب المطالب بالاستقلال."

ويضيف "من جهة أخرى المغرب عبر عن مواقف صارمة بعد الأزمة التي سببتها تصريحات بان كي مون وهو موجود على الأرض التي تخضع لسيادته".

ووصلت الأزمة بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة حد طرد المغرب لعشرات من أعضاء البعثة الأممية في الصحراء منتصف آذار/ مارس الماضي، لكن الرباط قبلت منتصف الشهر الماضي بإعادة الموظفين الأمميين تدريجيا إلى أماكن عملهم في الصحراء الغربية.

ويصف مدير المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة نواكشوط ديدي ولد السالك نزاع الصحراء بأنه "النزاع الذي يدور في حلقة مفرغة منذ فترة طويلة جدا بسبب تمسك كل طرف بموقفه."

ويتفق ولد السالك مع بلعمشي حول أن تطورات هذه السنة أدت إلى "كثير من الشد والجذب حول القضية، لكنه كان شدا إعلاميا بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ولم يدخل في صلب القضية."

ويرى ولد السالك أن من بين التطورات التي تزيد من تعقيد الملف سعي المغرب إلى "سحب البساط من البوليساريو في الاتحاد الأفريقي".

ويضيف "أعتقد أنه سينجح في ذلك مستقبلا لأنه سبق أن نجح في إقناع عدة دول بسحب اعترافها بالبوليساريو ونظرا لمكانة المملكة في القارة."

وعاد المغرب لشغل منصبه في الاتحاد الأفريقي خلال القمة الأخيرة المنعقدة في العاصمة الرواندية كيغالي بعد 32 عاما من "سياسة المقعد الشاغر" التي انتهجها منذ قبول المنظمة القارية بالبوليساريو عضوا فيها.

إلا أن الصحافي والمحلل السياسي الصحراوي حمة المهدي يرى أن "عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي لا تشكل بالضرورة مصدر فزع أو خوف لدى الطرف الصحراوي بقدر ما تعلق عليها آمال من شأنها المساهمة في بلورة رؤية جديدة قد تشكل عامل ضغط على المغرب للانصياع للشرعية الدولية."

في المقابل يعترف المهدي في حديث مع موقع قناة "الحرة" بأن عودة المغرب من "شأنها أن تحدث نوعا من التحدي للدبلوماسية الصحراوية أو التراجع النسبي في مواقف بعض الدول التي تدور في فلك فرنسا والمغرب."

ومن العوامل الأخرى التي تعقد هذا الملف أكثر هو "قرب القيادة الجديدة للبوليساريو من النظام الجزائري. وما لم يحدث تغيير في بنية هذا النظام لن تكون هناك مرونة في مواقف البوليساريو"، حسب الحسيني.

ويرد المحلل السياسي الجزائري إسماعيل دبش على ذلك بالقول "الخلل موجود في النظام المغربي الذي لا يريد تطبيق قرارات الشرعية الدولية وتنظيم استفتاء تقرير المصير".

ويضيف دبس في حديث لموقع قناة "الحرة" أن الجزائر "تطالب فقط باحترام حق تقرير المصير، ويبدو أن المغرب يتعرض لضغوطات من أجل تقديم تنازلات في المفاوضات."