تدمير معالم الداخلة التاريخية..جريمة نكراء في حق الساكنة الأصلية و تراثها الثقافي و الإنساني

Photostudio 1550602469085 960x680

بقلم: د.الزاوي عبد القادر-كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات 

قبل اشهر قليلة، أثار قرار هدم مبنى ثانوية الحسن الثاني، المتواجدة وسط المدينة، و التي كانت تحمل إسم "انستيتيتو خينيرال" ايام الحقبة الإسبانية، إستياءا وإمتعاضا عارمين من طرف فعاليات جمعوية وسكان المدينة، بإعتبارها معلمة تارخية احتضنت شباب الجهة منذ حقبة الإستعمار الإسباني، كما تعتبر موروثا ثقافيا وذاكرة جماعية للمنطقة، حيث درس بها العديد من شباب وساكنة الجهة منذ حقبة الإستعمار الإسباني.

و قبل ذلك جرى أيضا تدمير مسجد السنة الواقع بحي أم التونسي، المعلمة التاريخية الذي يرجع بناءه إلى فترة الاستعمار الإسباني، و ثاني مسجد تاريخي شيدته إسبانيا، و كل هذا العبث يحدث في ظل تواطئ مهين من طرف الأعيان و المنتخبين، و صمت مخزي من النخبة المدجنة، و جمعيات المجتمع المدني "الشراتيت"، حيث لا تزال جريمة تدمير و إزالة “الفطورية” أو "لفيرتي" الحامية العسكرية الاسبانية التي شيدت بالمدينة خلال القرن التاسع عشر الميلادي،و معها المسجد العتيق، ماثلة أمام أعيننا.

إن عمليات تدمير مآثر مدينة الداخلة التاريخية الموروثة عن حقبة الاستعمار الإسباني، يدخل في خانة سياسة إجرامية ممنهجة تهدف إلى فصل مدينة الداخلة عن تاريخها, و محو هويتها, و التشطيب على سجلات ميلادها, والإجهاز على مختلف مقوماتها التاريخية والتأريخية, في أفق طمس كل ما تركته إسبانيا من إرث حضاري و ثقافي و عمراني.

23621692 506932232997027 8173389239292351022 n

معلمة مسجد أم التونسي

تجدر الإشارة إلى أن أغلب ما تركته إسبانيا بالمدينة, من معالم عمرانية و بنايات وحدائق, قد تم إما تغيير معالمها, أو هدمها, أو في احسن الاحوال تركها فريسة للإهمال و التآكل و الضياع كما هو حال معلمة "لبريسي" الواقعة بقرب منارة الداخلة "لقنديل" (الصورة), و ذلك خلاف لمدن شمال المملكة, التي يتم بها إنفاق ملايير الدراهم من خزينة الدولة, بهدف ترميم و صيانة البنايات التاريخية و المساجد الأثرية العتيقة, ما بات يطرح ألف علامة إستفهام حول هذه السياسة التمييزية الرعناء, و الأسباب الحقيقية الكامنة وراء إستهتار الدولة المغربية المفجع بمعالم المنطقة التاريخية, المؤرخة للحقبة الإسبانية, أم أن سلطات الدولة المسؤولة تريد الداخلة مدينة بلا هوية أو تاريخ أو مآثر تراثية, بإستثناء ما شيده المغرب قبل ثلاثة عقود مضت؟

54459301

معلمة سجن لبريسي الإسباني

قولا واحدا, عملية تدمير مبنى ثانوية الحسن الثاني التاريخي، و قبله "الفطورية" و المسجد العتيق و مسجد السنة، يعتبر سياسية إجرامية مرفوضة و مدانة, كما يعد في عرف القانون الدولي إضرارا جسيما بالحقوق و الممتلكات الثقافية للساكنة الأصلية, و عبث وقح و قذر بمقدراتهم التراثية و إرثهم التاريخي, يجب أن ترفع بشأنه عرائض إحتجاجية و شكاوى إلى الأمم المتحدة و منظمة اليونيسكو, و المقرر الأممي الخاص بالحقوق الثقافية, لأن الإضرار بالممتلكات الثقافية التي يملكها شعب ما, سوف يمس حتما بالتراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء, و هو ما سبق أن تطرقت له اتفاقية "لاهاي" لحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح لعام 1954, في تعريفها للممتلكات الثقافية الخاصة بالشعوب, و الذي جاء فيه:"الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني المعمارية أو الفنية منها أو التاريخية، الديني منها أو الدنيوي، والأماكن الأثرية، ومجموعات المباني التي تكتسب بتجمعها قيمة تاريخية أو فنية، والتحف الفنية والمخطوطات والكتب والأشياء الأخرى ذات القيمة الفنية التاريخية والأثرية، وكذلك المجموعات العلمية ومجموعات الكتب الهامة والمحفوظات ومنسوخات الممتلكات السابق ذكرها".

Ratsl001

إن الذي تجهله أو تتجاهله الدولة المغربية و أجهزتها السيادية, أن التراث الثقافي يشكل ركيزة هامة في حياة الشعوب، لما له من دور هام في ربط حاضر هذه الشعوب بماضيها من جهة، إضافة إلى أنه يعد إرثا مشتركا للأجيال القادمة من جهة أخرى, وبناء عليه لم يغفل القانون الدولي الإنساني في جانبه الموضوعي هذه الأهمية، إذ قرر مجموعة من القواعد العامة لحماية التراث الثقافي، ولعل أهمها اتفاقية "لاهاي" لعام 1954 سالفة الذكر, و بروتوكولها التكميلي لعام 1999، وهذا في حد ذاته يعتبر جهدا معتبرا وتطورا كبيرا للقانون الدولي الإنساني في هذا المجال, لكن للأسف الشديد, ضربت به عرض الحائط سلطات الدولة المدبرة لشؤون الصحراء, و بات السكوت عليه جريمة إضافية, و أمرا يثير الغضب و الإشمئزاز.

35489691 1

معلمة المسجد العتيق الذي تم تدميره

 

إن المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات, و هو يتابع بإنشغال بالغ عمليات التدمير الممنهجة التي باتت تستهدف معالم الداخلة التاريخية، يعبر عن قلقه البالغ إزاء تمادي صناع القرار داخل أجهزة الدولة المغربية و مؤسساتها السياسية التنفيذية المختصة, في العبث بمقدرات مدينة الداخلة التاريخية و معالمها التراثية, ما يعتبر في عرف القانون الدولي جريمة نكراء في حق هوية الساكنة الأصلية و ممتلكاتها الثقافية.

كما يهيب بجميع القوى الوطنية الحية و النخب الأكاديمية المستنيرة, و رجال الإعلام الأحرار, و الجمعويين المخلصين, و كل سياسي و منتخب لا يزال يملك في ضميره مثقال ذرة من الغيرة, الوقوف صفا واحدا في وجه هذه السياسة البغيضة, و تأكيد تمسكهم الراسخ بحق ساكنة المنطقة كما هو الحال بمدن شمال المملكة, في الحفاظ على إرثهم التاريخي و الحضاري و الإنساني, و إلزام الدولة المغربية بواجبها في ترميمه, و صيانته, و حمايته من التدمير و الإندثار الممنهج, كما أن المركز و إنطلاقا من مسؤولياته الاخلاقية و الاكاديمية, سيراسل جميع الجهات المختصة وطنيا و دوليا, من أجل وضعها في صورة ما باتت تتعرض له الممتلكات الثقافية و التراثية بالمدينة, من تدمير و إجتثاث تحت عناوين خرقاء مرفوضة جملة و تفصيلا من طرف الساكنة الأصلية و قواها الحية.

Villa cisneros 92 instituto

108 1340782415

معلمة الفطورية او "لفيرتي" الإسبانية التي تم تدميرها