حينما تعاقب الحكومة الناطقين بالحسانية…"إلى جا العياط من الكدية الهروب منين؟"

sahara-hassanophone

الداخلة بوست

بقلم: بنعبد الفتاح محمد سالم

بالرغم من دسترها ومحاولة المتاجرة بها من طرف الاحزاب والنشطاء والهيئات الرسمية والغير الرسمية الى درجة تمييع موضوعها...، يتم إقصاء الحسانية من طرف جهة حكومية يفترض أنها تابعة للدولة، كما يفترض أن المواطنون وثقافاتهم لهجاتهم سواسية أمامها.. فما يشغل بال الصحراويين المقبلين على نيل امتحانات نيل رخص السياقة ليست هي الزيادات المتوالية التي تقدم عليها الحكومة في تكاليف كافة الوثائق والرخص الادارية، ولا حتى النقاش الدائر حول القانون الجديد المنظم للقطاع، فما يشغل بالهم بالأساس ويثقل كاهلهم هو العنصرية والاقصاء الممارسين عليهم وعلى ثقافتهم من طرف جهة رسمية يفترض أن تكون حريصة على انصافهم، بدل أن ممارسة الظلم والحيف الصارخين في حقهم...

فبالرغم من عديد المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، و التي تنص صراحة على حق الساكنة المحلية في استعمال لغاتها ولهجاتها المحلية في كافة المعاملات المتعلقة بالإدارة والخدمات العمومية، خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي...، ورغم التنصيص الواضح في دستور 2011 على صيانة الحسانية وحفظها، الا ان وزارة النقل لها رأي آخر في الموضوع، حيث تصر على إقصاء الصحراويين وحرمانهم من أبسط حقوقهم الخدمية والادارية و المتمثلة في الحق في نيل رخصة السياقة والحق في اجتياز امتحانها بلغتهم الفصحى او بلهجتهم الحسانية, بل يمس حتى حقهم في التنقل في حال تسبب تلك الممارسات في عدم استطاعتهم اجتياز الامتحان ـ ولا أقول فشلهم ـ حيث يفرض عليهم اجتياز امتحان مكتوب بلهجة الدارجة بدل لهجتهم الحسانية أو حتى الفصحى، الأمر الذي يترتب عليه عدم استطاعة الكثير منهم فهم معظم الأسئلة المطروحة وبالتالي تعذر التوصل الى إجابات صحيحة رغم التدريب والتحضير الجيد للامتحانات والذي يكلفهم الكثير الوقت ومن الامكانات المادية، خاصة في ظل التشدد الذي بدأت تفرضه الوزارة في ظل الاعلان عن القانون الجديد المنظم للقطاع والنقاش الجاري حوله...

حرمان وإقصاء ينضافان الى المعاناة الكثيرة التي يواجهها أبناء الاقليم الراغبين في اجتياز امتحانات نيل رخص السياقة، بدء بالفوضى التي يشهدها القطاع، ومرورا بالمحسوبية والزبونية المنتشرتين في كافة الجهات والهيئات المتدخلة في تحضير وتنظيم تلك الامتحانات، وليس انتهاء عند الاكتظاظ في مدارس التعليم وفي قاعات وساحات اجراء الامتحانات، بالإضافة الى اهتراء وتقادم المعدات المخصصة لها، عدى عن الجو المشحون الذي يعرفه المجال بسبب اعتراض أرباب مدارس تعليم السياقة على مقتضيات القانون الجديد الخاص بتنظيم القطاع...

فشخصيا قابلت في الأشهر القليلة الماضية العديد من شاهدي العيان من شباب المنطقة المقبلين على تلك الامتحانات، و الذين حكوا لي كيف وجدوا أنفسهم عاجزين أمام أسئلة يفترض أن تكون بسيطة بالنسبة لهم بسبب اعتماد اللهجة الدارجة بدل الفصحى أو الحسانية، وفي الغالب دارجة ركيكة يزيد من تعقيدها تعمد معدي الامتحانات طرحها بشكل ملتبس، الامر الذي يجعل معظم الممتحنين من الصحراويين لقمة سائغة في أفواه المتاجرين بتلك الامتحان ويكرس الممارسات اللاقانونية التي يعيشها القطاع، ما يقوض الجهود التي تدعي الوزارة بذلها لإصلاحه...

ظروف مأساوية تنضاف الى الحالة المهترئة للشبكة الطرقية في الاقليم والتي تدحض هي الأخرى كل الدعايات الرسمية حول تنميته، وتترجمها حرب الطرق التي تخلف الكثير من الضحايا ما بين قتيل وجريح عدى عن الاضرار والتكاليف المادية والمعنوية المتربة عنها...

وضع غير سوي يسائل كافة المتاجرين في قضايا وحقوق الساكنة من سياسيين، مثقفين، مسئولين وحتى حقوقيين ونقابيين...، فالمنتخبون الذين لطالما صدعوا رؤوسنا بادعاء الدفاع عن حقوق الساكنة يفترض ان يعملوا على إثارة مثل هذه المواضيع التي تمس الساكنة بشكل مباشر مع الهيئات المعنية التي تشرف على تنظيم وتأطير تلك الامتحانات، وطبعا الامر نفسه ينطبق على النشطاء الجمعويين، الاعلاميين، النقابيين وبالأخص الحقوقيين...

 يبقى ان نشير الى ان الدفاع عن حقوق الساكنة الصحراوية في استعمال لهجتها لا يعني الانتقاص من اللهجة الدارجة او من غيرها من اللهجات، فما ينطبق على الحسانية قد ينطبق على لهجات ولغات أخرى في الأقاليم المستعملة فيها...، لكن الامر يتجاوز مسألة مجرد الحصول على رخصة سياقة، فالأمر يتعلق بحق أساسي من حقوق الساكنة الثقافية والاجتماعية والسياسية المتعارف عليها دوليا، ويمس كرامة الساكنة وهويتها في الصميم، كما يدق ناقوس الخطر في ظل الوضعية السياسية الخاصة للإقليم و التي قد لا تحتمل تجاوزات من هذا القبيل...