Créer un site internet

الأعيان والنخب بالصحراء.. تجاذبات الواقع وبؤس الممارسة

1362669807422

الداخلة بوست

بقلم: بوجمعة بيناهو - إطار صحراوي و باحث في الشأن السياسي بالصحراء 

إن ما يقع من تجاوزات غير مسؤولة في أغلب المجالس المنتخبة بالصحراء نتيجة لهيمنة شبكة الأعيان على حساب مكانة النخب بمختلف مشاربها (الأكاديمية والحقوقية..)، يسائل الكتلة الناخبة، ويطرح إشكالية تكريس الانتهازية، ويدحض مزاعم الدولة في فسح المجال للنخب القادرة على المبادرة في توجيه المجتمع، نحو مجتمع منتج عكس ما تم التركيز عليه لمدة أربعة عقود ونيف من سياسات عمومية استهدفت بما لا يدع مجالا للشك الطبقة المثقفة أولا، وفي مراحل متسلسلة توجهت للمدرسة العمومية ثم الجامعة لتحقير وتسفيه كل خارج عن السرب، هذه المعادلة المعقدة والتي لا يستوعبها إلا القليل من الأصوات والتي أصبحت تشكل نماذج قليلة ومنفردة، بل تعد الاستثناء لأن القاعدة هي النمطية التي أصبح يعيش على إيقاعها مجتمع الصحراء، والتي كانت نتاجا لضرب منظومة القيم، وخلخلة وتفكيك أدوار مؤسسة القبيلة ومن خلالها ما كانت تفرضه “اجْماعة” من انضباط لقواعد المجموعة في إطار السلم والتسامح، لتحل محلها مفاهيم عالم المصالح والماديات “فلان باطرون، عندو مقاولة، من أهل الكونطر بوند.. الرايس”.

هذا العالم الغريب الذي يمجد فئات بعينها، ويحاول أن يجعل منها القدوة ويركز على المظاهر، لعمري أكبر دليل على التيه الحاصل والذي أصبحت يتخبط فيه أهل الصحراء، لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور بسحق الفقهاء والعلماء ورجال الدين والمفكرين والمثقفين والنخب والأطر التي لها نوع من الحضور المشرف والوازن. ليفسح المجال لإنتاج “زعماء البسطيلة من “الرعاوين” و”الرويبضات”، المجتمع الذي يختار دراهم معدودات ليعيش سويعات من رفاه زائل، يكرس صناعة أجيال مغشوشة، غير قادرة على استيعاب التطورات، ولا مواكبة المستجدات، مجتمع سيعيش تأخرا في كل شيء، ويرتكن إلى الجهل وإلى الأمية وتقوده الضباع، لأن الضباع مهما تقوت ومهما راكمت من ثروات، ومهما تصرفت في مقدرات الدولة من بطائق الإنعاش الوطني والبقع الأرضية وأموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مختلف مداشر الصحراء، لتحافظ على قلاعها الانتخابية، ومهما اضطلعت بالأدوار المزعومة والمدفوعة من المخزن دعما وأداء هذه الضباع تبقى دوما في أسفل الهرم لأنه لا يصح إلا الصحيح.

هذا الواقع البئيس بؤس صانعيه، يضع النخب أمام مسؤولياتها التاريخية في التأطير، والمطلوب هو إنخراطها الحقيقي في التوجيه سواء بالكتابة أو بالتعبير من أي منبر سواء إعلامي أو صفحة شخصية، أو أي وسيلة أخرى، إذ من غير المقبول اليوم تراجع الجميع، والكل يلاحظ ويعتبر نفسه غير معني، أو بأنه في برجه العاجي لا يجب عليه التواضع والخوض في قضايا العوام، وهذا يعاكس أدوار المثقف العضوي حسب المفكر “كرامشي”، لأن المثقف الحقيقي هو الذي يتعايش مع قضايا شعبه وأمته، يشعر بما تشعر، ويحاول ترك بصمة أكيد ستذكر ولو بعد حين.

أثارتني بالأمس فكرة لزعيم سياسي، مفادها بأن المزاوجة بين المال والسلطة يعتبر خطرا على الدولة، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها، إن ما يعيش على إيقاعه المشهد بشكل عام لا ينتج سوى العبث ويزرع التردي والوضاعة في أبهى تجلياتها.