وزير الخارجية المغربي و الاسئلة المحرجة التي تطرحها عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي

99c3799f 8c56 4bdb 93a3 2da11f93f479

الداخلة بوست

بقلم : نور الدين مفتاح


مرّت الذكرى الأولى لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مرور الكرام، رغم أنه في خريف السنة الماضية مع نهاية شهر يناير بالضبط، كانت القلوب معلقة على القاعة الكبرى لقمة الرؤساء بأديس أبابا والأعناق مشرئبة إلى الكواليس، والترقب بين ملايين المغاربة من المتتبعين يضغط على الأعصاب وكأننا ننتظر مباراة نهائية قارية يلعب فيها الفريق الوطني، مع اختلاف شاسع هذه المرة، وهو أن اللاعب هناك باسم الوطن كان هو الملك، وأن الرهان ليس كأساً بعد أهداف ولكنه مصير ثلث التراب الوطني. وبالفعل انفرجت الأسارير وترك الانقباض المكان للانتشاء، وقال محمد السادس كلماته التي اتسمت بمسحة إنسانية أكثر منها سياسية: "كم هو جميل هذا اليوم الذي أعود فيه إلى البيت بعد طول غياب! كم هو جميل هذا اليوم الذي أحمل فيه مشاعري إلى المكان الذي أحبّه! فإفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي. لقد عدت أخيرا إلى بيتي، وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد. لقد اشتقت إليكم جميعا".

ولكن، المعركة التي خاضها المغرب وفجرت نهايتها نشوة الوفد الوطني بوزرائه وأطره حتى صدحوا بالنشيد الوطني بفرحة طفولية في بهو مقر القمة  لم تكن في الحقيقة إلا بداية وليست نهاية. لقد كانت بداية لمسار كان الكل مقتنعا بأنه شاق وطويل ومحفوف بكل مخاطر مناورات الخصوم من عيار ثقيل. وقد أبدت لنا الأيام خلال سنة ونيف أن المغرب الذي كسب معركة أو اثنتين أو ثلاثة لاتزال أمامه معارك أكبر وأشد ضراوة في أدغال المناورات السياسية والتعقيدات القانونية والمسطرية بالقارة السمراء  حتى يكسب الحرب.

وإذا كان المغاربة عموما يعتبرون أن مصير الصحراء هو شأن ملكي بامتياز بغض النظر عن أي قراءة دستورية، ومقتنعين بأن جزءا من التعاقد الذي يربط العرش مع الشعب هو في حفاظ العرش على وحدة التراب الوطني، وبالخصوص الأقاليم الصحراوية، فإن هذا لم يكن يعني غض الطرف عن طريقة تدبير الملف من طرف الجميع بما في ذلك من يوكل لهم هذا التدبير في الحكومة أو في باقي المؤسسات الإدارية والأمنية والديبلوماسية والتنموية والترابية.

لقد قرر الحسن الثاني أن يوقع اتفاق مدريد سنة 1975 بعد مسيرة خضراء دخلت إلى التاريخ، فقال المغاربة آمين، وقرر العاهل الراحل قبول مبدأ تنظيم استفتاء في الصحراء، فقلنا آمين، ومن لم يقلها دخل إلى السجن وهو الراحل عبد الرحيم بوعبيد وبعض إخوانه، وقرر الملك الحسن الثاني الخروج من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 بعد قبول الجمهورية الصحراوية بها، فقلنا آمين.

ومع العهد الجديد قرر الملك محمد السادس سنة 2007 تقديم مشروع حكم ذاتي وصف بذي المصداقية من طرف المجتمع الدولي، فقلنا آمين.

وفي 31 يناير قرر الملك العودة الفعلية للاتحاد الإفريقي الذي توجد به هذه الجمهورية الصحراوية العجيبة، فرحب الجميع، ولكن، هذا التفويض الشعبي في القضية الوطنية الأولى كان دائما مشروطا كما أسلفنا، وهو ما لا يخفى على الجالس على العرش، الذي لم يكن بالمصادفة يقرأ خطابا في السادس من نونبر الماضي فيه من صرامة الموقف ما يجعله بعيداً عن روتينية خطاب ذكرى مكرورة، بل هو تأكيد الالتزام بذلك التعاقد بين العرش والشعب. يقول الملك محمد السادس:"لا لأي حل لقضية الصحراء خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه ومبادرة الحكم الذاتي"، انتهى الكلام. وبخصوص ما يترتب على العودة إلى الاتحاد الإفريقي: "الالتزام التام بمرجعيات مجلس الأمن الدولي باعتباره الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية"، انتهى الكلام مرة ثانية.

إذن، هذه هي الثوابت، لم ولن تتزحزح في عقيدتنا الوطنية. ولكن هذا غير كاف ليجعلنا نستكين لاطمئنان زائف، فالخصوم لنا بالمرصاد، وسبب نزول كلمات العبد الضعيف لله هذه ليس هو إعادة صياغة البديهيات بلغة مغايرة، ولكنه الحق في السؤال والمساءلة للمكلفين المباشرين بالتدبير اليومي للملف، هم في الخطوط الأمامية للصراع ، سلطات محلية في الجهات الصحراوية الثلاث ، وحكومة  على المستوى الديبلوماسي والتنموي،  وفي الاتحاد الإفريقي والسفارات عبر العالم، وفي الأمم المتحدة وداخل أروقة الاتحاد الأوربي... كل هؤلاء الذين يقومون بعمل حساس في ملف حساس عليهم أن يتواصلوا، وعلى رأسهم وزارة الخارجية المغربية.

على السيد ناصر بوريطة ألا يبقى معتكفا وراء صمته ويترك المغاربة والصحراويين مع مصدر واحد للأخبار، وهو وكالتا الأنباء الصحراوية والجزائرية، وهذه هي الأسئلة التي من واجب الخارجية أن تجيب المغاربة عنها بدون مواربة: ما الذي جرى بالضبط في قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة؟ ما معنى أن يكون البيان الختامي يتحدث عن نزاع بين دولتين عضوين يجب أن يسوى بتدخل من الاتحاد الإفريقي ومبعوثه الخاص بالملف بتنسيق مع مجلس الأمن الدولي؟ ماذا جرى في اللقاءات الإفريقية السابقة ومنها حضور الجمهورية الصحراوية المزعومة لقمة الاتحادين الأوربي والإفريقي؟ هل فقدت هذه الجمهورية العجيبة فعلا دعم أو اعتراف أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي أم لا؟ وهل للمغرب نيّة في الأخذ بزمام المبادرة لإخراج هذه "الجمهورية" من الاتحاد ما دامت غير معترف بها من طرف الأمم المتحدة وما دام لا يمكن الجمع بين مطالبتها بتقرير المصير وإعلانها كدولة في نفس الآن؟ لماذا لم يتحفظ على ما قيل إنه "جملة" معاكسة للطرح المغربي في البيان الختامي لقمة أديس أبابا إلا 19 عضواً من ضمن 55؟

وعلى الضفة الأخرى، ماذا يجري بالضبط في الاتحاد الأوربي؟ وكيف استقبلت المفوضية الأوربية من يدعى بالوزير الصحراوي المنتدب لدى الاتحاد الأوربي، الذي أبلغ محاوريه "قلقه من مفاوضات مع المغرب دون الحصول على موافقة البوليساريو"، التي ينعتها بـ "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي"؟ هل استثنت فعلا المحكمة الأوربية الأقاليم الجنوبية من الاتفاقية الفلاحية مع المغرب؟ وهل اتفاق الصيد البحري مهدد باستثناء الأقاليم الجنوبية أيضا؟ لماذا يجد المغرب الذي يتوفر على ملف صلب في ما يخص تدبير ثروات إقليم في حالة نزاع نفسه في موقف يبدو في أحايين كثيرة ضعيفا؟ ألا نصرف 7 دراهم في الصحراء على كل درهم يستخرج من جوف أرضها أو من بحرها؟ أين الخلل؟

هذه الأسئلة في دول قريبة منا شمالا تعتبر عادية، وقد تطرح في برامج الصباح على القنوات وفي صحف المساء وتجد الأجوبة من المسؤولين، ويخلق نقاش داخلي يكون مفيدا ومثمرا، ويعطى للرأي العام ما هو حقه حتى لا يبقى في نفوس الناس شيء من حتى، ولكن لا أعرف لماذا هنا في بلادٍ الجميع فيها يقدم تضحيات لأكثر من أربعين سنة ويعز فيها التواصل، ويختبئ فيها المسؤولون على الرغم من أن عملهم قد يكون جبّارا ولكن لا أحد يعرف حتى يستطيع أن يحكم.

إن هذا الفراغ هو الذي جعل إعلام الخصوم يتجاسر علينا ويكون هو الطاغي في الأقاليم الجنوبية، لدرجة أن قالت البوليساريو إنه: "بدأت أصوات في المغرب تناقش -ولو على استحياء- خطيئة الالتحاق بالاتحاد الإفريقي وفق شروطه"!! فهل سنستمر في تركهم يقولون ما يشاؤون بدعوى أنهم يتكلمون ونحن نعمل؟ هل يصح هذا السيد ناصر بوريطة؟ هل تعتقدون أن مسؤوليتكم أمام جلالة الملك تعفيكم من مسؤوليتكم أمام المغاربة ولو لم تكونوا منتخبين؟ لا، فأصل المسؤولية في البداية والنهاية هو المساءلة. إنها حق ولن تكون اختياراً لك أو منة.