قراءة إستراتيجية في قرار المغرب قطع علاقاته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية

Maroc iran

الداخلة بوست

بقلم: د.الزاوي عبد القادر -  أستاذ باحث و كاتب صحفي

بغض النظر عن مدى صحة الإتهامات التي وجهه المغرب على لسان وزير خارجيته "ناصر بوريطة" للجمهورية الإسلامية الإيرانية, و التي على أساسها إتخذ المغرب قراره بقطع العلاقات الديبلوماسية مع هذا البلد, و أيضا بغض النظر عن نفي حزب الله اللبناني و الدولة الإيرانية جملة و تفصيلا للإتهامات المغربية, بخصوص تورطهم في دعم جبهة البوليساريو عسكريا, إلا أن هذا لن يمنعنا من تقديم النصوحة للدولة المغربية من خلال نقد بناء, و قراءة موضوعية راشدة, تقوم على الإستقراء العلمي للأحداث, و التحليل الموضوعي الرصين, بعيدا عن الديماغوجية و لغة البروبكندا.

إن النقد البناء الذي نتحدث عنه, يخص القرار المغربي -الذي نعتبره غير صائب- بالمشاركة في الحرب اليمنية, إلى جانب التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد فصيل يمني مقرب طائفيا و عقائديا من إيران, بل و يقع في قلب مجالها الجيو-ستراتيجي الحيوي, و هو المستنقع الذي كنا نربئ بالمملكة المغربية أن تخوض فيه بقواتها المسلحة, لما سينتج عنه من أضرار جسيمة بمصالح المغرب على المديين القصير و المتوسط.

لكن إذا كان المسؤولين المغاربة و جوقة المحللين الأكاديميين, يعتبرون بأن إصطفاف المغرب إلى جانب الخليجيين من خلال التدخل العسكري الكارثي في الحرب اليمنية, و مناهضة المصالح العليا الإيرانية و إرسال قواته العسكرية لتتلطخ أياديهم بدماء اليمنيين الحوثيين و داعميهم الإيرانيين, في حرب قذرة, لا ناقة للمغرب فيها و لا جمل, تبعد عن مجاله الجيو-ستراتيجي عشرات ألاف الاميال.

-أقول- إذا كان المغرب الرسمي يعتبر ذلك أمرا مباح شرعا و اخلاقا و إستراتيجيا, تمليه ضرورة المصالح المشتركة مع السعوديين و دول الخليج, و سيمر مرور الكرام من دون ردة فعل مضادة من المحور الإيراني و اذرعه و حلفائه, فإننا سنكون بصدد دولة رخوة, يخطط لسياستها الخارجية جوقة من المجانين, أما إذا كان العكس هو الصحيح, و هذا هو المرجح, فلا داعي عندها لكل هذا الشو الإعلامي و الهلع و الغضب من إيران, و قطع العلاقات و طرد السفير, فلقد درسنا في كليات الإقتصاد و العلوم السياسية بأن لغة المصالح واحدة, و أنه حين تختار دولة ما التموقع داخل خارطة صراع جيو-ستراتيجي إقليمي, عليها أن تكون قادرة على وضع تصور شامل و دقيق, للائحة الفرص المتاحة و المخاطر المتوقعة, مع خطة محكمة لإدارة الأزمات بشكل توقعي و إستباقي, غير أن المثير أكثر للغضب, هو ما عبر عنه صديقي الدكتور "محمد الزهراوي" أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض, خلال دردشة قصيرة جمعتنا عبر شبكات التواصل الإجتماعية, معلقا على المشاركة المغربية في الحرب اليمنية, بالقول:"...للاسف لم يستفد المغرب أي شيء من التدخل في اليمن، ولا يوجد أية قراءة تقييمية أو مراجعة لهذا الموقف...", إنتهى كلام الأستاذ الجامعي "الزهراوي".

و هذا في حد ذاته يشكل مصيبة عظمى, فأنا لست ضد أن يتموقع المغرب سياسيا و عسكريا, في خارطة الصراع على مناطق النفوذ, كما هو حاصل الآن باليمن بين السعودية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية, لكن على الدولة المغربية بالمقابل أن تمتلك كما أسلفنا رؤية إستراتيجية واضحة المعالم لنتائج و تبعات هذا الإصطفاف, و أن تتوقع بطبيعة الحال أن تسعى إيران إلى الإنتقام من خلال ضرب المصالح العليا المغربية بأية طريقة إستطاعت إليها سبيلا, إنها لعبة المصالح, و لعبة المصالح عقيم, الثابت فيها هو المصالح نفسها, لذلك من المضحك أن يتفاجئ المغرب بتدريب حزب الله لمليشيات البوليساريو, و من البائس أيضا أن يحاول الظهور بشكل الضحية و المضطهد.

لقد أصبحت مثل كثيرين, عاجزا تماما عن فهم المنطق "المتقيح" الذي على أساسه يتم صياغة السياسة الخارجية للمملكة, و عجز عقلي الصغير و ذكائي المحدود أن يستوعب كيف تصنع الدولة المغربية مواقفها الخارجية من خلال جهابدتها في وزارة الخارجية, و داخل دهاليز صنع القرار, و إلا فلماذا تحرم على الغير ما تبيحه لنفسها؟ ما هذا الضياع؟ هل تنتظر من الجمهورية الاسلامية الايرانية و حزب الله و حلفائهم في مشارق الأرض و مغاربها, أن يقابلوا التدخل المغربي ضد مصالحهم بطائرات F16, و الدعم السياسي و اللوجيستيكي, و القوات العسكرية المسلحة و القصف الجوي ووو...-أقول- هل تريد منهم أن يقابلوه بالورود, و رسائل الشكر و التقدير, و كامل الاحترام و الدعم للسيادة المغربية على الصحراء؟ للأسف الشديد المغرب بات يتعامل في سياسته الخارجية بمنطق الأبله أو ما يسمى بالدارجة المغربية "هبل تربح", لكن هذا المنطق البليد لا يصلح في تدبير العلاقات ما بين الدول, و داخل مناطق النفوذ و دوائر المصالح الإستراتيجية الملتهبة.

يقول المغاربة في أحجيتهم الدارجة: "اللي دار راسو فالنخالى ينقبو الدجاج", و هو ما يزكيه قانون الفيزياء الكوني الشهير: "الفعل و رد الفعل", لذلك على الدولة المغربية إذا أرادت أن تحمي مصالحها في الصحراء من التدخل الايراني عن طريق تنظيم حزب الله اللبناني و غيره, أن تنئ بنفسها و جيشها و دولتها عن التدخل في شؤون الاخرين, و محاولة الإضرار بمصالحهم الجيو-ستراتيجية و الروحية و الدينية, و إلا فلتتوقع من الطرف الآخر أن يرد لها الصاع صاعين, وفق مبدأ: المعاملة بالمثل.

للأسف الشديد لقد سبق لي أن كتبت قبل ثلاث سنوات مقال صحفي تحت عنوان: "قراءة مختصرة للمشاركة المغربية في الحرب على اليمن", إنتقدت خلاله التدخل المغربي في الحرب اليمنية, و تنبأت فيه بكل ما يحصل الآن, لكن مشكلة جوقة مدبري ملف الصحراء داخل اجهزة الدولة السيادية, أنهم مصابين بالغرور و التعالي و لا يحبون أن يستمعوا سوى لما تمليه عليهم بنيات أفكارهم الجاهلة, قصيرة النظر و عديمة الحكمة و التبصر.

قولا واحدا إن أكبر المتضررين من قطع العلاقات مع إيران ستكون هي مصالح المغرب في نزاع الصحراء, و تدريب عناصر حزب الله لميليشيات جبهة البوليساريو إن صح خبره, ينبئ بدخول المنطقة مرحلة جديدة و خطيرة, ستقلب موازين القوى العسكرية بشكل دراماتيكي, و ستسبب لا محالة اذى كبير للمغرب مستقبلا, لذلك بات مطلوب من الدولة المغربية أن تختار و بشكل حاسم:

-ما بين أموال الدعم الخليجي الغير مضمونة, و بين المحافظة على وحدتها الترابية و أمنها القومي و سلامة أراضيها؟

-ما بين أن تنهج سياسة الحياد و عدم التدخل في شؤون الآخرين, و تمتنع بالتالي عن إرسال جيشها للتدخل في بؤر التوتر المشتعلة بالمنطقة, أو أن تستعد لدفع فاتورة تدخلاتها في صراعات و حروب الآخرين, حينها لا داعي لكل هذا الضجيج و الشو الإعلامي المبتذل, إنتهى الكلام.