وصف الشعب ب"المداويخ"...إنحطاط مريع في الخطاب السياسي المغربي

474x340 1

الداخلة بوست

بقلم: عبد الله النملي - الأسبوع

وضع محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية المغربي، نفسه أمام موجة سخط عارمة من النشطاء والحقوقيين، بعد وصفه للنشطاء المنخرطين في حملة مقاطعة عدد من المنتجات بـ “المداويخ", وذلك في أول تعليق له على الموضوع يوم الثلاثاء 24 أبريل 2018، أمام الغرفة الثانية بمجلس المستشارين، حين قال: ((خصنا نشجعو المقاولة ونشجعو المنتوجات المغربية ما شي بحال شي "مداويخ", تيقولك مقاطعة المقاولة المغربية لي مقاولات ومهيكلة وكتخلص الضرائب))، وهي كلمة دارجة، تحمل عند المغاربة، كل وصف جامع لكل نقيصة قبيحة.

وبمجرد تداول مقطع الفيديو على مجموعة من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، انهالت على الوزير الانتقادات، وعبرت أعداد كبيرة من النشطاء، عن استيائها من استعمال مسؤول حكومي، للفظ “المداويخ”، ونعت المغاربة به، مشددة على ضرورة اتخاذ إجراءات ردعية في حقه، كما اعتبروا تصريحات الوزير التجمعي ((إهانة لمواطنين مغاربة اختاروا مقاطعة منتجات استهلاكية نظرا لارتفاع أسعارها))، وقد وصلت موجة السخط العارم إلى حد المطالبة باستقالة الوزير بوسعيد، وأطلق النشطاء على موقع “أفاز” العالمي، عريضة لمطالبة وزير الاقتصاد والمالية بالاعتذار للشعب المغربي، كما تطورت الحملة حد أداء بعض “الفايسبوكيين” لما سموه “القسم” يؤديه كل منخرط في الحملة من أجل المضي في المقاطعة لمدة شهر قابل للتمديد.

ولعل التصريح غير المسؤول للوزير المغربي، يذكرني بموقف بطولي، على النقيض من ذلك، للخليفة عمر بن الخطاب والخليفة علي بن أبي طالب، فحين قام تجار اللحم زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، برفع سعره من غير سبب لتكثر أرباحهم، ذهب وفد إلى الفاروق يطلب منه التدخل لتخفيض الأسعار، فقالوا له: ((غلا اللحم فسعره لنا، فقال لهم: أرخصوه أنتم، فقالوا: وكيف نرخصه وليس في أيدينا يا أمير المؤمنين؟ قال: اتركوه لهم. فترك الناس شراء اللحم أياما، وبعد أن تعفن لدى الجزارين، أرخصوه مجبورين، وحين غلا الزبيب بمكة، كتب أهلها إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر، أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص، وإن لم يرخص فالتمر خير بديل)).

والحقيقة، أنه يصعب على أي مراقب للشأن المغربي، أن يمارس الحياد تجاه تصرفات بعض السياسيين في هذا البلد، فهناك الكثير مما يستحق الإدانة من تصريحات بعض السياسيين، ومن يتابع المشهد السياسي، يلاحظ استمرار تدني الخطاب السياسي إلى الدرجة صفر، وهو ما يعكس طبيعة بعض المخلوقات السياسية التي ليست أقل سوءً مما يوجد في المجتمع، فالمغاربة يؤسفهم التدني المريع في الخطاب السياسي الذي وصل إلى أسفل سافلين، ولسنا ندري ماذا ألم بأخلاق بعض السياسيين، وهل خرج بعضهم عن جادة احترام الذات حتى يصف مسؤول سياسي رفيع، الشعب بـ “المداويخ”؟ أهذه هي المدرسة السياسية في التأطير والتكوين التي نورثها لأبناء هذه الأمة؟

إن من يتابع خطب بعض السياسيين وتصريحات بعضهم واتهاماتهم، يلاحظ أن من يدلي بهذه التصريحات، لا يخاطب شعبا له خصوصيات ومقامات معينة تفرض نوعا خاصا من الخطاب، بل يخاطب أحط البشر بلغة الشوارع والأزقة. يحدث كل ذلك في الوقت الذي يترحم فيه الكثيرون، على سياسيين كانوا في السابق، يعبرون عن أفكارهم وتوجهاتهم ومواقفهم من خلال ما يصدر عن أحزابهم من بيانات رسمية، أو من خلال البرامج الانتخابية المعلنة، بما تحمله من رصانة الرؤية ووضوح الفكرة، في إطار القيم الناظمة للحياة الاجتماعية والسياسية، دون تهريج أو تهديد أو تحريض أو تزييف وافتراء وقذف، وكان مناوئوهم يناقشونهم بناءً على ذلك.

واليوم، أصبح بعض السياسيين، يفضلون التعبير “الزنقاوي” المفتقر لأبسط أسس العمل السياسي الرصين، فانهارت بذلك القيم الأخلاقية قبل السياسية، وأصبحنا نسمع عبارات ومهاترات وتصريحات مقززة، وكلمات جارحة غير مهذبة، خارجة عن جادة الصواب، تفتقد للبصيرة والتبصر، ولعل رسالة المجلس الدستوري، في قراره بحل الدائرة الانتخابية مولاي يعقوب، بسبب استخدام المترشحين لألفاظ نابية ومسيئة لدور الحزب في التأطير والتكوين، كانت أبلغ رسالة إلى الأحزاب ومسؤوليها بضرورة مراجعة خطابها وطريقة تدبيرها للتنافس السياسي، حيث صرح المجلس الدستوري، أن ((إلقاء كلمات وأوصاف قدحية ومشينة، واستعمال عبارات التحقير خلال الحملة الانتخابية، سلوك يجافي مهمة تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية.