أهل الصحراء...الموتى الأحياء

Cropped j

الداخلة بوست

بقلم: براهيم سيد الناجم

تتعدد الأسباب و الموت واحد,و تتعدد "لاكابيصات" و المصير واحد,و "يا ريت" كان المصير الذي أوهمونا به و أوهمو به أبائنا المساكين منذ عشرات السنين,فالحال كما هو ولم يتغير شيئ ما عدى عناونين "الصحف الصفراء" كانت تقول "عاجل" و اليوم تقول "حصري", فأنا مثلا و أعوذ بالله من كلمة أنا ,أكتب لكم هذه الاحرف الركيكة طبعا و أنا ميت,دفنت بمقبرة جماعية يوم ميلادي في نهاية الثمانينات, وحين بلغت سن الثمانية عشر في قبري بهذه المقبرة زارنا ذات يوم أحد المحسنين قال لنا بأنه جاء من "بر الأمان" و يدعى " بر الأماني" أو "البرلماني"و قال "للموتى" بأن حياتنا ستتغير عما قريب و سيحصل كل ميت منا على قبره "الخاص" من نوع "سانك ايطوال" سننعم بحياة الرفاهية,لم تمضي سوى أيام قليلة على زيارته حتى دفن هو الأخر معنا بالمقبرة..سألنا عن ما حدث فأجابنا "العساس" أنه "انفصالي" ترشح في الانتخابات برمز "الميزان" و طار بالمنصب مرشح أخر رمزه "الحمامة"...فقلنا بصوت واحد "لو كان الخوخ اداوي اعود داوا راسو"...

حين تقرأ رواية"أسطورة الموتى الأحياء" للاديب المصري أحمد خالق توفيق ستعرف بأن ما جاء في هذه الرواية هو "كوبي كولي" ل " أيسطوار اهل الصحراء",أهل الصحراء الذين لا يحركون ساكنا,يقتلهم التهميش صامتون ,تقتلهم البطالة صامتون تقتلهم المخدرات صامتون تقتلهم الحقرة صامتون تقتلهم الطرقات صامتون تقتلهم السجون صامتون,مجرد مقابر جماعية,و اسمحولي ان حرفت المقولة الثورية التي تقول "اذا ارادت القدرة الخلود لأنسان سخرته لخدمة الجماهير" ففي مثل حالتنا بالصحراء نقول "اذا أرادت الدولة دفن أحد المسؤوليين سخرته لدفن الصحراويين".

بالرغم من تعدد "لاكابيصات" لدينا بالصحراء,و بالرغم من تنوع الكفائات و الطاقات البشرية الا ان مصيرنا واحد و نظرة الأخرين لنا واحدة,مصيرنا اما "الشتات" او "الموت", الموت حق لكن بأي ذنب نقتل أحياءا؟ و بأي ذنب نعيش شتاتا و نحن أهل الحق؟...اتذكر ومضات من طفولتي ولن أقول عنها مشئومة ولو أنني عشتها "ميت" الا انها  كانت في "زمن" الرجال الذين لن يعيدعهم التاريخ لكم يا اجيال,أتذكر قلت ذات مساء من زمننا الجميل كان أحدهم يفزعنا ونحن صغار بأصوات غريبة و نظن نحن بأنه صوت "غوول" و تقول له جدتي رحمها الله " أمشي...فعلك يلقاك"...هم اليوم يفزعوننا في قبورنا و أقول لهم جميعا "أمشوو... فعلكم يلقاكم".

حين أجابنا "العساس" بذالك الجواب لم يكن جوابه "أساقة" بالحسانية, بل هو نفس الجواب عند جميع "عساسة المقابر" و حين يقول لك أحدهم بأن "الموت بيد الله" فقل له أن "بيد الله" كان وزيرا للصحة و سياسي في الأصالة و المعاصرة و أجابه عساس المقبرة بنفس الجواب فالموت "أشبه فيه" من حياة لا أصالة فيها ولا معاصرة.

و في ختام كلماتي الركيكة اتمنى أن لا تقول لي يا صديقي بأن المقابر "حرمة الله" فحرمة الله كان هو الأخر برلماني عن حزب الميزان,و الميزان على ما أظن يختار الاشخاص حسب وزنهم في "ابادتنا",فحل مكانه "ينجا" الذي لا شك بأنه "نجا" هو و من معه من "خلعة" دفنه معنا في "المقبرة الجماعية...فلا تقلقو جميعا شعب "الزومبي" ستلاحقكم أرواحهم و ستدفنون في أخر المطاف معهم في نفس "المقبرة".