بنعبد الفتاح يكتب: الوعاء العقاري.... الثروة الصحراوية المستباحة

32855842 2150845568471868 2431944872521891840 n 1

الداخلة بوست

محمد سالم بنعبد الفتاح

منذ سنوات بات موضوع الثروات الطبيعية يتصدر مشهد الصراع في المنطقة، ففي ظل موجة الاحتجاجات الشعبية ذات المطالب الاجتماعية، بات النقاش السياسي والحقوقي يتركز أساسا حول أحقية الساكنة المحلية في الاستفادة من ثروات المنطقة، خاصة الثروة المعدنية (الفوسفاط)، والثروة السمكية (الصيد البحري).

ورغم شرعية النقاش حول ثروات المنطقة بالنظر إلى الفوارق الطبقية المسجلة في مدن الإقليم، عدى عن العديد من مظاهر الهشاشة المجتمعية كالفقر والبطالة في إقليم يتم الترويج على نطاق واسع لدعايات تفيد بتمتعه بمعاملات اجتماعية واقتصادية تمييزية...، لكن النقاش حوله غطى على موضوع لا تقل أهميته في اعتقادي عن موضوع الثروات الطبيعة.

ثروة محلية أخرى يتم نهبها والتلاعب بها في صمت، وأمام أعين الجميع بالمدن الصحراوية، ثروة هائلة تتوسع باستمرار، يقدر حجمها بملايير الدراهم، وتدر مبالغ خيالية على شرذمة قليلة من المسئولين الفاسدين ودائرة ضيقة من المتعاونين معهم، إنها ليست سوى الوعاء العقاري في المدن الصحراوية.

أحياء بالجملة يتم الاستحواذ على تهيئتها تحت جنح الظلام، ومئات إن لم تكن الآلاف من البقع الأرضية يتم توزيعها باعتماد المحسوبية والزبونية، يصل بعضها الى مستحقيه، لكن يتم تمرير الكثير منها الى مجموعة من اللصوص الذي يحترفون سرقة العقارات في المنطقة عبرالتحكم في الإدارات الوصية وتزوير الوثائق الإدارية، عقارات تجارية هامة تُحْتكر من طرف كروش الحرام دون وجه حق، وأخرى تنهب وتُنتزع من أصحابها الكايلة من النهار، مساحات مخصصة للساحات والفضاءات العمومية تصير بين عشية وضحاها ملكيات خاصة، ومواقع استراتيجية غير مُهيئة تُحال على أشخاص معينين بشكل غامض وبطرق غير قانونية، بما فيها تلك المساحات الغير صالحة للسكن أصلا، بالخصوص في مداخل المدينة وضفاف الوادي، بالاضافة الى المساحات المطلة على الساحات العمومية المهيئة...

شبكات إجرامية منتشرة في العديد من الهيئات والإدارات تتقاسم غنيمة الوعاء العقاري، ومسؤولون يراكمون ثروات هائلة بفضل التحكم فيه، يستعينون بسماسرة ووسطاء ومضاربين، كما يوظفون عصابات الخارجين عن القانون من الشماكرية واللصوص وقطاع الطرق للسيطرة على العقارات المتنازع عليها، أو تلك التي يغيب ملاكها خارج الاقليم قبل استكمال إجراءات البناء والاعمار الإدارية...، ما أفرز العديد من ممتهني الاغتناء السريع من اللصوص ومحدثي النعمة من محيط كروش الحرام الذين باتوا بين عشية وضحاها مترفين وذوو شأن وربما من علية القوم...

عصابات تمتهن التلاعب بأسعار العقار عبر التحكم في نسبة كبيرة من العقارات والبقع الأرضية المعروضة في السوق، والمضاربة فيها وتفويتها لبعضهم البعض، الأمر الذي يُثقل كاهل المواطن العادي الفقير أو متوسط الدخل، الذي يعاني الأمرين لأجل ضمان حقه في السكن، في مدينة شهدت وفرة في العرض الى عهد قريب، حيث تم تنظيم العديد من حملات توزيع العقارات السكنية والبقع الأرضية، لكنها لم تُجْد نفعا أمام الارتفاع المهول المسجل في أسعار العقار مؤخرا، بسبب عمليات نهب العقار الواسعة.

ففي العقد الأخير فقط عرفت مدينة العيون -على سبيل المثال لا الحصر- مجموعة من حملات الإسكان هَمَّت فئات وشرائح واسعة من الساكنة، أبرزها تلك التي شملت ساكني "مخيم الوحدة"، إلى جانب أخرى شملت "العائدين"، ثم عمليات توزيع البقع الأرضية أعلن في حينه أنها لصالح الفئات المهمشة، الى جانب أخرى خُصصت لعمال وموظفي بعض القطاعات...، لكن الحملات نفسها طالت بقدرة قادر مسئولين وموظفين سامين وتجارا ومنتخبين بدون وجه حق، استحوذوا على أهم العقارات وأكثرها قيمة...

ففي حين لا يزال العديد من أبناء المدينة من الفئات المعنية بتلك الحملات ينظمون الأشكال الاحتجاجية رفضا لإقصائهم من الاستفادة من حقهم في السكن، يستحوذ العديد من المسئولين الى جانب دائرة ضيقة من الموظفين والعناصر الإجرامية المتعاونة معهم على نسبة كبيرة من العقارات المعروضة بالمدينة، كما ينظمون عمليات بيع واسعة للعقارات والبقع الأرضية، في إقصاء تام لأبناء المدينة المُفقرين من من لا حول ولا قوة لهم أمام الارتفاع المهول في أسعار العقار، وفي تواطؤ جلي من طرف الإدارات المعنية بالإسكان وبتهيئة الوعاء العقاري...

فمتى تستفيق الساكنة المحلية على عملية النهب الممنهج لـلوعاء العقاري والسارية على قدم وساق وعلى مرأى من الجميع؟ حملة لا تحرم أبناء المدينة من حقهم في السكن عبر التحكم والمضاربة في أسعار العقار فقط، ولكنها تشوه مظهر المدينة وتستحوذ على المساحات الخضراء والفضاءات العمومية فيها وترهن مستقبلها في يد شرذمة من السؤولين والفاسدين وأذنابهم عبر توظيف العقار المنهوب ومداخيله في المعارك السياسية الضيقة.