سياسة حافة الهاوية...قراءة في تصريحات "جون بولتون" مستشار الأمن القومي الأميركي حول نزاع الصحراء

Photostudio 1544884444003

بقلم: د.الزاوي عبد القادر- كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات 

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تقترب كثيرا من وضع كامل ثقلها الديبلوماسي من أجل إيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء المزمن و الطويل، و الشاهد هذه المرة في كلامنا، تركيز مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جون بولتون خلال عرض إستراتيجية بلاده في أفريقيا على قضية الصحراء المغربية، حيث تحدث باستفاضة عن ضرورة التوصل إلى تسوية سريعة للنزاع متهما في هذا الصدد بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) بالتقصير وإدامة الوضع القائم منذ حوالي ثلاثة عقود.

حيث استغرب جون بولتون الذي كان يتحدث في لقاء صحفي نُظم الخميس الماضي بمؤسسة التراث ”هيريتيج فاوندايشن” خصص لمناقشة الإستراتيجية الجديدة للإدارة الأمريكية بإفريقيا -أقول- إستغرب من فشل بعثة المينورسو في تحقيق أي تقدّم يذكر بعد مضيّ حوالي 27 عاما على تشكيلها، مخاطبا سفراء الدول الإفريقية وممثلي المنظمات غير الحكومية والشخصيات الأمريكية التي حضرت هذا اللقاء :”27 سنة من إحداثها لازالت البعثة تراوح مكانها؛ كيف لكم أن تفسروا ذلك؟، و مردفا بالقول: "يتعين عليكم التفكير في الشعب الصحراوي والصحراويين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات...الصحراويين وأبناءهم بحاجة إلى العودة إلى ديارهم لعيش حياة عادية”.

بولتون أكد أيضا في كلمته حول إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة بشأن أفريقيا في مؤسسة هيريتيدج للدراسات، أن الموارد التي أنفقت خلال هذه الفترة على البعثة الأممية كان يجب أن توجّه إلى تحسينف ظروف المواطنين في المنطقة، مجددا حرص بلاده على أن تكون عمليات حفظ السلام مسؤولة وقوية وفعالة، وذكّر في سياق ذلك بما قامت به الولايات المتحدة شهر أكتوبر الماضي فيما يخص حفظ السلام في الصحراء، عندما فرضت تجديد مهمة بعثة ”مينورسو” لمدة ستة أشهر فقط بدلا عن سنة التي كان معمولا بها طيلة 27 عاما، و هو ما حث طرفا النزاع والبلدان المجاورة المعنية بالقضية حسب وجهة نظره، على اللقاء لأول مرة منذ 2012 بمدينة جنيف السويسرية، مشيرا إلى أنه تحادث حول القضية الصحراوية مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر، و أن الرئيس الألماني سابقا يمتلك ”أفكار إبداعية” لحل النزاع الصحراوي، و حذّر من أن الولايات المتحدة ستطلب “إنهاء” المهمات الأممية في أفريقيا كونها “لا تأتي بسلام دائم”، وأردف قائلا إن واشنطن ستعيد النظر في دعمها لمهمات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية من أجل ضمان فعاليتها في حلّ النزاعات وليس تجميدها فقط. و بدأت ضغوط الولايات المتحدة عن طريق المينورسو منذ أشهر عندما قامت بصياغة مشروع قرار دولي يمدد عمل البعثة بستة أشهر فقط بدل سنة، ما يؤكد إتجاه واشنطن خلال الأشهر المقبلة نحو إلغاء البعثة أو تجميدها.

يبدو أن الولايات المتحدة تريد من خلال هذه التصريحات القوية و الغير مسبوقة، الضغط على أطراف النزاع لعدم التماطل في التوصّل إلى تسوية خلال جولة المفاوضات المرتقبة في ربيع العام المقبل،  وتحديد خارطة طريق فعالة تمكن من الوصول إلى اتفاق تسوية سياسي، يمكن من طي هذا النزاع الإقليمي بشكل نهائي. كما يندرج تعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع ملف الصحراء في إطار التصوّر الجديد الذي يعتمده البيت الأبيض في التعامل السياسي مع القضايا الإقليمية وخاصة تلك التي تحيط بها مخاطر أمنية و تهديدات إرهابية متوقعة، لذلك تسعى واشنطن إلى إيجاد حل سريع لقضية الصحراء، خصوصا بعد توغلات البوليساريو الأخيرة في المنطقة العازلة بالكركرات، و تنظيمها مناورات عسكرية بمشاركة خبراء من الجيش الجزائري، ما اعتبره المغرب استفزازا ومحاولة للتصعيد، و تسبب في توتر خطير و تهديدات متبادلة بالحرب، كاد أن يشعل حرب إقليمية مدمرة بالمنطقة.

من جهة أخرى تطمح الإدارة الأميركية إلى تغير جذري في هيكلة المهمات الأممية الخاصة بفض النزاعات الإقليمية، وتسعى جاهدة إلى تقليص المساهمات المالية الأميركية، وذلك لتنزيل نهج ترامب الجديد “أميركا أولا”، وهو ما عكسه تصريح بولتون عندما أعلن بأن الهدف الآن هو جعل الاقتصاد والسياسة في خدمة التنمية بالمنطقة، ما يشير إلى طموحات أميركية مستقبلية في الاستثمار في المنطقة، و الإستفادة من ثرواتها الطبيعية و موقعها الجيوستراتيجي الحيوي.

لذلك تسوية النزاع الصحراوي، من شأنه أن يوحد الجهود الأمنية العابرة للحدود على المستوى الإقليمي، و يمكن من خلق استراتيجية فعالة للنهوض الاقتصادي الشامل، و يقدم موارد اقتصادية بديلة عن التهريب الدولي والاتجار بالبشر، ما قد يساهم في بسط الاستقرار في المنطقة، ويعود بالنفع المباشر على اللاجئين الصحراويين العالقين في المخيمات منذ أكثر من أربعين عاما، و على مستقبل الجزائر والمغرب كبلدين جارين، و على الاستقرار الإقليمي في المغرب العربي الكبير بشكل عام.

و عليه يعتقد جون بولتون الذي عمل مساعدا لجيمس بيكر عندما كان مبعوثا شخصيا للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان إلى الصحراء، أن تحريك الحل السياسي لن يكون إلا بالضغط على المينورسو، أو بإنهاء مهامها بصفة نهائية، مع التعمد إغفال إمكانية استغلال البوليساريو لهذا الوضع من أجل التصعيد على طول الشريط العازل، وهو حتما ما سيجرّ المنطقة إلى وضعية عدم الاستقرار و أجواء الحرب، ما سيضع أطراف النزاع أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التوصل إلى حل سلمي عاجل وإما إستئناف الحرب، إنها بإختصار إستراتيجية حافة الهاوية التي تخطط إدارة الرئيس الأمريكي لتنزيل بنودها في نزاع الصحراء، فهل يا ترى تنجح هذه السياسة الأمريكية الجديدة في إنهاء معاناة الصحراويين و لم شمل شعوب المنطقة؟؟؟