مناورات البوليساريو العسكرية في المنطقة العازلة و قرار الكونغرس الأمريكي المناوئ للمغرب...طبخة "جون بولتون" المسمومة

Photostudio 1546909431920

بقلم: د.الزاوي عبد القادر- كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات


يبدو أن سياسة حافة الهاوية التي ينتهجها مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" بخصوص تدبير نزاع الصحراء المزمن، و التي سبق أن نظرنا لها في وقت سابق من خلال تقرير إستراتيجي مطول منشور على موقع المركز  -أقول- يبدو أن إسقاطاتها التنفيذية بدأت تتبلور رويدا رويدا على خارطة قضية الصحراء المغربية، و أن ماكينة الضغط الأمريكية بقيادة "بولتون" مستمرة في لعبة تكسير العظام المؤلمة مع أطراف النزاع و خاصة المملكة المغربية.

و مناورات البوليساريو العسكرية الغير مسبوقة يوم أمس الأحد، في منطقة لمهيريز داخل المنطقة العازلة، و قبلها قرار الكونغرس الأمريكي الأخير القاضي بإستثناء الصحراء المتنازع عليها من المساعدات الأمريكية المقدمة للمغرب، إضافة إلى تصريحات "بولتون" نهاية السنة الفارطة لصحيفة "نيو يوركر" و التي أكد خلالها بأنه غير صبور لرؤية الصراع في الصحراء يستمر إلى ما لا نهاية، و بأنه يجب ممارسة ضغوط شديدة على جميع الاطراف المعنية، لمعرفة ما اذا كان بامكانهم حل المشكل، و مهددا في ذات الصدد بإنهاء مهام بعثة المينورسو و وقف تمويلها في حالة عجزها عن احراز  أية تقدم في إتجاه الحل النهائي للنزاع الصحراوي.

-أقول- كل تلك الأحداث المتسارعة و المتتابعة، لا يمكن عزلها نهائيا عن المخطط الأمريكي الجديد للحل السياسي في الصحراء، الذي يحضر له في الكواليس، و يشرف "بولتون" شخصيا على طبخه على نار  التوترات المتحكم فيها، و محاولة الدفع بأطراف النزاع الصحراوي إلى حافة الهاوية و وضع اليد على الزناد، مع جرعات صغيرة من الضغط السياسي و الحرب النفسية كما جرى داخل الكونغرس الأمريكي قبل أيام قليلة، بشأن الطعن المباشر في أهلية المغرب القانونية لتدبير المساعدات الأمريكية المقدمة لمنطقة الصحراء، و إنهاء الإعتراف بسيادته على أقاليمه الجنوبية من أعلى سلطة ديمقراطية و تشريعية ببلاد العم سام.

تطور جديد و خطير، يخص الكونغرس الأمريكي الذي نفى سيادة المغرب على منطقة الصحراء المتنازع حولها كما سلف ذكره، بعد أن اقترحت غرفة النواب داخل الكونغرس الأمريكي، إدراج حكما مرفقا في الميزانية يتعلق بطرق استعمال و تدبير المساعدة الأمريكية في الصحراء, لا يعترف للمغرب بحقوق السيادة الإقليمية على الأراضي الصحراوية، حيث يرفض هذا الحكم الجديد المدرج ضمن مشروع الميزانية الفيدرالية لسنة 2019 و الذي هو حاليا موضوع مفاوضات مكثفة بين الديمقراطيين والجمهوريين, الترخيص السابق المقدم للمغرب بخصوص استعمال و تسيير المساعدة الأمريكية بالصحراء.

ومن خلال هذا الإلغاء, جدد الكونغرس الأمريكي تأكيده على أن المغرب ليس له وضع "قوة مديرة بالصحراء الغربية" لتسيير المساعدة الأمريكية بهذه الأراضي. كما خصص الكونغرس في مشروع القانون الجديد فصلا خاص للصحراء منفصلا عن الفصل المخصص للمغرب، ينص على أن التمويلات برسم  المساعدة الأمريكية في الخارج ستمنح مباشرة "للصحراء الغربية" بعد استشارة بين كتابة الدولة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ولجنتي المالية لغرفتي الكونغرس، حسب منطوق لائحة الكونغرس الجديدة.

ليعود الكونغرس الأمريكي و يؤكد من جديد، أنه لا يمكن تفسير أي جزء من القانون الحالي المناوئ للمصالح المغربية العليا، على أنه تغير للسياسة الأمريكية إزاء قضية الصحراء، والمتمثلة في دعم مسار و جهود الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار والتوصل لحل سلمي و مستدام  في الصحراء، و هو إشارة خطيرة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في سلطتها التشريعية العليا قد دخلت مرحلة جديدة في طريقة التعاطي مع ملف الصحراء، تقوم على مبدأ الحياد السلبي ضد المغرب،

فمن جهة تنزع صفة السيادة القانونية عن تواجده بالصحراء، و من جهة أخرى تدعم جهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي للنزاع، ما يتماهى بشكل مذهل مع الأطروحة الجزائرية المساند الرسمي لجبهة البوليساريو، رغم أنه لا مجال للمقارنة بين الجار  الشرقي للمملكة، و أمريكا كقوة عظمى و عضو دائم و متنفذ داخل دهاليز مجلس الأمن الدولي، ما يؤكد بأن "بولتون" قد نجح إلى حدود الساعة في حشر المغرب في زاوية ضيقة، و طبعا ما كانت البوليساريو تستطيع أن تقوم بتلك المناورات العسكرية الضخمة في الشريط العازل و في هذه الظرفية بالذات، من دون ضوء أخضر من بلاده، خصوصا و أن مجلس الامن الدولي سيعقد يوم 29 يناير الجاري جلسة من أجل الإستماع لإحاطة المبعوث الشخصي للامين العام الى الصحراء ”هورست كوهلر" في أفق التحضير للجولة الثانية من مشاورات الصحراء المرتقبة بعد أشهر قليلة.

قولا واحدا، الولايات المتحدة الأمريكية في ظل سكرتير الأمن القومي الحالي "جون بولتون" و رجل ثقة الرئيس الأمريكي "ترامب"، ماضية في طريقها إلى ممارسة المزيد من الضغوط السياسية و النفسية على المغرب، و العمل على الرفع من منسوب التوتر بالمنطقة، و إنهاء وضع الستاتيكو الذي عرفه ملف الصحراء خلال العقدين الماضيين، حتى و إن تطلب الأمر السماح بحدوث مواجهات عسكرية محدودة و خاطفة، يعقبها إستصدار قرارات أممية جديدة بفرض حل للنزاع لن يكون حتما في صالح الوحدة الترابية للمملكة، إنها طبخة "بولتون" المسمومة. 

فهل يا ترى تعي الدبلوماسية المغربية الدرس جيدا، و تستطيع إستثمار عامل الزمن كمعطى إستراتيجي و حيوي، بشكل ذكي و خلاق من أجل تجنب السقوط في فخاخ "بولتون"؟؟؟