علتنا فينا..في حقيقة الأمر المنتخبون هم المسؤول الأول عن كل مشاكل الصحراء التنموية و الاجتماعية

Photostudio 1548626165229 960x680 1

بقلم: د.الزاوي عبد القادر- كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، صدق رسول الله.

إنه للاسف الشديد حديث نبوي شريف، بات ينطبق على مجموعة من الشباب القبليين "المقنعين"، من النخبة حملة الشواهد العليا بجهة الداخلة وادي الذهب "يا واجعة"، الذين يريدون منا السكوت عن سرقات بعض المنتخبين الفاسدين أبناء عمومتهم، من ابناء جلدتنا اللئام و العنصريين و اللصوص، الذين أثبت التاريخ بأنهم أكثر الناس عداءا للصحراء و أهلها، و انهم اشد قبحا و جهلا و عنصرية من بني صهيون أنفسهم، و ان كل ما تعانيه المنطقة من ازمات اجتماعية و سياسية و حقوقية و إقتصادية خانقة، مربوطة اسبابه و مسبباته و إكسير العلاج منه، بجيد كمبرادورات الريع و الفساد من فئة أغنياء نزاع الصحراء و حواشيه.

لذلك و برغم المجهودات المالية الضخمة التي خصصتها الدولة المغربية من اجل تنمية الصحراء طوال أربعة عقود ماضية، لا تزال المنطقة بساكنتها القليلة للغاية، و التي لا تتجاوز في احسن الاحوال ساكنة مقاطعة المعاريف بالدار البيضاء -اقول- رغم ذلك لا يزال المسلسل التنموي بالصحراء يراوح مكانه عند حدود طفرة عمرانية متواضعة للغاية، الى جانب خصاص مهول في شتى مناحي الحياة و على كافة الاصعدة السوسيو-إقتصادية، و هو ما يمكن للمرء ان يكتشفه بسهولة حين تطأ أقدامه أحد مدن شمال المملكة، و يستنتج حينها بأن خط النزاع جنوبا، يمثل أيضا خط فاصل بين نموذج تنموي مغربي ناجح آت أكله رغم بعض الهفوات هنا و هناك، و بين نموذج تنموي آخر بالصحراء فقير و فاشل و هش، يلخصه بشكل مفجع حال و شكل مستشفى الداخلة الجهوي، الذي لا يعدو ان يكون مجرد مركز صحي بأحد الجماعات القروية الصغيرة المجاورة للعاصمة الرباط.

و طبعا و من دون ادنى شك، لا تتحمل الدولة المغربية او سلطات وزارة الداخلية أو ولاة السلطات الترابية المتعاقبين، أية مسؤولية عن فشل النموذج التنموي بالصحراء، و لا تسأل عن تضخم طوابير المعطلين المحرومين، و لا عن الفساد المستشري بقطاعات إقتصادية متعددة بالاقاليم الجنوبية، كالعقار و الصيد البحري و الفلاحة و السياحة، و لا عن عمليات نهب المال العام على مستوى المجالس المنتخبة، ما دام ممثلي الساكنة الذين منحتهم هذه الأخيرة أصواتها و ثقتها، و فوضتهم سياسيا من اجل تدبير شؤونها، و الدفاع عن مصالحها أمام الدولة، في عملية إنتخابية دأب أن يشارك فيها و كما هو مثبت في وثائق الأمم المتحدة الأغلبية الساحقة من الكتلة الناخبة بالصحراء، سواءا الساكنة الأصلية أو الوافدة، و لا يهمنا مدى نزاتها من عدمها، ما دامت أيضا الدولة المغربية لم تفرض على أحد المشاركة، و لم تجبره على بيع صوته مقابل دراهم معدودات، أو تطالبه بالتصويت لمنتخب معين على أساس عشائري و قبلي.

لذلك حين وضع أغلب أولئك المنتخبين الفاسدين، أياديهم في يد الشيطان، و تموقعوا بقوة في خارطة الفساد المستشري بالصحراء، و تحولوا الى أعضاء نشطين ضمن كارتيلات الفساد و التهريب و نهب الميزانيات و الترامي على العقارات، و أصبحوا بذلك في الصف المعادي لحقوق الساكنة في تنمية بشرية شاملة و حقيقية، فليس من حق أيا كان أن يحاول القفز على هذه الحقائق المرة و المعطيات الصادمة، من أجل تحميل أجهزة الدولة السيادية المسؤولية عما تعانيه الصحراء من مشاكل إجتماعية، و إخفاقات إقتصادية و تنموية متراكمة، كما أنه ليس من حقه مطالبتنا بالصمت عن فضح فساد هؤلاء المنتخبين بإسم مبررات رجعية، مبنية على معايير إثنية او انتربولوجية او مصلحية تافهة، ما ينطبق عليه قول الشاعر: "إذا كان رب البيت بالدف ضارباً...فشيمة أهل البيت كلهم الرقص"، إلا أننا نأبئ لأنفسنا كنخبة أكاديمية مستنيرة أن نرقص على وقع نغمات دف الفساد الضاربة بجهة الصحراء.

قولا واحدا و كما يقول المثل الحساني الدارج "علتنا فينا"، و كم هو مؤسف الإعتراف، بأننا وجدنا الخير في الدولة المغربية و سلطاتها الترابية، و لم نجده في أغلب المنتخبين المحسوبين علينا كرها، و لا حتى في جوقة المستثمرين أبناء جلدتنا اللئام، و من دون ادنى شك لو كانت هكتارات الأراضي و التجزئات السكنية وضعة تحت أياديهم، لكان مصيرها نفس مصير الميزانيات المنهوبة التي يدبرونها، و لحفظوها جملة بأسماءهم و أسماء أسرهم و عوائلهم و أولي القربة منهم، و لما نال منها قطعا، معوز او معطل او مواطن محروم مترا مربعا واحدا.

إن المشكلة الجوهرية، تكمن حقيقة فينا نحن المواطنين أفرادا و مجتمع مدني، فالمنتخبون الذين تولوا تدبير أمورنا في تعاقد سياسي رضائي مع الدولة، لم يهبطوا علينا من السماء، فهم أبناء المنطقة ذاتها، لهم نفس ثقافتنا و عاداتنا، و نتاج لنفس المنظومة المجتمعية و القيمية التي نعيش حاليا أزمتها الخانقة، لذلك فالتغيير الذي يجب أن نفكر فيه اليوم، هو تغيير يرتبط بنا نحن دون سوانا، بأن نغير نظرتنا لأنفسنا و للعالم من حولنا، ونعيد النظر في الثوابت والقيم الثقافية التي تكبل إرادتنا، و تقف حجرة عثرة في طريق تحررنا من استبداد و فساد المنظمومة السياسية و الإنتخابية التي تدبر شؤوننا المحلية.

ختاما، لقد فوضت الدولة المغربية الأموال العرمرم، و الاختصاصات الواسعة، و الصلاحيات التدبيرية، و التمثيلية الشرعية و الديمقراطية لساكنة المنطقة، من خلال جوقة كبيرة من المنتخبين يسيرون الشأن العام، لذلك إذا صلحوا صلح حال البلاد و العباد، و إذا فسدوا و فسقوا فعلى نفسها جنت براقش، و كما قال الزعيم الانجليزي الشهير "تشرشل": كل شعب ينال الحكومة التي يستحقها، إنتهى الكلام.