Créer un site internet

طير يا عود..قراءة في إتفاقية الشراكة بين مجلس جهة الداخلة و جامعة الأخوين بايفران

Photostudio 1551924910667 960x680

بقلم: د.الزاوي عبد القادر-كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات 

"طير يا عود". مثل حساني دارج.

إطلعت على قصاصات إعلامية مضحكة، بخصوص لقاء تواصلي عقده مجلس جهة الداخلة مساء أمس بثانوية لالة خديجة التقنية، مع مجموعة من التلاميذ والأولياء والأطر التربوية، تمحور حول شرح بنود اتفاقية الشراكة المبرمة بين مجلس الجهة وجامعة الأخوين بإفران، التي صودق عليها في الدورة الاخيرة للمجلس.

اللقاء تميز بإلقاء مجموعة من الكلمات، صبت في مجملها على "التطبيل" لعمل المجلس الجهوي، و "تقرقيب الناب" و "تهمهيم حلويات كعب غزال"، بالحديث عن أهمية هذه الشراكة التي ستمكن حسب وجهة نظرهم "العبقرية" أبناء الجهة من سلك مسارات دراسية جديدة بجودة عالية، والاستفادة من منح دراسية ستخول لهم متابعة دراساتهم الجامعية في شعب متميزة تتماشى وحاجيات سوق الشغل بالجهة، في إطار رؤية متكاملة للمجلس الجهوي لإدماج الشباب في سوق العمل، طبعا إلى آخر "الفتيسي" و "التفيتيت الراكم"، و التفنن في بيع الأوهام لطلبة الجهة و تلاميذتها، بالكلام المنمق و لغة الخشب المهترئة.

مدعين بأن الاتفاقية التي وقعها المجلس الجهوي للداخلة وادي الذهب وجامعة الأخوين تمتاز بإجراءات غير مسبوقة تتمثل في تحفيز طلبة الجهة لولوج الجامعة، وتقديم منح استحقاق للتلاميذ الثلاثة الأوائل بالجهة، وتنظيم ملتقى لتوجيه طلبة الجهة محليا من أجل الالتحاق بجامعة الأخوين، ودراسة إمكانية خفض رسوم التسجيل لطلبة الجهة بجامعة الأخوين، وتشجيع مجلس الجهة لجلب طلبة وأساتذة الجامعة للقيام ببحوث وزيارات ميدانية للجهة، و تنظيم ندوات علمية...،

و اللائحة تطول من الكلام الإنشائي المعسول و المنضود بخبرة كليم المجلس الجهوي و زعيم الأوركسترا، الخبير في التسويق الجيد للوعود الحالمة و الشراكات الوردية و المستقبل المرفه الذي ينتظر فلذات أكبادنا في جامعة الأخوين المرموقة و باهظة التكلفة، بينما لسان حال الواقع المر، و التجارب القديمة المعاشة مع هذه النوعية من الشراكات التي يعقدها مجلس الجهة صارخ بالقول: "كلها يمس أي وذنيه أقرب".

عفوا يا تجار الأوهام و الشراكات الفاشلة، ساكنة الجهة لا تمتلك ذاكرة الأسماك اللحظية حتى تنسى التجربة المرة لتلاميذتها و طلابها مع المدرسة الوطنية للتجارة و التسيير التي أفتتحت أبوابها بالداخلة و كان حظهم منها أصفارا بحجم "تشورو" أو "السفنج" باللهجة الدارجة، حيث لا نزال نتذكر جيدا الرسالة التاريخية شديدة اللهجة الموجهة لوزير التعليم العالي من طرف "سيدي صلوح الجماني" رئيس بلدية الداخلة، و "بكار سيد أحمد" رئيس المجلس الإقليمي لوادي الذهب, و "ابراهيم الخليكي" رئيس بلدية الكويرة، بعد فضيحة إقصاء أبناء الجهة من المقاعد البيداغوجية المخصصة للمدرسة الوطنية للتجارة و التسيير بالداخلة، التي عبروا من خلالها عن غضبهم و امتعاضهم الشديد, و إدانتهم القوية للتهميش المرفوض و الغير مقبول, الذي تعرض له شباب الجهة من حملة شواهد البكالوريا، نتيجة حرمانهم من التسجيل في مدرسة التجارة و التسيير بالداخلة. رسالة لن تنساها الساكنة أثبتت حرص رئيس بلدية الداخلة على مصالح طلاب الجهة و حقهم المشروع في الولوج إلى المدارس العليا الوطنية، حتى و ان تطلب الأمر فرض كوطا كإجراء مرحلي.

و رغم أن المدرسة تتواجد فوق تراب الجهة، و قد تم تمويل إنشائها من المساهمات المالية السخية لمختلف المجالس المنتخبة بالجهة، و لا مجال للمقارنة بينها و بين تكلفة الدراسة الملتهبة و شروط الإلتحاق الصعبة بجامعة الأخوين، و مع ذلك تحولت بقدرة قادر الى خنجر مسموم في ظهر مشروع الجهوية المتقدمة الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك محمد السادس خلال زيارته الأخيرة الى المنطقة، و إجهاض مخزي لحلم كبير راود شباب هذه الربوع الملحية عقودا طوال، أحسوا خلالها و لا يزالون بالحكرة و الميز التعليمي الأكاديمي المقيت.

في نازلة مشينة ترقى إلى درجة "أبارتايد" مهين يرتكب في حق ساكنة الصحراء و الجهة، رغم أن الحق في التعليم العالي بكافة تخصصاته و مساراته و درجاته يعتبر حق دستوري راسخ، إلا أن طلاب جهة الداخلة اقصوا منه بطريقة مفجعة ظاهرها قانوني بينما باطنها ميز فاحش ضد ساكنة المنطقة، و لا أدل على ذلك من حرمان الصحراء التي تمتد شواطئها الغنية بالثورات السمكية على طول أكثر من 1200 كلم، من نواة جامعية حقيقية متعددة الاختصاصات و المسارات الدراسية العليا، كما هو الحال بمدن شمال المملكة المحظوظة.

قولا واحدا، نحن لسنا أناس عدميين كما يتصور البعض، و لا نسعى جاهدين و بطريقة آلية الى تبخيس عمل مجلس الجهة و مشاريعه المبرمجة، لكننا أيضا لسنا أغبياء كما تتصور الطقمة الحالية المسيرة لمجلس الجهة، و طبعا الساكنة أيضا أكثر ذكاءا من جميعا، لأنه يوجد في علم التدبير الناجح و الناجع efficace et efficient شيئ يدعى: ترتيب الأولويات، فلا يعقل أن تشنف مسامع جوعان بألحان معزوفة من مقطوعة بيتهوفن، كما لا يعقل ان تفتي لملحد في نواقض الوضوء، فساكنة الجهة و طلابها يمتلكون من الانتظارات و المطالب و الأحلام و الهواجس، ما يفوق بسنوات ضوئية بريستيج جامعة الأخوين النائية و حلمها المستحيل، و كان أولى من كل ذلك "الترصاف" و التحذلق، أن يقاتل مجلس الجهة بحكم اختصاصاته الواسعة و ميزانياته الضخمة من أجل بناء جامعة بالجهة متعددة الاختصاصات، تكفي فلذات أكبادنا الحكرة و "السعاية" و "التكرفيص"، و تحقق المساواة مع باقي مدن المملكة المغربية.

غير أن أشد ما نخشاه من كل ما سلف ذكره، أن نستفيق ذات صباح على أخبار تفيد تسجيل أحد أعضاء أغلبية مجلس الجهة الحالية أو تابعيهم بإحسان، في جامعة الأخوين المرموقة لمتابعة ماجستير أو دكتوراه، و الفاهم يفهم، إنتهى الكلام.