Créer un site internet

أسطورة "الواجدة" التراثية|| تعليقا على مخرجات مناقشات جنيف بخصوص قضية الصحراء المغربية

Photostudio 1553280717094 960x680

بقلم: د.الزاوي عبد القادر – كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات 

تحكي إحدى الروايات التراثية الحسانية، بأنه في قديم الزمان كان هناك تاجر ميسور كبير في السن لم يسبق له الزواج لكثرة ما كان يسمعه من قصص تترى عن خيانة النساء و غدرهم و كيدهم، و ذات مرة نصحه احد أصدقائه بالزواج، لعل الله يرزقه ولدا صالحا يحمل اسمه و يعينه على مشاغل الدنيا، واقترح عليه أن يخطب من عند فقيه المدينة ابنته المولودة الجديدة و أن يشترط عليه ان تبقى في البيت و لا تختلط بالرجال ابدا حتى بلوغها سن الزواج، ثم يتمم بعدها اجراءات زواجه بها و يحملها إلى بيته كزوجة صالحة بلا ماض أو سوابق عاطفية تثير الريبة و الشكوك.

و بالفعل أعجب التاجر بالخطة و نفذها بحذافيرها، و بعد سنوات من المعاشرة الهادئة مع زوجته المراهقة الصغيرة، حدث ما لم يكن في الحسبان ابدا، حيث استطاعت خادمة الزوجة أن تربط الاتصال بين الزوجة الشابة فاتنة الجمال و أحد الفتيان الامراء بالمدينة، بحمل رسائل الحب و الهيام بين الطرفين، استعرت بسببها جذوى الوصال بينهما، و لما طال الحال على هذا الوضع، قرر الفارس الشاب أن يقدم هدية ثمينة للخادمة اذا استطاعت أن تدبر له حيلة ماكرة تمكنه من إبعاد الزوج العجوز ليخلو له الجو بمحبوبته و يحصل اللقاء بالشابة في عقر دارها المحرم عليها مغادرتها حتى الموت، كشرط تم فرضه عليها من طرف والدها الفقيه عند زواجها بالتاجر العجوز.

و تحت إغراءات المال و الجواهر الثمينة، تفتقت قريحة الخادمة عن حيلة جهنمية، حيث طالبت الزوجة الشابة بأن تخبر زوجها التاجر العجوز بأنها تشتهي شراء ثوب ساحر من الديباج الثمين سمعت به يسمى "الواجدة"، و بطبيعة الحال هي مجرد خدعة جهنمية تستهدف أبعاد الزوج، و إجباره على السفر بين البلدان و الأمصار بحثا عن ثوب وهمي غير موجود يسمى "الواجدة"، و هو ما نجحوا فيه بالفعل، حيث إنطلت الحيلة على الزوج العجوز، فركب فرسه و مضى باحثا عن ثوب "الواجدة"، و كلما وصل إلى قرية أو مدينة يقيم فيها الأيام و الأسابيع بحثا بين أسواقها و متاجرها، بلا فائدة، فلا وجود لهذا الثوب الوهمي، و كل التجار الذين يقابلهم يؤكدون له عدم سماعهم من قبل بهذا الإسم، بينما بالمقابل خلا الجو للفارس الشاب و الزوجة الخائنة، و استمتعوا بجميل الوصال و لياليه الملاح في غياب الزوج الغبي.

طبعا القصة لم تنتهي هنا، و ستتوالى الأحداث و تحصل مفاجآت كثيرة، و النهاية ستكون شنيعة بالنسبة للزوجة الشابة و عشيقها الفارس الأمير، غير ان الذي يهمني في الرواية التراثية الحسانية، هو الطريقة الذكية التي إستعمل فيها ثوب "الواجدة" الوهمي لإبعاد الزوج، و جعله ينشغل بالبحث إلى ما لا نهاية بين البلدان و الأمصار عن ثوب وهمي غير موجود، و هي الأحجية البيظانية التي وجدتها تنطبق بشكل مذهل على أطروحة البوليساريو بخصوص حل نزاع الصحراء، خصوصا أن الأمر يتزامن مع نهاية الجولة الثانية من مشاورات قضية الصحراء المغربية المنعقدة بجنيف السويسرية مساء هذا اليوم، و التي إخترنا لها شعار: تمخض الجبل فولد فئرا.

لذلك يبدو أن معادلة الحل للنزاع الصحراوي المزمن و كما يستشف من البيان الختامي المشترك الذي تلاه عشية اليوم المبعوث الأممي إلى الصحراء "كوهلر" هي كالتالي: البحث عن حل سياسي و واقعي و مقبول و مستدام يضمن تقرير مصير الصحراويين. قولا واحدا, حل هذه المعادلة المعقدة هو المجموعة الفارغة أو بلغة بني حسان "حانو شوارب الجمل يطيحو"، لذلك ستظل جبهة البوليساريو ترهن مستقبل أمة بأكملها خدمة لمشروع محكوم عليه بالفشل و بقرار أممي واضح لا إلتباس فيه، لأن كلمة "واقعي" تعتبر تأكيدا على أن أطروحات الاستفتاء و الاستقلال المشروخة، باتت أمرا متجاوزا، و أن اي حل مرتقب يجب أن يكون وسطيا، و هو ما أكده مجلس الأمن الدولي مرارا و تكرار في قراراته الأخيرة بشأن قضية الصحراء المغربية، حين أعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي الموسع مقترحا واقعيا و جديا و ذو مصداقية.

الذي يحز في النفس بحق، أن تظل جبهة البوليساريو مصرة على الاستمرار في الاستهتار بمعاناة الصحراويين اللاجئين قسرا بمخيمات تندوف في أوضاع لاإنسانية كارثية لعقود طويلة، رغم أن المقترح المغربي للحل طموح للغاية و سيمكن الصحراويين من العيش الكريم فوق أرضهم و بضمانات وطنية و دولية، فبالله عليكم ايهما افضل؛ العيش هكذا الى ما لا نهاية في بؤس و حرمان فيافي الحمادة الموحشة تحت وصاية العسكر الجزائري، ام العيش فوق تراب الوطن في ظل ملكية ديمقراطية و حكومة محلية منتخبة؟؟؟

طبعا البوليساريو و قيادتها الفاسدة و نشطائها بالداخل و الخارج غير معنيين بالتوصل الى حل نهائي ينهي مأساة اهالينا بمخيمات تتدوف، بل من مصلحتهم أن يستمر النزاع إلى ما لا نهاية، و قد سبق أن صرح بذلك أحد قادة الجبهة حين اعترف بأنه حتى و لو اجري استفتاء و ربحه المغرب، لن يستطيع العيش يوما واحدا تحت ظل سيادة المملكة المغربية و سيختار اللجوء في الخارج، ما يؤكد بأن قيادة البوليساريو قد حسمت قرارها منذ زمن طويل بتبني إستراتيجية اللاحل كخيار وحيد لتدبير ملف النزاع على الصعيد الدولي على نفس خطى أسطورة "الواجدة" كما في الرواية الحسانية سالفة الذكر، إنتهى الكلام.