تفتيشيات و إفتحاصات بمدن الشمال لمحاصرة الفساد...فإلى متى ستظل جهة الداخلة و الصحراء إستثناءااااا؟؟؟

Photostudio 1547652079736

بقلم: د.الزاوي عبد القادر- كاتب صحفي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و الأبحاث و تحليل السياسات

طالعت في عدة مواقع صحفية مغربية بين الامس و اليوم، اخبار تترى عن تفتيشيات و إفتحاصات يقوم بها قضاة المجلس الاعلى للحسابات و وزارة الداخلية بمدن مغربية عدة، بخصوص خروقات التعمير و زحف المباني السكنية على المساحات الخضراء، و التدقيق في مشاريع وصفقات عمومية نفذتها مئات الجماعات الترابية على مستوى المملكة.

الملفات المرتبطة بخروقات التعمير قيل بأنها وضعت تحت المجهر، بعد أن تبين أن بعض من تعاقبوا على المسؤولية بمدينة سلا، وعددا من المقاولين والمنتخبين قد تورطوا في خروقات خطيرة سمحت بتفريخ عشرات المشاريع السكنية، وجعلت عددا من المساحات الخضراء تختفي من الخارطة، كما وقع بسلا الجديدة التي شيدت فيها المئات من الشقق الفاخرة فوق مساحة مخصصة لحديقة عمومية، تعد المتنفس الوحيد لآلاف السكان.

ووفق ذات المصادر الصحفية، فإن قضاة المجلس باشروا الاستماع إلى مسؤولين سابقين و منتخبين و موظفين، و ذلك في إطار عمليات التدقيق التي من المنتظر أن تشمل الكيفية التي سمحت لعدد من المشاريع العالقة بالمرور بسهولة لفائدة عدد من المنتخبين البارزين، وفي ظرف وجيز، ما أدى إلى الإجهاز على معظم العقارات الفارغة الموجودة بمواقع استراتيجية.

و من المرتقب أن يطال التدقيق الذي باشره المجلس الأعلى في فضائح العقار والتعمير، عددا من الأسماء السياسية المعروفة بمدينة سلا، والتي يتولى بعضها مسؤوليات جماعية، بما فيها تلك التي دخلت إلى قطاع العقار حديثا، قبل أن يصبح بعضها مختصا في اقتناص العقارات تمهيدا لتحويلها إلى مشاريع سكنية، بعد استغلال شبكة علاقات نفعية و فاسدة، وهو ما سمح لبعض هؤلاء بمراكمة ثروات مالية ضخمة و بشكل سريع و مفضوح.

من جهة اخرى و حسب نفس المصادر الصحفية تدقق لجنة مشتركة بين المجلس الأعلى للحسابات ووزارة الداخلية في مشاريع وصفقات أنجزتها أكثر من 600 جماعة ترابية موزعة على مختلف الجهات والعمالات والأقاليم، حيث سيتم التركيز على الصفقات التي تم تمريرها بطرق مباشرة وتلك التي تتجاوز قيمتها 10 ملايين درهم (مليار سنتيم).

ويأتي تحرك المجلس الأعلى للحسابات كما سلف ذكره، المسؤول عن مراقبة تدبير المالية العمومية، ووزارة الداخلية، باعتبارها سلطة الوصاية للتأكد من سلامة العمليات المالية و المشاريع الميزانياتية التي أنجزتها العمالات والأقاليم والجماعات.

إنها إذن حركية تفتيشية نشيطة تشهدها مدن شمال المملكة، بهدف محاربة الفساد، لكن طبعا من دون ان تمتلك تلك التفتيشيات و اللجان الجرأة و الإرادة السياسية و القانونية و الاخلاقية، لتتجاوز خطوط النزاع جنوبا، من أجل شن حملات تفتيشية مماثلة ضد مافيا الفساد المعششة بالأقاليم الصحراوية برا و بحرا، تعبت أقلامنا من صياغة التقارير و المقالات فيها و عنها ردحا من الزمن، موثقة بالأدلة و الحيثيات الدامغة من دون أن تحرك الدولة المغربية و مؤسساتها الرقابية ساكنا او متحركا.

حيث لم تهبط تلك التفتيشيات، من صومعة مؤسساتها العاجية، الى منطقة الصحراء المتنازع عليها، لتوقف زحف مقاولين مشبوهين و جشعين من طينة "الحو" و "بنسي" و غيرهم، من اجل ان توقف خروقاتهم الأجرامية الموثقة، في مجال التعمير و الاستيلاء على مساحات عمومية تحت جنح الظلام من أجل تحويلها الى استثمارات خاصة و مربحة، على حساب حقوق المواطنين و ساكنة المنطقة في فضاءات عمومية و متنفسات خضراء، كمثل ساكنة مدن سلا و الرباط و أكادير و طنجة و غيرها من مدن المغرب النافع على سبيل المثال لا الحصر.

كما أنها لم تفتح تحقيقات مماثلة مع مستشار منتخب بالمجلس الاقليمي لوادي الذهب، حول جريمة إستيلائه على صهريج للماء مملوك للدولة، و تحويله الى مشروع إستثماري خاص به بطرق ملتوية و مستفزة، رغم فضحنا للنازلة المشينة بالصور و التقارير، و برغم كذلك ما آثارته القضية من غضب شعبي عارم، و إنتفاضة مجموعة من الحقوقيين و نشطاء المجتمع المدني بالداخلة.

و أيضا لم تحقق تلك التفتيشيات العرمرم في ملف يتيم واحد عن مافيا الصفقات العمومية بالداخلة، و التلاعبات المقززة في قيمتها و مساطر تفويتها و أوراش تنزيلها المغشوشة كما تشهد على ذلك التساقطات المطرية الهزيلة، ناهيك عن عمليات المحاباة المفضوحة التي تقوم بها بعض المجالس المنتخبة لمقاولين فاسدين، رغم التقارير المحاسباتية الدقيقة التي سبق للمركز أن نشرها على الرأي العام بالوثائق و المستندات، حيث أننا لم نرى في يوم من الأيام منذ إسترجاع إقليم وادي الذهب، مسؤول أو منتخب أو مقاول أو مستثمر، يقدم للقضاء، أو يخضع للعقاب و المحاسبة.

و لم تفتح أيضا تلك التفتيشيات "العظيمة" ملف مقالع الرمال و الحجارة المنهوبة بجهة الداخلة وادي الذهب، كحالة مقلع منطقة "لكصيبة" المنهوب، الذي تعيث فيه ليل نهار مزنجرات المقاول "الحو" فسادا و تجريفا و نهبا و تدميرا للمجال البيئي و الإيكولوجي، من دون أن تستفيد منه الساكنة أو المنطقة، بإستثناء طبعا العصابة المتواطئة مع المقاول "الحو" في إستغلاله الى جانب الحماية الفوقية التي بات يتمتع بها هذا الأخير، من طرف موظفين ساميين أكثر منه قبحا و فسادا و وساخا.

و نفس الكلام ينطبق أيضا على عمليات الاستيلاء الممنهج على الملك العمومي البحري بخليج وادي الذهب و الواجهة الأطلسية، و على عصابة تهريب الأخطبوط و باقي الثروة السمكية، شمالا و جنوبا، عبر معبر الكركرات و على طول الطريق الوطنية رقم واحد، رغم كثرة السدود الأمنية المتواجدة هناك، حتى لما إستتب الأمر للمافيا، و أمنوا المحاسبة، صاروا يرمون فضلات السمك المنهوب و المعالج خلسة في وحدات سرية منتشرة كالسرطان وسط أحياء المدينة (صاروا) يرمونه في واضحة النهار بشواطئ المدينة و وسط التجمعات السكنية و على "عينك يا بنعدي"، متسببين في كارثة بيئية و صحية للساكنة المجاورة، و لا يقل لنا أحد بأن الأجهزة الأمنية و المخابراتية و جيش أعوان السلطة، ليسوا على إطلاع بما يحدث، و لا يعرفون كل المتورطين فيه، و هم العارفين حتى بدبيب النمل و حركاته في جوف الظلام، فما بالك بأن يخفى عليهم ما هو ظاهر للعوام.

الحديث مؤلم و ذو شجون، و الفساد الأسود المعشش بالجهة و الصحراء عموما، بات للأسف الشديد في حماية رسمية و شاملة من الدولة المغربية، بعد أن تصالحت خصوصية المنطقة و ضرورة دعم السيادة المغربية على الصحراء، مع ضرورة الصمت عن كل جرائم الفساد الأسود سالفة الذكر. فساد رهيب و مثير للإشمئزاز زمجرت رعوده و أبرقت على رؤوس ساكنة المنطقة المحرومة و المطحونة، وفق شعار: الوطنية المأجورة، و شراء الولاءات، مقابل الصمت عن نهب الميزانيات و الثروات.

و هو منطق متقيح لن يجدي نفعا على المدى البعيد، اللهم إلا في تغذية صبيب الإنفصال و الغضب و اليأس وسط صفوف أجيال ساكنة الصحراء المتعابقة، و زيادة تنفير الساكنة من الدولة و الكفر بالوطن، و صناعة شرخ نفسي كبير بين الدولة المغربية و ساكنة المنطقة الأصلية، سوف يتسع خرقه على الراتق.

فرص هائلة أهدرها المغرب بتعايشه المشين مع أوليغارشيات الفساد السياسي و الاقتصادي التي صنعها، كان بإمكانها أن تجعل من الصحراء نموذج مغربي حقيقي لأرقى صور التنمية الانسانية و الرفاه السوسيو-إقتصادي، و هو ما كان كفيل أيضا بأن يغري ساكنة مخيمات تندوف بالعودة الطواعية إلى أحضان الوطن العادل و الديمقراطي، و يعزل جبهة البوليساريو الإنفصالية، و يمكن من الحصول على لائحة بتوقيعات عشرات آلاف الصحراويين، مؤيدة لكل مواقف المملكة المغربية خارجيا و داخليا.

خلاصة القول، ما يحصل في جهة الداخلة وادي الذهب و الصحراء عموما، من فساد أسود و خروقات مستفزة، و إحتقار أرعن للقانون، في دولة أشيع غربا و شرقا بأنها دولة الحق و القانون و المؤسسات، أخطر بكثير مما يحدث في مدينة سلا و غيرها من مدن شمال المملكة، لكنها لعنة خصوصية المنطقة التي تحولت بردا و سلاما على قماقم الفساد بهذه الربوع المالحة، ما جعلهم في مأمن من الإفتحاصات و التفتيشيات و المحاسبات، إنتهى الكلام.