تقرير مثير//عقار عمومي بالقرب من السوق القديم بالداخلة مهدد بالإفتراس من طرف تماسيح العقار

Photostudio 1555638279139 960x680

بقلم: د.الزاوي عبد القادر-كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

مؤسف للغاية ما وصل إليه حجم قماقم الفساد بجهة الداخلة وادي الذهب، التي تضخمت نشاطاتها المشبوهة بشكل بات يطرح أكثر من علامة استفهام حول إشكالية مفهوم الدولة المغربية بشكل جذري، و مدى جدوائية كل الشعارات الرنانة التي شرخوا بها آذان المواطنين ردحا من الزمن، عن مبادئ من قبيل ربط المسؤولية بالمحاسبة و دولة المؤسسات و محاربة الفساد، الى آخر العنقود من الظواهر الصوتية التي لا يتجاوز مدى فاعليتها النصوص الورقية المخطوطة عليها.

و الأخطر من كل ما سلف ذكره، الإستهتار الأرعن و الفاحش بخطابات جلالة الملك محمد السادس، الذي كان و لا يزال يشدد خلالها على ضرورة تخليق المرفق الإداري العام، و القطع النهائي مع سياسة الريع البغيضة، و الضرب بيد من حديد على ايادي الفاسدين، و جعل المواطن المغربي و مصالحه في قلب السياسات العمومية للدولة، من طنجة و إلى تخوم لكويرة جنوبا.

لكن يبدو أن لمافيا العقار و الترامي على املاك الدولة و الأملاك العمومية للساكنة بجهة الداخلة، رأي آخر في الموضوع و غير معنيين نهائيين بمؤسسات الدولة الرقابية و خطب جلالة الملك السامية، ما داموا أصبحوا دولة داخل الدولة، في ظل حماية شاملة من جيوب فاسدة ممتدة داخل أجهزة الدولة السيادية العليا. انه التفسير الوحيد الذي يمكن من خلاله أن تفهم الساكنة سبب الغطرسة و "الدسارة" التي تظهرها مافيا نهب العقارات و الإستيلاء على أملاك الدولة العمومية، من خلال هجماتها الشرسة التي تشنها كل يوم على عقارات مخصصة للمصلحة العامة بمدينة الداخلة، كانت ستكون مساجد للقرب أو فضاءات خضراء للنزهة أو مرافق اجتماعية، فإذا بها تتحول بشكل إجرامي و غير قانوني إلى مشاريع خاصة مربحة لمستثمرين فاسدين و منتخبين متنفذين وضعوا ايديهم في يد الشيطان خدمة لجشعهم و مصلحة حساباتهم البنكية المتخمة بأموال حرام منهوبة من أفواه المحرومين و المفقرين و البؤساء، أبناء فلذات تلك الربوع المالحة و المستباحة.

لذلك لا غرو أن يتحول البعض في مدة زمنية وجيزة، من الحضيض إلى قمة الثراء، بينما لا تزال فئات واسعة من ساكنة الجهة و الصحراء تناضل من أجل لقمة عيش مرة استحالة إلى سراب، حتى بات الصحراويين يحرقون انفسهم بعد أن طفح بهم الكيل، و سدت في وجوههم جميع سبل العيش الكريم، من خميرة أموالهم العمومية المسروقة و ثرواتهم الطبيعية المنهوبة، زادها سواءا و استفحالا اصطفاف المنتخبين و النشطاء الحقوقيين و المدنيين إلى جانب الكعكة، حيث لهم مع مافيا الفساد و الاستيلاء على الأملاك العمومية مآرب كثيرة يقضونها، و ذلك على حساب الدفاع عن حقوق الساكنة المهضومة.

لقد كثر الحديث بجهة الداخلة وادي الذهب، عن حالات الهدر المالي، و هدر الميزانيات الضخمة نتيجة سوء التدبير، و عمليات الإنفاق الممنهجة على مشاريع عبثية و غير مجدية، و عمليات وضع اليد على الأموال العامة و سلبها من خلال مشاريع وهمية، إضافة إلى مختلف ألوان العمليات الغير مشروعة من الصفقات و السمسرات المشبوهة التي تهدف إلى الإثراء الغير مشروع و تبادل المنافع مع مقاولين محظوظين و محظيين، ناهيك عن الهدر الشنيع و الإستنزاف الممنهج الذي تتعرض له الموارد الطبيعية و الثروات البحرية بالجهة. هدر رغم شناعته و استفحاله، أصبح للاسف الشديد أمرا عاديا، و قاعدة متأصلة، تعايشة معها سلطات الدولة الرقابية، و لم تعد للاسف الشديد تثير الفضائح، و لا حتى تخيف لوبيات الفساد المتجدرة فوق تراب الجهة.

لذلك اتسعت عمليات بلقنة و تبديد الرصيد العقاري بالجهة، و الاستيلاء على أراضي الملك الخاص للدولة، و بدأت تتسع معها قائمة المستفيدين الحصريين من هذه العقارات المنهوبة، لتشمل مستشارين منتخبين و برلمانيين و زعماء سياسيين محليين ومقاولين فاسدين، اصبحوا يشكلون فيما بينهم لوبي مدمرا، و احتكروا تقاسم الثروة و التمثيلية الإنتخابية و السياسية تحت شعار: "زيتنا فدقيقنا".

و عودة على بدأ، علمت من مصادر موثوقة، ان أحد تماسيح لوبيات الترامي على عقارات الدولة الخاصة و العامة، بدأ يعد العدة من أجل الاستيلاء على قطعة أرضية "همزة" تتواجد قبالة السوق البلدي القديم وسط المدينة بشارع إمليلي -شاهدوا الصورة- هذا أن لم يكن قد إستولى عليها بالفعل، و ان عملية الاستيلاء الجديدة بطلها برلماني متنفذ معروف بتراميه في عدة مناسبات على املاك للدولة بطرق ملتوية و مشبوهة من أجل تحويلها إلى مشاريع عقارية شخصية، وذلك في تعارض تام مع المقتضيات المتعلقة بشروط تفويت الملك الخاص للدولة المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 2.02.185، الصادر في 5 مارس 2002، المتعلق بسن نظام عام للمحاسبة العامة، ولا سيما الفصل 82 منه الذي ينص بصريح العبارة على ما يلي: "يباشر بيع العقارات من ملك الدولة الخاص عن طريق المزاد العلني"، لكن يبدو أن صاحبنا المنتخب باتت تنطبق عليه أحجية "أمنا الغولة" الشهيرة التي تقوم بتربية و رعاية صغار الغنم و حين يكبرون و يسمنون، تقوم بإلتهامهم واحدا تلو الآخر بلا رحمة او شفقة.

قولا واحدا، إن الثراء غير المشروع عن طريق استغلال السلطة والنفوذ و نظام الامتيازات و المكانة الانتخابية، مازال مستمرا بجهة الداخلة ضدا عن الدستور المغربي و التوجيهات الملكية السامية، تحولت معه الجهة إلى مزرعة خلفية لتغول قماقم الفساد و الريع، و سقط معه بشكل دراماتيكي مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة "الوهمي"، و كل مبادئ المواطنة الحقة و المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، و عليه من السابق لأوانه في ظل كل هذا الوضع المشمئز، الحديث عن الديمقراطية و حقوق الإنسان ومشروع الجهوية المتقدمة و الحكم الذاتي إلى آخره من العناوين الجوفاء، لأنه لا عبور نحو الديمقراطية الحقة و دولة المؤسسات الراسخة، من دون القضاء النهائي على كل هذا الهدر الوجودي البشع الذي تتعرض له ساكنة الجهة عل كافة الأصعدة، و خصوصا في جانب الافتراس الممنهج الذي تتعرض له عقارات الدولة و الساكنة من طرف تماسيح العقار المفترسة، إنتهى الكلام.

Photostudio 1555728504016 1000x1000