نداء مستعجل للساكنة من أجل الثواب..صلاة الجنازة على مشروع الجهوية المتقدمة بالداخلة

Photostudio 1558170359825 960x680

بقلم: د.الزاوي عبد القادر-كاتب رأي و مدير المركز الأطلسي الصحراوي للإعلام و أبحاث مكافحة الفساد و تحليل السياسات

إطلعت بالصدفة على تقارير أمنية موثقة تتحدث عن تأمين قوات حفظ النظام بالداخلة ما يناهز 401 وقفة إحتجاجية على مدار الفترة الممتدة من شهر مايو السنة المنصرمة و إلى حدود الساعة، و اذا قمنا بتقسيمها على عدد أيام السنة، سنكون بصدد معدل أكثر من وقفة احتجاجية يومية شهدتها مدينة الداخلة على كافة الأصعدة و همت مختلف الفئات الاجتماعية المهمشة و المحرومة. 

الذي يثير الشفقة و الغضب في التقرير المذكور، أن هذا المنسوب المرتفع من الغضب الشعبي الذي تم ترجمته من خلال وقفات إحتجاجية شبه يومية، نادت و لا تزال بالعدالة الاجتماعية و الكرامة و محاربة الفساد و توزيع عادل للثروة و توفير مناصب الشغل لكافة الشباب العاطل من حملة الشواهد و غيره، يوازيه من جانب آخر منطق متقيح عنوانه العريض مقولة "كولو العام زين" و أخواتها، و ذلك في إطار إجترار ممنهج لأسطوانة مشروخة من الديماغوجية الموغلة في العدمية و اللغة الخشبية المنمقة. حيث لا يفوت سعادة المسؤول أو رئيس المجلس المنتخب الفرصة دون الترافع برباطة جأش و "وجه مقزدر" عن "الطفرة التنموية العظيمة" التي تشهدها الجهة, و التي يحملها النموذج التنموي الذي دشنه جلالة الملك محمد السادس حفظه من هذه الربوع المالحة، و الذي لا زال يراوح مكانه منذ أكثر من أربعة سنوات على إعطاء انطلاقته، بل و تحول للأسف الشديد إلى ما يشبه مشروع "بيع القرد و ضحك على من شراه" ذائع الصيت.

و إلا لما امتلك مسؤولي الجهة, كل هذه الجرأة و الشجاعة في أن يتحولوا إلى شهود زور على المرحلة, و على مشروع ملكي طموح تحول بهذه الربوع المالحة، إلى ما يشبه طبل "إيكاون", صالح فقط لتطبيل و "التهيدين" أمام الوفود الداخلية و الاجنبية, بينما واقع الحال شاهد على بؤس و هزالة يندى لها الجبين, رغم ما وفرته الدولة لمشروع الجهوية من إمكانات مالية ضخمة طيلة 4 سنوات مضت, لم يجد لها أبناء الجهة أية فائدة تذكر, فلا جامعات بنيت "تحمر لوجه" و تحفظ كرامة طلبة المنطقة من "التكرفيس" و "الحكرة" في مدن الشمال, و لا مستشفيات جامعية شيدت لتضمد جراحات المرضى المعوزين و تحترم آدميتهم, و لا مناصب شغل كريمة وفرت لتصون كرامة العاطلين و حملة الشواهد العليا و المحرومين و المفقرين, و لا ثروات سمكية مستباحة مكن للساكنة في مشاريعها و ريعها, بإستثناء طبعا "العصابة" و كمبرادورات الريع و الفساد, إلى درجة من التسيب و النهب تجاوز فيها ثمن سمك "الكوربين" 120 درهم للكيلو غرام, في شبه جزيرة تعوم على ثروة أسطورية من الأسماك يتجاوز حجم إنتجاها السنوي المتجدد مليون طن.

بالله عليكم إذن: أين هي هذه الجهوية المتقدمة و الطفرة التنموية العظيمة التي شرخوا بها رؤوس الساكنة و المنتظم الدولي؟؟؟ اللهم إلا إذا كانوا يقصدون بكلامهم، تكريس الريع الإنتخابي و السياسي البغيض بالجهة, من خلال توزيع الدعم المليوني السخي من اموال الساكنة المطحونة, على مجموعة كبيرة من الجمعيات, و إنفاق ملايين الدراهم من الميزانية على تمويل المهرجانات و تنشيط الحفلات و الإطعام و "الزرادي" إضافة إلى برنامج التنمية الجهوية الذي سبق ان أسميناه ببرنامج "حانو شوارب الجمل يطيحو", ناهيك عن التغول الرهيب الذي تعرفه لوبيات الفساد المقربة من السلطة، و عمليات الترامي الرهيب على العقارات المملوكة للدولة و الأراضي الجماعية و المساحات الخضراء و البلقنة الإجرامية التي يشهدها الملك العمومي البحري بشواطئ خليج وادي الذهب.

إنه الحصاد المر لاكثر من 35 سنة من التدبير الفاشل و الكارثي للملف الاجتماعي و التنموي و السياسي و الإنتخابي و الديمقراطي بشبه جزيرة الداخلة، سنوات قحط و نحس مستمر, نجح خلالها المسؤولين عن تدبير الجهة في تسمين "ماريونات" السياسة و أشياخ الريع القدامى و الجدد، و تحويل كرسي التمثيلية الانتخابية إلى بقرة حلوب, و الميزانيات إلى "فريسة" ينهشونها نهش الضباع الجائعة في جوف البراري بلا شفقة او رحمة، لينضاف إلى عقد تلك النخبة الفاسدة، موضة جديدة في التدبير قائمة على تحويل جرف الداخلة الملعون إلى أصل تجاري لمقاولين من شذاذ الجغرافيا المغربية المترامية الأطراف من خلال زواج غير شرعي بين السلطة و رجال الأعمال و رؤساء مجالس منتخبة، تحول معها المنتخب من ممثل للساكنة و مدافع عن مصالحها، إلى سمسار و وسيط بين جميع تلك الأطراف، مهمته البيع و الشراء في بؤس الساكنة و نهب ما إستطاع إليه سبيل من أموالها العمومية و انتظاراتها و حقوق أجيالها القادمة.

لذلك لن يجد المواطن البسيط صعوبة كبيرة في أن يستنتج بأن ما يسمى بمشروع الجهوية المتقدمة قد ولد ميتا بالداخلة, رغم ما خصصته له الدولة المغربية من الميزانيات الضخمة, ناهزت على مستوى سنوات 2015 ,2016, 2017, 2018, 2019, أكثر من 200 مليار سنتيم عدا و نقدا, كان بإمكانها أن تحول الجهة إلى "لوكسمبورغ" أخرى, وترفه من مستوى عيش المواطنين المقهورين, و تمحو شبح البطالة المخيف الجاثم على أحلام و صدور شباب الجهة العاطل و حملة الشواهد "لمفرشخين", الذين ضاقت بهم ميزانيات الجهة بما إشتملت عليه من ملايير, و صدت دونهم أبواب المسؤول و المنتخب، بل و إختار بعضهم النزوح إلى شريط الكركرات العازل و الإعتصام هناك في ظروف مأساوية و مهينة دفاعا عن لقمة عيش سرقت من أفواههم و ثرواتهم السمكية المنهوبة, بينما إيجاد حلول ناجحة من خميرة الميزانيات المليارية لكل هذه المشاكل العويصة و الانتظارات الملحة و المطالب الإجتماعية العادلة, هو لعمري الدور الحقيقي المنوط بمشروع الجهوية المتقدمة و الإختصاص الأصيل للدولة المغربية. و عليه من السابق لأوانه في ظل كل هذا الوضع المشمئز، الحديث عن الديمقراطية و حقوق الإنسان ومشروع الجهوية المتقدمة و الحكم الذاتي إلى آخره من العناوين الجوفاء، لأنه لا عبور نحو الديمقراطية الحقة و دولة المؤسسات الراسخة، بدون استرداد المواطن لحقه المسلوب و مكانته المستباحة.

قولا واحدا، يبدو أن مشروع الجهوية "المفتعلة" بالصحراء عموما و الداخلة خصوصا, و نتيجة فشله المدوي و إنعدام مردوديته السوسيو-إقتصادية على الساكنة, و عجز الدولة عن تنزيل اوراشه التنموية بما يخدم تنمية الإنسان الصحراوي و النهوض بأوضاعه على مختلف الأصعدة -أقول- أصبح نقمة على الدولة و حجة عليها في الداخل و الخارج, بل و تحول إلى كابوس مزعج لصناع القرار داخل أجهزة الدولة السيادية, على إعتبار أنه يضرب في مقتل المقترح المغربي للحكم الذاتي و يشكك في نجاعته و مدى إمكانية تنزيله على أرض الواقع, ما بات يستلزم من الدولة التدخل العاجل من اجل وقف نزيف اموال الشعب المستنزفة بإسم مشروع "ول أهميش" سالف الذكر, و إجراء مراجعة شاملة و جوهرية له, و القضاء النهائي على كل أشكال الفساد البشع الذي تتعرض له ساكنة الجهة عل كافة الأصعدة، قبل أن يتسع الخرق على الراتق، إنتهى الكلام.